هذه المادة الثالثة من سلسلة المواد التي يجري نشرها تباعاً ضمن ملف "أوراق على طاولة الـ G7"
في 1976 عندما انضمت كندا إلى مجموعة السبع كانت دول المجموعة هي من الدول الديمقراطية التي تُعد اقتصادياتها من الاقتصاديات الأكبر في العالم، وبالتالي فقد كانت تؤدي دوراً هاماً في تشكيل القضايا المحورية ولا سيما عالمياً، إذ مكنها تفوقها الاقتصادي إلى جانب سلطتها السياسية وقوتها العسكرية من مناقشة القضايا والأزمات على صعيد عالمي، واستطاعت بذلك صياغة اتفاقيات وأهداف وسياسات حقيقية وذات شأن عالمي، واستمر ذلك حتى أمد قريب؛ حيث أدت المجموعة دوراً في قضايا كثيرة؛ مثل: مكافحة الإرهاب، والتسلح النووي، ومواجهة روسيا، وغير ذلك.
وعلى مدى العقود الماضية؛ حرِصت الولايات المتحدة الأمريكية على ضمان قبول سياساتها في مجموعة السبع، وتشكيل جدول أعمال القمم ومحتواها وحتى التأثير في بياناتها الختامية، تحقيقاً للمثل المأثور: "القوي يفعل ما يريد والضعيف يفعل ما يجب عليه". وتطبيقاً على ذلك، يُمكن أن يُفهم ويُفسر السلوك المتعالي للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وسياسته "الرافضة" لأجندة ومخرجات القمم الثلاث السابقة التي حضرها، والتي عُقدت في كل من: إيطاليا، وكندا، وفرنسا. ومن هذا المنطلق، قد تنبع توقعات قادة الدول الست من القمة السادسة والأربعين "المزمع" عقدها في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تتمثل في أن يمارس ترامب ضغوطاً على هذه الدول لتقوم بمجاراة سياساته المناهضة للصين، أو لتقديم تنازلات في القضايا التجارية، أو لإلزامها بالقبول بروسيا كضيف على مجموعة السبع؛ وهذه هي الأجندة التي سعى لها ترامب في القمم السابقة.
لكن ما لا يدخل في حسابات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الست لم تعد كما كانت في سابق عهدها؛ إذ شهدت الولايات المتحدة الأمريكية انخفاضاً نسبياً في نفوذها العالمي، ولم تعد وحدها مَنْ تُشكل المشهد السياسي والاقتصادي العالمي، وبالتالي هي دون تلك العتبة القديمة التي تمكنها من قيادة العالم وأوروبا على حد سواء. من جهة أخرى؛ تواجه الولايات المتحدة الأمريكية عصراً تميل فيه الدول الست الأعضاء إلى خط سياساتها بشكل منفرد، كما في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإلى اتباع كل دولة لسياستها الخاصة فيما يتعلق بقضايا اللاجئين؛ مما يشير إلى أنها لن تكون عازمة على تحويل مجموعة السبع إلى نادٍ مناهض للصين خاصة أن ذلك سيضر بمصالحها، وعلى ذات المنوال فيما يتعلق بالقضايا التجارية.
وبالنسبة لأوروبا، تمثل مجموعة السبع عائلة ومجتمعاً ديمقراطياً ليبرالياً، وليس هناك تجمُع أفضل منه لمناقشة تحدياتها الداخلية المتفاقمة، بما في ذلك مناقشة تعزيز الإصلاحات الاقتصادية في أوروبا، وعجز الميزانية، وإشكالية التعاون البريطاني الأوروبي بعد البريكست، وقضايا اللاجئين، والحفاظ على وحدة أوروبا في فترة تنمو فيها الأحزاب القومية، ناهيك عن قضايا راهنة عدة أهمها جائحة "كورونا" وتبعاتها. وأينما ألقِي السمع في أوروبا، فإن الدعوات المطالبة بإصلاح جذري أو تدريجي فيها، وتلك المطالب بالتغيير أو بتأسيس جيش مشترك أو بإصلاح منطقة اليورو؛ سيُسمع صداها في جميع أروقة الاتحاد الأوروبي، وهذه قضايا لا تهم بالضرورة الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى عدم الانجرار نحو النزاعات والإشكاليات الداخلية للاتحاد الأوروبي، أو حتى داخل مجموعة السبع، مع الحفاظ على التزامها بالنقاط العامة دون الدخول في التفاصيل الدقيقة.
على الشاكلة ذاتها، يُمكن فهم الخلافات والانقسامات المتفشية داخل الاتحاد الأوروبي نفسه وحلف شمال الأطلسي؛ فالولايات المتحدة الأمريكية التي تبلغ ميزانية دفاعها ضعف ميزانية الدفاع لأوروبا مجتمعة، ترى أنها لم تعد مضطرة لتقديم المزيد من الدعم والتضحية لأوروبا "المستقلة" عنها، وتطالبها بزيادة مشاركتها المالية في ميزانيات حلف شمال الأطلسي وميزانياتها الدفاعية لتقليل اعتمادية أوروبا عليها. في المقابل، تعي أوروبا مضمون وفحوى السياسة الأمريكية تمام الوعي، كما يظهر في إشارة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في مايو 2017: أنه حان الوقت للابتعاد عن الهيمنة الأمريكية وعلى أوروبا الاعتماد على نفسها، إذ قالت إنه: "لا يسعني إلا أن أقول: نحن الأوروبيون يتعين علينا أن نتحكم في مصيرنا بحق".
أضف إلى ذلك؛ أنه لم يعد ممكناً ذكر تأثير مجموعة السبع في سياقه التاريخي السابق، فالتغيير في البيئة الداخلية لمجموعة السبع - المذكور سابقاً - يقابله بيئة دولية متغيرة؛ شهدت تغيرات هيكلية في المشهد الاقتصادي والسياسي والعسكري، مع صعود العديد من الاقتصاديات الناشئة؛ مثل: الصين، والهند، والبرازيل، وروسيا.
وبشكل أكثر تحديداً؛ تُعتبر الصين الآن ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، مع مجموع ناتج محلي أكبر من مجموع الناتج المحلي لـكل من: فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا مجتمعة، وهي أكبر من أي عضو في مجموعة السبع باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية. ولدى الهند الآن ناتج محلي إجمالي يزيد عن ذلك الموجود في كل من: كندا، وإيطاليا، ومساوٍ تقريباً للناتج المحلي لكل من: بريطانيا وفرنسا. وكذلك يتساوى تقريباً الناتج المحلي لكل من: روسيا، والبرازيل، وكندا.
علاوة على ذلك؛ تمتلك الصين نفوذاً كبيراً في قوة التصويت في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهي أكبر من أي عضو في مجموعة السبع باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، بينما تزيد قوة التصويت لدى الهند عنه لكل من: كندا، وإيطاليا في البنك الدولي، وكذلك روسيا التي تزيد قوة تصويتها عن إيطاليا، إضافة إلى امتلاك كل من: البرازيل، والهند، وروسيا، تأثيراً في صندوق النقد الدولي.
وفي ظل هذه المتغيرات؛ فإن مجموعة السبع التي لا تزال تضم الدول الديمقراطية الأكبر في العالم، لم يعد بإمكانها أن تدعي سيطرتها على الاقتصاد العالمي، أو نفوذها على الدوائر والمنظمات العالمية، أو أن تصور نفسها على أنها ناد "للنخبة" في هذه المرحلة، فبالكاد هي تستطيع مناقشة أو حل أي قضايا عالمية في الوقت الذي تقوم فيه باستبعاد القوى الناشئة الجديدة؛ التي باتت تؤدي دوراً متزادياً على الصعيد العالمي ولم تعد تقبل أن تُعامل على أنها من دول العالم الثالث، وخير مثال على ذلك؛ اتهام الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأن عقليته "استعمارية"، بعد دعوة الأخير لبحث قضية الحرائق في غابات الأمازون مع قادة مجموعة السبع في قمة فرنسا التي عُقدت عام 2019، والتي تعتبر شأناً داخلياً. وعلى المنوال ذاته، عبرت الدول السبع في قمة فرنسا عن مطالبها بإصلاح منظمة التجارة العالمية، بالإشارة إلى "رغبتها" بذلك في بيان القادة الختامي للقمة، دون أن يكون هناك أي صدى يذكر للاستجابة لها.
وبناء على ما سبق؛ يتضاءل نفوذ وقوة مجموعة السبع أمام مجموعات ومنتديات عالمية أخرى، أهمها مجموعة العشرين، والتي تمثل في طياتها ثلثي سكان العالم وحوالي 84% من الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن وجود عدد كبير من المشاركين فيها قد يجعل من الصعب لهذه المجموعة التوصل إلى قرارات توافقية أو إلى إجماع من الممكن تطبيقه، إلا أنها أدت دوراً في الحكومة العالمية، وعززت من التعددية التي تُعتبر هامة في التعاون الدولي، ويتفق مع ذلك الاقتصادي، ثوماس رايت، نقلاً عن الـ "CNN"؛ حيث أشار إلى أن مجموعة العشرين قد نجحت في استعادة الاستقرار في النظام المالي بعد قمتي: واشنطن عام 2008، ولندن عام 2009، وهذا يدل على أن هذه القضية هي من إحدى القضايا التي تمكنت مجموعة العشرين من حلها ولم تتمكن من ذلك مجموعة السبع.
وأخيراً؛ يقودنا السرد السابق نحو حقيقة مفادها: أن المجموعة التي تميزت على الدوام بطيف واحد من الدول الديمقراطية الليبرالية، تعاني اليوم من سلبيات هذا "الطيف الواحد"، وهنا تُفهم ضرورات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فيما يتعلق بدعوته لأعضاء جدد للانضمام إلى مجموعة السبع، أو القيام بتوسعة المجموعة، بعد أن اعتبرها لا تُمثل ما يحدث في العالم. وإذا كانت مجموعة العشرين قد انبثقت من اجتماعات مجموعة الثماني – قبل خروج روسيا – في قمتها المنعقدة في واشنطن عام 1999، فإن قمة مجموعة السبع في قمتها السادسة والأربعين مهيأة لأن تشهد توسعاً جديداً لتصبح مجموعة الحادي عشر، أو مجموعة العشر، وقد يكون توسيعها وتنويعها ضرورياً لكسر الجمود داخل مجموعة السبع.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: