ملخص
تقدم الورقة قراءة في نتائج الانتخابات البرلمانية في الأردن، وتتناول الاتجاهات المتوقعة للمشهد النيابي العشرين، وتستقرئ السيناريوهات المحتملة للمجلس القادم في ضوء قانون الانتخاب الجديد، وفي ضوء مسار التحديث السياسي، واختلاف تركيبة المجلس الحالي الجوهرية عما سبقه من مجالس، بالإضافة الى اعتبارات تلازم المسار الإصلاحي في الأردن بالظروف والمعطيات الخارجية، كما حدث في الأعوام 2005، و2012، وما يمكن أن يحدث بفعل الحرب في غزة وتداعياتها على المملكة والإقليم.
فقد شهدت المملكة الأردنية الهاشمية، إجراء انتخاباتها البرلمانية للمجلس النيابي العشرين بطابع حزبي وفق قانون انتخابي جديد، وحصل فيها حزب جبهة العمل الإسلامي على أكبر عدد مقاعد، يليه حصل حزب الميثاق الوطني، ثم حزب إرادة، فيما تصدر حزب الميثاق الوطني عدد مقاعد الأحزاب عن الدائرة المحلية، يليه بالترتيب حزب إرادة، فحزب جبهة العمل الإسلامي.
الاتجاهات المتوقعة للمجلس الجديد تتلخص في ثلاثة، أولها ثبات تركيبة مجلس النواب، في ضوء ثلاثة محددات، هي الكتل الحزبية التي تجاوزت عتبة 10%، والأحزاب ما دون عتبة 10%، والنواب المستقلين، مع ترجيح احتمال أن يشهد مجلس النواب نوعين من الكُتل النيابية، هي الكتل الحزبية، والكتل البرلمانية في هذا السيناريو، وثانيها هو اتجاه تشكيل تحالفات وائتلافات نيابية، في ضوء محددين اثنين، هما تشكيل أكثرية نيابية، أو تشكيل أقلية معارضة، وثالثها هو اتجاه التركيبة النيابية التي تُبقي من "جبهة العمل" الأكثر فعالية.
أما السيناريوهات المحتملة للمجلس القادم فهي ثلاثة أيضاً، أولها نجاح التجربة والانتقال إلى الخطوة التالية للتحديث، وثانيها النجاح المحدود للتجربة وتعديل قانون الانتخابات، وثالثها تعثر التجربة وتغيير قانون الانتخابات، وكل واحد منها مرتبط بجملة من المحددات الداخلية والخارجية التي تناولتها الورقة بالقراءة والتحليل، مع التوقف عند أهمية المسار المنبثق عن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بالنسبة للدولة، في مقابل المحاذير المحيطة بها التي لا تقل أهمية، سواء ما يتعلق منها بسلوك الأحزاب السياسية، أو تلازم المسار الإصلاحي في الأردن بالظروف والمعطيات الخارجية، وتبعات الحرب في قطاع غزة والضفة الغربية والتصعيد الإقليمي المرافق لها على الأردن، وسعي إيران ووكلائها لتأليب المزاج الشعبي المتعاطف مع قطاع غزة ضد المواقف الرسمية من الحرب، بالإضافة الى موقف جماعة الاخوان المسلمين في الأردن التي ترى أنها حققت أفضل نتائجها الانتخابية في تاريخ المملكة، وفي ضوء ضعف أفرع الجماعة في مختلف دول الإقليم، والانقسام بين المركز والفروع، فقد تُحاول طرح نفسها باعتبارها مركزاً إقليمياً ودولياً بوصفها أقوى فروع الجماعة حالياً، وهو ما يُحذر من جعل البلاد ساحة للنشاط الإسلامي السياسي، أو منطلقاً للتدخل في شؤون وقضايا الدول الأخرى.
شهدت المملكة الأردنية الهاشمية إجراء انتخاباتها النيابية للمجلس العشرين في صباح العاشر من سبتمبر 2024 وأعلنت نتائجها في مساء اليوم التالي. وجرت الانتخابات بطابع حزبي وفق قانون انتخابي جديد لمجلس النواب لسنة 2022 والمعدل للإقرار في إبريل 2022، والذي تضمن تحديثات في النظام الانتخابي؛ أبرزها منح الناخب/ة صوتين للانتخاب، أحدهما للقائمة النسبية المغلقة والخاصة بالأحزاب، والآخر للقائمة النسبية المفتوحة على المستوى المحلي في 18 دائرة انتخابية. وعليه تقدم هذه الورقة قراءة في نتائج الانتخابات البرلمانية الأردنية الأخيرة فيما يتعلق منها بالجانب الحزبي، وتطرح مجموعة من السيناريوهات الخاصة بالمشهد النيابي للمجلس العشرين من جهة، ولمسار التحديث السياسي من جهة أخرى.
المحور الأول: المشهد الحزبي في انتخابات المجلس العشرين
مثلت الانتخابات النيابية الأردنية لعام 2024 طابعاً حزبيّاً لتشكيل مجلس النواب العشرين وفق قانون الانتخاب الجديد، الذي تمّ وفقه التصويت على مستويين؛ عام في قائمة حزبية مغلقة، ومحلي في قوائم مفتوحة. وحسب بيانات الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن، بلغت نسبة الاقتراع في المملكة (32.25%) بواقع 1.638.351 شخص مقترع من أصل 5.115.219 ناخب/ة يحق لهم الاقتراع، وبزيادة أكثر من ربع مليون بعدد المقترعين عن الدورة السابقة التي بلغت نسبتها (29.9%).
وكان قانون الانتخابات قد حدد عدد مقاعد مجلس النواب العشرين بـ (138) مقعداً بزيادة (8) مقاعد عن انتخابات 2020، على أن يكون (41) مقعدًا منها للدائرة العامة و(97) مقعدًا للدوائر المحلية، وحصلت الأحزاب الفائزة بمقاعد عن الدائرتين العامة والمحلية ما مجموعه (108) مقاعد وبهذا تبلغ نسبة الأعضاء الحزبيين (78.3%) من تشكيلة مجلس النواب العشرين، وتنقسم هذه النسبة إلى (29.7%) للدائرة العامة وفقاً لعدد المقاعد الـ(41)، و(48.5%) لمقاعد الحزبيين في الدوائر المحلية البالغة (67) مقعد.
وقد حصل حزب جبهة العمل الإسلامي على أكبر عدد مقاعد من إجمالي عدد مقاعد الأحزاب التي حصلت على مقاعد في القائمتين العامة والمحلية بواقع (31)، يليه حصل حزب الميثاق الوطني بواقع (21) مقعد حسب إعلان الهيئة المستقلة للانتخاب إلّا أنه أعلن لاحقاً عن وصول العدد الإجمالي إلى (30) مقعد بإعلان تسعة أسماء جديدة لمرشحين فائزين في الدوائر المحلية وينتمون للحزب، يليهما حزب إرادة بواقع (19) مقعد، ثم حزب تقدم (8) مقاعد، والحزب الوطني الإسلامي (7) مقاعد، و (5) لحزب الاتحاد الوطني، فيما حصلت كلّ من أحزاب الأرض المباركة، والعمّال، وعزم، وتحالف حزبيّ نماء والعمل على مقعدين اثنين لكلٍ منهما.
وعليه عكست نتائج الانتخابات عدّة مؤشرات جديدة في تاريخ العملية الانتخابية وفقاً لطابعها الحزبيّ الذي فرضه مسار التحديث السياسي، وهو ما يستدعي القراءة والنقاش في هذا المحور وفق العناوين التالية:
أولاً: نتائج القائمة الحزبية العامة
خاض الانتخابات النيابية، 36 حزباً من أصل 38 حزب مسجل في الأردن. 10 أحزاب منها حصلت على مقاعد عن الدائرة العامة التي خصص لها القانون الحالي الجديد 41 مقعدًا لترشح الأحزاب، وذلك وفق الترتيب العددي التالي الذي يمثل توزيع الـ 41 مقعد عن الدائرة العامة "الحزبية" مع الكوتا (شركس/شيشان ومسيحيين) على الأحزاب العشرة الفائزة.
وحصلت جبهة العمل الإسلامي، على أكثر عدد مقاعد في الدائرة العامة مقارنةً بمقاعد الأحزاب التسع الأخرى، إذ حصل الحزب على 17 مقعد من 41 مقعد مخصص للأحزاب، بينما حصلت جميع الأحزاب الأخرى على 24 مقعداً.
كما بلغ مجموع أصوات الناخبين في جميع قوائم الدائرة العامة حوالي مليون و378 ألفاً حصل منها حزب جبهة العمل الإسلامي على 464.350 بنسبة بلغت 45% تقريبًا، كما تصدّر الحزب المرتبة الأولى في قوائم 17 دائرة انتخابية من أصل 18؛ حيث جاء في المرتبة الثانية في قائمة دائرة بدو الوسط بعد حزب الأرض المباركة. وكانت أعلى أصواته على مستوى القائمة العامة في الدوائر المحلية في إربد الأولى بواقع 50 ألف صوت تقريباً، وُثم عمان الأولى بواقع 45 ألف صوت تقريباً. أما من حيث النسبة من مجمل أصوات الدائرة الانتخابية المحلية، فكان أعلاها في محافظة الطفيلة بنسبة (55.3%) يليها محافظة العقبة بنسبة (46.3%)، ثمّ دائرتي عمان الثانية ومعان بنسبتيّ (45.8%) و(44.3%) على التوالي.
يلي حزب الجبهة في عدد أصوات الدائرة العامة، حزب الميثاق الوطني التي بلغت 93 ألف و650 صوت، وتمثل جميع أصوات المقاعد الأربعة التي فاز بها. أما الأحزاب التي فازت بثلاثة مقاعد فقد تباينت عدد الأصوات، حيث جاءت على الترتيب التنازلي كما يلي:
كما بلغ عدد الأصوات في الأحزاب الأربعة المتبقية من العشرة والتي فاز كل منها بمقعدين في الدائرة العامة، كما يلي تنازليًا:
ثانياً: نتائج القائمة المحلية/ ما يتعلق بها في الجانب الحزبي
وفقاً لنتائج الهيئة المستقلة للانتخابات، يتصدر حزب الميثاق الوطني عدد مقاعد الأحزاب عن الدائرة المحلية بواقع (17) نائب، يليه بالترتيب حزب إرادة بواقع (16) نائب، ثم حزب جبهة العمل الاسلامي بواقع (14) نائب، ثمّ حزب تقدم (5) نواب. ورغم أنّ فارق الأصوات بين الأحزاب الثلاثة (الجبهة، ميثاق، إرادة) الأكثر عددًا في إجمالي عدد مقاعدها في مجلس النواب العشرين؛ بسيط في الدائرة المحلية، إلا أنها عدد النواب الحزبيين مُرشح للازدياد ففي 12 سبتمبر 2024، أعلن حزب الميثاق الوطني فوزه بالعدد الأكبر من مقاعد الدوائر المحلية؛ إذ أنّه حصل على 26 مقعدًا نيابيًا من القوائم المحلية؛ أي أنّ هناك زيادة في تسعة نواب يضافون إلى السبعة عشر الذين أعلنت عنهم الهيئة. وتأتي هذه الزيادة في إطار إعلان هؤلاء الفائزين التسع الذين نافسوا في مسار التنافس الحرّ وبعد صدور النتائج أنهم حزبيين في حزب الميثاق الوطني. وهو ما قد ينطبق على الأحزاب الأخرى كإرادة وتقدم في المرحلة المقبلة إلى حين افتتاح مجلس النواب العشرين.
أما الفارق الآخر بين حزب جبهة العمل الإسلامي والأحزاب الأخرى فيما يتعلق بالقائمة المحلية فهو أنه الحزب الوحيد الذي أفصح عن أسماء مرشحيه في الدوائر الانتخابية المحليّة، على عكس الأحزاب الأخرى التي لم تعلن. بالتالي فإنّ أصوات الناخبين المحلية التي صوتت لمرشحين حزبيين في حزب الجبهة في القوائم المحلية، قد تكون في الغالب أُعطيت بناء على التصويت عن التمثيل السياسي بالدرجة الأولى مهما كان المرشح الفرد. بينما في الأحزاب الأخرى، كانت تعطى الأصوات تبعًا للأفراد المرشحين في القائمة. أضف إليه، حصول حزب الجبهة على (4) مقاعد كوتا نساء في الدوائر المحلية من أصل (18) مقعد مخصص لمسار المرأة، ومقعد كوتا مسيحي من أصل (7) مقاعد محلية مخصصة، كما فاز الحزب بمقعدي كوتا الشركس/الشيشان المخصصات للدوائر المحلية.
بلغ مجموع أصوات الدوائر المحلية (مليون و101 ألف و967)، حصل منها حزب الميثاق الوطني على قرابة 219 ألف صوت وهو مجموع عدد أصوات نواب الـ (26) مقعد التي فاز بها حسب بيانه. يليه حزب جبهة العمل الإسلامي الذي حصل على (14) مقعد بحوالي 159 ألف صوت، ثم حزب إرادة الفائز بـ (16) مقعد بمجموع أصوات بأكثر من 119 ألف، وأخيرًا حزب تقدم الذي بلغت أصواته في القوائم المحلية حوالي 54 ألف صوت.
المحور الثاني: سيناريوهات المشهد النيابي القادم في ضوء التعددية الحزبية
جاءت نتائج الانتخابات بتركيبة جديدة لمجلس النواب، تختلف عن تلك المعتادة للمجالس السابقة. إذ يضم المجلس الحالي (108) نائباً حزبياً، حيث يُسيطر على المجلس 4 أحزاب رئيسة وهي (حزب جبهة العمل الإسلامي، وحزب الميثاق، وحزب إرادة، وحزب تقدم، إضافة إلى أعضاء من أحزاب أخرى مثل الحزب الوطني الإسلامي)، وتتراوح مقاعد الأحزاب بين 31 مقعداً إلى مقعدين.
ومن المفترض أن تنعكس هذه التركيبة على طبيعة المجلس ذات التعددية الحزبية من الناحية الرسمية، من حيث معادلات الأكثرية والأقلية، وشكل التحالفات الممكنة ومسوغاتها الحزبية وغير الحزبية، بالإضافة الى محددات العلاقة مع الحكومة المستقبلية وضوابطها، خاصة في ظل مجموعة فاعلة ومتفاعلة من المعطيات. وفي هذا السياق يمكن تحديد سيناريوهات المشهد النيابي القادم كالآتي:
السيناريو الأول: ثبات تركيبة مجلس النواب
إن تشكيل مجلس النواب وفق التركيبة التي أنتجتها الانتخابات النيابية، يعني أن المجلس سيكون مشابهاً إلى حد كبير للمجالس السابقة، من حيث محورية الكُتل النيابية فيها، مُقابل العدد المحدود من المستقلين. مع اختلاف أن المجلس العشرين قد شهد تشكيل ثلاث كُتل حزبية، أفرزتها النتائج الانتخابية قبل انعقاده، إلى جانب ما قد يتشكل فيه من كُتل نيابية جديدة بعد انعقاده. وفي ضوء ذلك؛ فإنّ شكل المجلس القادم سيكون كما يلي:
أولاً: كتل حزبية تجاوزت عتبة 10%
إنّ المجلس سيُفتتح بوجود ثلاث كتل برلمانية، أنتجتها الانتخابات وتضم نواب الأحزاب لكل من جبهة العمل الإسلامي وحزبي الميثاق وإرادة، إذ لدى هذه الأحزاب متطلبات إنشاء الكُتل بحسب النظام الداخلي والذي يشترط عدد أعضاء لا يقل عن 10% من المجلس. ونواب هذه الكتل يُشكلون ما مجموعه 80 نائباً، وبما نسبته 58% تقريباً من أعضاء المجلس.
وفي الواقع؛ تمتلك الكُتل الحزبية الثلاث، الُقدرة التأثيرية ذاتها والوزن النسبي نفسه في استخدام مختلف الأدوات التشريعية والرقابية الدستورية، إذ تستطيع جميعها استجواب الوزراء، أو اقتراح مشاريع القوانين، لكنه أياً منها لا يمتلك العدد الكافي لاقتراح طرح الثقة عن الحكومة والبالغ 33 نائباً. وهي غالباً ما تعتبر ورقة ضاغطة لمجلس النواب مُقابل الحكومة، ولذلك من المحتمل أن تسعى الكُتل الحزبية، وتحديداً جبهة العمل الإسلامي، لزيادة حجم كتلتها النيابية بالتحالف مع الأحزاب محدودة المقاعد أو المستقلين. في المٌقابل تسعى الكُتلتان الأخريان لموازنة ثقل جبهة العمل، إذ سارع حزب ميثاق بإعلان بلوغ أعضائه في المجلس 30 نائباً، بالرغم من أن العدد المُسجل لدى الهيئة هو 21 نائباً، ما يعني استباق الحزب انعقاد المجلس لضم عدد من النواب المستقلين الفائزين.
ثانياً: الأحزاب ما دون عتبة 10%
هناك 7 أحزاب تمتلك 28 عضواً في مجلس النواب، لكن أياً منها لا يمتلك النسبة المطلوبة لتشكيل كُتلة نيابية. وبناء على ذلك من المتوقع:
1- أن تقدم الأحزاب الثلاث السابقة عروضاً لهذه الأحزاب السبعة للانضمام إلى كتلتها النيابية.
2- تفضيل الأحزاب الثلاثة التالية في عدد المقاعد (تقدّم والوطني الإسلامي والاتحاد الوطني) التوافق لتشكيل كُتلة نيابية، إذ يستطيع تحالف من حزبي تقدّم والوطني الإسلامي أن يُشكل كُتلة برلمانية بواقع 15 نائباً، وكذلك يُمكن لحزب الاتحاد الوطني مع حزب تقدم.
3- أنّ الأحزاب الأربعة المتبقية التي نال كلُ منها مقعدين، تحتاج إما للانضمام إلى الكتل الحزبية التابعة للجبهة أو ميثاق وإرادة، وهو هدف محتمل للكتل الحزبية الثلاث التي يسعى كل منها لتحالفات تُحقق له الأكثرية النيابية.
4- احتمال التوافق بين الأحزاب ذات المقعدين والأحزاب الثلاثة (تقدّم والوطني الإسلامي والاتحاد الوطني) لتشكيل كُتلة برلمانية واحدة أو أكثر، بحيث تحظى الأحزاب ذات المقعدين بوزن تصويتي أفضل مُقارنة في حالة انضمامها إلى الكُتل الحزبية الثلاث لجبهة العمل الإسلامي وميثاق وإرادة.
ثالثاً: المستقلون
هناك 30 نائباً مستقلاً في مجلس النواب، وهذا العدد من النواب يُتيح نظرياً تشكيل كتُلة كبيرة مُنافسة للكتل الحزبية، أو كتلتين صغيرتين، إلا أنّ ذلك يبقى مستبعداً في ضوء عدم قُدرة المستقلين على تنظيم عملهم بصورة جماعية، خاصة مع وجود النواب الأكثر خبرة في التجارب النيابية السابقة مع الكُتل الحزبية، خاصة مع العدد الكبير من النواب للمرة الأولى. ذلك يعني أنّ المستقلين أمام احتمالين اثنين: 1) البقاء كنواب مستقلين 2) الانضمام إلى كُتل قائمة أو قيد التشكيل.
من جهة أخرى من المحتمل أن يرتفع عدد المستقلين؛ إذا ما بقي نواب الأحزاب ذات المقاعد المحدودة دون تشكيل كُتلة أو الانضمام إلى كتل قائمة، والاكتفاء بتمثيل أحزابهم في المجلس كمستقلين. وهذا مرجح للغاية ويتعزز بحسابات النواب الحزبيين أكثر من اعتبارات النواب المستقلين، خاصة أنّ انضمام نواب الأحزاب إلى الكُتل الحزبية الثلاثة قد يُغذّي قوة تلك الكتل على حساب الأحزاب الأصغر حجماً في المجلس، ويحدّ من قُدرة الأحزاب محدودة المقاعد على تنفيذ سياساتها الخاصة، سواءً الشعبية منها أو تلك المتوافقة مع أيديولوجيتها وفكرها وبرامجها الانتخابية.
في المقابل هناك عوائد عن انضمامها بكتلة حزبية أو نيابية أكبر إذ في ضوء حاجة الكُتل الحزبية للأكثرية، فإن وزن الأحزاب محدودة المقاعد يرتفع من الناحية التفاوضية، ويُمكن لها تحصيل مقاعد في لجان أو هيئات المجلس من غير الوارد حصولها عليها إذا فضلت لنوابها البقاء كمستقلين. ولذلك تكتسب هذه الفئة وزنها باعتبارها هدفاً للاستقطاب خاصة عند حزبي (ميثاق وإدارة) تحديداً، وذلك لتعويض فارق المقاعد مع جبهة العمل الإسلامي وميثاق بالنسبة لإرادة، أو الحصول على الأكثرية بالنسبة لميثاق.
وبشكل رئيس من المحتمل في ضوء هذا الاتجاه أن يشهد مجلس النواب نوعين من الكُتل البرلمانية، وهما:
1- كُتل حزبية: وتشمل على كُتل الأحزاب الثلاثة التي تجاوزت شرط الـ 10%.
2- كُتل نيابية: تلك التي قد تشكلها الأحزاب الأقل في عدد نوابها، أو من المستقلين، أو من كليهما.
ويعتبر ذلك اختباراً حقيقياً لفكرة الكُتل البرلمانية التي طُبّقت للمرة الأولى في مجلس النواب السابع عشر، من حيث أنّ الكُتل الحزبية هي المعيار العالمي للكتل النيابية، والتي جاء تطبيقها لتشكل حلاً بديلاً عن عدم وجود الأحزاب في المجلس، إذ عانت في أحيان عدة من الهشاشة وسيطرة النواب المتنفذين عليها، مع غياب الأساس السياسي والفكري بين أعضائها، مع ذلك؛ فإنّ التجربة القادمة في ضوء النظام الداخلي لمجلس النواب -الذي قد يشهد تعديلات- قانوني الانتخابات والأحزاب لعام 2022، يفترض تغيرات جوهرية بين الكتلتين النيابية والحزبية، خاصة ما يتعلق فيهما بأحكام العضوية وقدرة الأعضاء على الانسحاب، والتي لن تكون مُتاحة للحزبيين الأعضاء، وكذلك في ديمومة واستمرارية الكُتل، حيث ستبقى الكُتل الحزبية للأحزاب التي تجاوزت مطلب الـ10% ثابتة في أصولها طوال عمر المجلس، في مقابل احتمالية أن تشهد الكُتل النيابية تغيرات في أعضائها مع بداية كل دورة دائمة، أو حتى حلها.
السيناريو الثاني: تشكيل تحالفات وائتلافات نيابية
إنّ اختلاف تركيبة مجلس النواب بتعزيز الحزبيين على حساب النواب المستقلين، قد يترافق بممارسات برلمانية أكثر تطوراً وتقدماً، تتعدى تجربة أو شكل الكُتل النيابية، إلى تشكيل تحالفات وائتلافات حزبية داخل البرلمان، وبما يعنيه ذلك في التجارب العالمية من أكثرية وأقلية، وذلك بالنظر إلى ارتباط الأكثرية أو الأقلية بالحكومة، وبدرجة تحكمها في جدول اعمال مجلس النواب. وذلك يعني أنّ المشهد البرلماني مُقبل على أكثر من اتجاه كما يلي:
أولاً: تشكيل أغلبية نيابية
إنّ تشكيل أغلبية نيابية من خلال كُتلة تضم نصف عدد أعضاء مجلس النواب (أكثر أو أقل) أمر وارد في ضوء التقارب المحوري بين سمات العديد من الأحزاب التي استطاعت توصيل مرشحيها إلى المجلس، إذ تعتبر أحزاب (الميثاق، وإرادة، وتقدّم، والوطني الإسلامي، والاتحاد الوطني، وعزم والأراض المباركة) حديثة المنشأ نسبياً، ونسق خطابها السياسي منسجم مع الخطاب الرسمي. وهذه الأحداث تمتلك ما مجموعه 73 نائباً داخل المجلس. من الناحية النظرية، يُمكن لهذه الأحزاب تشكيل تحالفات تمنحها الأغلبية النيابية، بل ويُمكنها الوصول بتحالفاتها إلى الأغلبية المُطلقة.
أما من الناحية الموضوعية؛ فإن اختيار وزراء من أعضاء تلك الأحزاب في حكومة رئيس الوزراء جعفر حسان (منهم: وزير الاتصال الحكومي محمد المومني، الذي يشغل منصب أمين عام الحزب، وعضو حزب إرادة خير الله أبو صعليك الذي تولى حقيبة دولة لتطوير القطاع العام، والأمين العام لحزب تقدم خالد بكار الذي كُلف بحقيبة العمل)؛ يُشير أن التحالف أو الائتلاف بين تلك الأحزاب قائم إما بشكل ضمني، أو ينتظر التسجيل عند انعقاد المجلس. فمن دون ذلك سيصعب على الحكومة تبرير اختيارهم دون غيرهم.
من جهة أخرى؛ إن وجود تحالف حزبي يمتلك الأغلبية، يصب في صالحها إلى جانب صالح الحكومة، من حيث سيطرتها على هيئات المجلس ولجانه ورئاسته، إذ يتطلع حزب ميثاق إلى رئاسة المجلس وفق ما صرح به النائب عن الحزب مازن القاضي، وقد رشح ثلاثة من نوابه لهذا الغرض ومن بينهم يبرز اسم رئيس مجلس النواب السابق أحمد الصفدي، مُقابل دعم الأحزاب الأخرى في الحصول على مقاعد في المكتب الدائم واللجان، بحيث تتقاسم تلك الأحزاب السيطرة على هيئات المجلس، وبالتالي المبادرة بالتحكم بجدول أعمال المجلس وأولوياته ومخرجاته. إضافة إلى ذلك؛ فإن هكذا تحالف يُوازن حجمها الانتخابي في الدائرة العامة أمام الوزن الانتخابي للإسلاميين، إذ حصلت على قرابة (475 ألف) صوت مُقابل (460 ألف) صوت للإسلاميين.
مع ذلك؛ لدى كافة المكونات المحتمل تحالفها، عوامل أخرى قد تُقوّض من احتمالات تحقيق ذلك التحالف، إذ أنّ كلا الحزبين من ذوي المقاعد المرتفعة (الميثاق وإرادة) لديه تطلعاته وطموحاته الخاصة، سواءً على مستوى العمل النيابي أو المشاركة في الحكومات القادمة، ومن شأن انضمامهما لكتلة برلمانية واحدة أن يُقوّض من قُدرتهما على تمييز كل منهما للآخر، خاصة على المُستوى الشعبي، وفيما يتعلق ببرامج الحزبين المختلفين.
ثانياً: تشكيل أقلية معارضة
تُشير المشاورات التي أجراها رئيس الوزراء المُكلف حسان مع الأحزاب، واختياره لقاء حزبي إرادة وميثاق أولاً، بالرغم من عدم حيازتهما -حتى اللحظة-على الكُتل الحزبية الأكبر، أن لدى الحكومة القادمة قراءة أولية باحتمالية اندماج الكُتلتين، أو على الأقل بقائهما قاعدة لدعم الحكومة في مواجهة الأحزاب التي حددت من المعارضة نهجاً لها. وبمعزل عن تحالف الأحزاب أو ائتلافها في المجلس، فإن طيف من الأحزاب المتقاربة في مواقفها تمتلك العدد الأكبر من عدد النواب، مُقابل (31) نائباً لحزب جبهة العمل الإسلامي. وتلك الأحزاب ستعمل بصورة متجانسة خاصة في علاقتها مع الحكومة وفي موقفها من السياسات الداخلية والخارجية، سواء كانت في إطار عمل جماعي أو فردي. وهذا يُرجح أن تُعلن جبهة العمل الإسلامي عن نفسها باعتبارها قوة "معارضة"، إذ تمتلك التأثير داخل المجلس، لكنها دون عتبة التعطيل. إذ تمتلك جبهة العمل الإسلامي العدد المطلوب من المقاعد للتأثير في جدول أعمال المجلس، لكن دون تعطيله أو عرقلة عمل الحكومة، فهي غير قادرة على عرقلة النصاب الدستوري لاجتماعات مجلس النواب، أو تعطيل إقرار القوانين التي تتطلب ثلثي أعضاء المجلس، وحتى اقتراح طرح الثقة أو التصويت عليها.
السيناريو الثالث: تركيبة نيابية تقلل من فعالية الكُتل الحزبية والنيابية
يعتبر أكثرية نواب المجلس العشرين من الحزبيين، ومن المتوقع أن تتراوح عدد الكُتل النيابية بعد انعقاده (5-7) كُتل. وهذا المشهد الحزبي بالرغم مما يُوفره من فُرص متساوية لمختلف الأحزاب في امتلاك وزن لها في جدول أعمال المجلس وقراراته ومخرجاته، إلا أنه يواجه تحدياً في قُدرة الكتل النيابية وخاصة الحزبية منها في الحفاظ على تماسكها وانسجام أعضائها.
فمن ناحية؛ يُسيطر على المشهد النيابي عدد من الأحزاب الجديدة، التي لم تُمارس عملاً حزبياً نيابياً من قبل، ولا يزال من المُبكر الحُكم على متانتها، وقوتها، ليس أمام جبهة العمل الإسلامي فحسب، بل مُقابل أعضائها من النواب، الذين كان لمعطيات دوائرهم الانتخابية دوراً في إيصال الأحزاب إلى مجلس النواب، سواء في القوائم العامة أو المحلية، إلى جانب الحضور والخبرة في العمل النيابي لدى بعض نواب الأحزاب وبشكل يتجاوز عمر الحزب نفسه، ومن المحتمل أن يُمارس هؤلاء النواب نفوذهم وثقلهم داخل الأحزاب، خاصة وأن العديد من تلك الأحزاب نالت مقاعدها عن الدوائر المحلية وليست العامة، وفي حالات عدة نال مرشح أحد الأحزاب عن القوائم المحلية ما يُقارب 35% من مجموع أصوات الحزب في القائمة المحلية، وما يعادل 20% من أصوات الحزب في القائمة العامة.
من ناحية أخرى؛ لم يتطرق قانون الانتخابات إلى ضوابط لمرشحي الأحزاب عن القوائم المحلية، إذ لم يرسم القانون ملامح العلاقة ما بين النائب وحزبه باستثناء مرشحي القوائم الحزبية في الدائرة العامة. حيث حددت المادة (58) في البند الرابع منها؛ استقالة أو فصل النائب الذي فاز عن القائمة الحزبية من قبل الحزب المنتمي له، يستدعي ملء مقعده في مجلس النواب للمترشح الذي يليه في القائمة الحزبية. وعليه؛ قد تواجه الأحزاب تحديات في ضبط نوابها الناجحين عن القوائم المحلية، والذين يُشكلون في عموم المجلس 67 نائباً، ويزيد عددهم بشكل لافت في بعض الأحزاب مُقارنة بنواب القائمة العامة، إذ يبلغ عددهم في حزب ميثاق 26 نائباً من أصل 30، و16 في حزب إرادة من أصل 21.
المحور الثالث: سيناريوهات مجلس النواب ومسار التحديث السياسي
يواجه مجلس النواب اختباراً حقيقياً في أدائه مع الاختلاف الجوهري في تركيبته مُقارنة بالمجالس النيابية السابقة، إذ يُنظر إلى المجلس العشرين باعتباره مُختبراً للأحزاب لتمضي تدريجياً نحو زيادة العدد المخصص لها من المقاعد في الانتخابات المُقبلة والتي تليها. وبذلك فإن تأثير مجلس النواب المُقرر انعقاده قريباً يتجاوز العمل النيابي، نحو التأثير في مسار الإصلاح والتحديث السياسي برمته، فأي نجاح للمجلس يُحسب لمسار التحديث، وأي تعثر سيرتد سلباً على ذلك المسار.
وعليه؛ يُمكن تحديد المعايير المناسبة للانتقال إلى الخطوة القادمة من التحديث كما يلي:
1- تنظيم المشهد الحزبي، والوصول إلى أحزاب نوعية، والتقليل من الازدحام الحزبي الذي رافق الانتخابات حيث شارك 36 حزب فيها، فاز منها 10 أحزاب.
2- تأهيل أحزاب قادرة على تحقيق التعددية للمشهد الحزبي والساحة السياسية، وتنويع الخيارات التصويتية للناخبين، خاصة وأن انتخابات مجلس النواب الحادي والعشرون، ترفع من حجم القائمة الحزبية إلى (50%) من مقاعد مجلس النواب.
3- الحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وسلامة العُلاقة ما بين الحكومة ومجلس النواب.
4- تجويد العمل النيابي، ورفع مستويات الرضا الشعبي عن أداء مجلس النواب، وبما ينعكس إيجابياً على نسب المشاركة في الانتخابات القادمة.
السيناريو الأول: نجاح التجربة والانتقال إلى الخطوة التالية للتحديث
يُرجح أن يكون مجلس النواب القادم بتركيبته الحالية وفي ضوء مختلف السيناريوهات أعلاه داعماً للحكومة. فمن جهة؛ تسيطر أكثرية من الأحزاب الجديدة على المشهد النيابي بواقع 73 نائباً، وبما نسبته 53%، ومن شأن تحالفها أن يُعزز وزنها التصويتي لها مُقابل أصوات جبهة العمل الإسلامي في الدائرة العامة. إلى جانب وجود كتلة مؤثرة من المستقلين، والتي إن تناقصت فمن المُتوقع في النهاية أن تُغذي حزبي ميثاق وإرادة. فضلاً عن وجود شخصيات حزبية في الحكومة القادمة.
ومن جهة أخرى؛ أعلنت جبهة العمل الإسلامي المُصنفة في إطار المُعارضة داخل مجلس النواب، عن استبعادها لمنهج "المُغالبة مع الحكومة"، خاصة وأنها مُثلت بأعضاء في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وكانت ضمن جولات رئيس الوزراء المُكلف قبل إعلان تشكيلته الحكومية، ما يعني أنها مساهمة في انتاج المشهد الحالي وتتحمل المسؤولية الوطنية والشعبية في انجاحه، كما أنها في ظل المجلس الحالي مُحاطة بأحزاب أخرى على خلاف تجاربها السابقة في احتكار التمثيل الحزبي مُقابل غلبة المستقلين.
على صعيد آخر؛ تعتبر بُنية المجلس العشرين، مُناسبة لتطوير المشهد الحزبي في الأردن، فأولاً تمتلك ثلاث كُتل حزبية أكثرية أعضاء المجلس بواقع (58%)، وهذا يُسهل على حزبي ميثاق وإرادة، تشكيل رصيد شعبي لهما، وقواعد اجتماعية راسخة على غرار جبهة العمل الإسلامي، ويُبقي الباب مفتوحاً أمام الأحزاب الأقل في عدد مقاعدها، لاتباع سياسات شعبية، أو الاندماج في أحزاب أكبر.
وفي سياق مُتصل وبالنظر إلى المجموعة المُتغيرة من الظروف والعوامل، فإن فرص الأحزاب الجديدة أعلى في انتخابات مجلس النواب الحادي والعشرين مُقارنة بالانتخابات الأخيرة، من جهة أن النجاح في رفع نسب التصويت ستزيد من فُرصها بحصد المقاعد في القائمة الحزبية، خاصة بعدما اختبرت جبهة العمل الإسلامي حدودها القًصوى في الحشد، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الإقليمية المحيطة بالأردن والتي صبت في صالح الجبهة، ومن جهة أخرى؛ تغير قواعد ومعطيات اختيار المرشحين، حيث استفادت جبهة العمل من استقطاب الشخصيات ذات الثقل في قائمتها الحزبية، لتنال من خلالهم أصوات المحافظات خارج قواعدها الشعبية الراسخة.
السيناريو الثاني: النجاح المحدود للتجربة وتعديل قانون الانتخابات
إن النجاح المحدود للتجربة، يعني أن تجتاز الأحزاب متطلبات العمل النيابي، وتنجح في تجويد الحياة النيابية، بما ينعكس إيجابياً على مستويات الثقة الشعبية في مجلس النواب، التي عانت من الانخفاض طوال السنوات السابقة، وينطبق ذلك جميع الأحزاب، من جهة قُدرة الأحزاب المشاركة في الحكومة على موائمة متطلباتها بين العمل العام والسياسي، وقُدرة جبهة العمل الإسلامي على ممارسة معارضة رشيدة وناضجة، بعيداً عن المناكفات السياسية أو الضغوط أو عرقلة إقرار السياسات سواء داخل المجلس أو خارجه.
لكن ذلك النجاح، قد لا ينعكس بالضرورة على شكل رصيد شعبي للأحزاب الجديدة، والتي تحتاج من الناحية النظرية إلى سنوات طويلة لترسيخ قواعدها الشعبية، وتحويل اعتمادها على الشخصيات ذات الثقل الاجتماعي، إلى أحزاب برامجية سياسية تُلبي التطلعات الوطنية. إذ تواجه تلك الأحزاب اليوم اختباراً حقيقياً في الحيلولة دون انجرارها إلى أحزاب شخصية أو خدمية أو فئوية.
وفي هذه الحالة؛ من المحتمل أن تستبق الحكومة أو مجلس النواب نفسه، انتخابات المجلس الحادي والعشرون، بإجراء تعديلات على قانون الانتخابات للعام 2022، وبشكل مُماثل لحالة التعديل الأول الذي طال المادة 49 من القانون في يونيو 2024، لتدارك نسبة العتبة للقوائم المحلية، من 7% لتصبح 1% في القانون المُعدل، وهو ما أتاح لتعدد القوائم المحلية التي أفرزت نواباً مقارنة بقائمة واحدة أو اثنتين قبل التعديل، وهو ما انعكس إيجابياً على الأحزاب السياسية الجديدة، التي اعتمدت بشكل شبه كُلي على القوائم المحلية لإيصال منتسبيها.
وبذلك؛ فإن هذا السيناريو يتصور أن يُلبي مجلس النواب جميع المعايير الداعمة للانتقال إلى الخطوة القادمة من التحديث، باستثناء تأهيل أحزاب قادرة على تعددية المشهد الحزبي في انتخابات مجلس النواب الحادي والعشرين.
السيناريو الثالث: تعثر التجربة وتغيير قانون الانتخابات
تولي الدولة أهمية كبيرة للمسار المنبثق عن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، مع ذلك؛ هُناك إدراك واسع لحساسية مسار التحديث السياسي مُقارنة بمسارات الإصلاح الاقتصادي والإداري، حيث يعتمد نجاحه بشكل رئيس على المكونات الاجتماعية والأحزاب السياسية، ويرتبط بمجموعة متعددة من الاعتبارات، من بينها سلوك الناخبين وممارسات الأحزاب والتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وشكل الساحة السياسية، ومن شأن أي خلل في هذه الاعتبارات أن ينعكس سلباً على مسار التحديث السياسي بشكل عام.
وفي حالة المجلس العشرين، فإنه وبالرغم من توافر المعطيات الداعمة لنجاح التجربة، إلا أن المحاذير المحيطة بها لا تقل أهمية، وخاصة ما يتعلق منها بسلوك الأحزاب السياسية. فمن جهة يُرجح أن تشكل جبهة العمل الإسلامي ركن المُعارضة في مجلس النواب، ولديها العدد المطلوب لممارسة المُعارضة المُؤثرة، لكن لا يزال الإطار المُعارض الذي تسعى له الجبهة غير واضح، وتحديداً فيما إذا كان قائماً على مبدأ المشاركة أو المُغالبة، ولكلا الخيارين تأثير مختلف على الجبهة نفسها، وعلى العلاقة مع الحكومة، وعلى مسار التحديث السياسي. إذ تُدرك الجبهة أن عوائد مبدأ المشاركة يتناقض كُلياً مع سياساتها وخطاباتها الشعوبية. الأمر الذي يتطلب منها الاستمرار في نهج المُغالبة في عُلاقتها مع الحكومة والدولة، وهو ما قد يرتد بشكل سلبي على الساحة السياسية، خاصة أنها ستُبرر مواقفها بالقوة التصويتية الكبيرة التي نالتها وبما يُقارب نصف مليون صوت، وهي ورقة ضاغطة نظرياً بيد الحزب، وستبقى كذلك إذا عجزت الأحزاب عن تشكيل تحالفات أو ائتلافات، تعادل تلك القوة التصويتية، وكان الحزب قد استبق تقييم الأداء الحكومة الجديدة بانتقاده للتشكيلة الحكومية في بيان نشره في 18 سبتمبر 2024، والذي وصف فيه الحكومة بأنها " مخالفة لإرادة الشارع الأردني التي عبر عنها في الانتخابات"، بالرغم من أن الحزب أعلن بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء عن عدم طلبه المشاركة في الحكومة.
ومن جهة أخرى؛ للأحزاب الجديدة دور في نجاح المسار أو تعثره، فإذا ما عكست ممارسات نوابها الطابع الفردي، وكرر نوابها الأخطاء ذاتها لبعض نواب المجلس السابق، الذين أحيل اثنان منهم إلى محاكم أمن الدولة، فإن ذلك إشارة تُنذر بعدم أهلية تلك الأحزاب بالرغم من مواقفها القريبة من الحكومة.
علاوة على ذلك؛ لطالما تلازم المسار الإصلاحي في الأردن بالظروف والمعطيات الخارجية، إذ تعثرت الأجندة الوطنية عام 2005، بفعل الظرف الإقليمي حينذاك والملازم لأحداث العنف في العراق، فيما عرقلت الأحداث في سوريا منذ العام 2012، وتأثيرها السلبي على الأردن وأمنه، المضي في مخرجات الحوار الوطني عام 2011، ويواجه مسار التحديث الراهن، تبعات الحرب في قطاع غزة والضفة الغربية والتصعيد الإقليمي المرافق لها على الأردن، إذ سبق أن ارتد ذلك بالسلب في محاولات الجماعات المسلحة على الحدود مع الأردن استغلال الحرب لتكثيف نشاطها المعادي، وحاولت إيران ووكلائها استغلال المزاج الشعبي المتعاطف مع قطاع غزة ضد المواقف الرسمية من الحرب، ومن جهة أخرى؛ يرى الإخوان المسلمون أنهمم حققوا أفضل نتائجهم الانتخابية في تاريخ البلاد، وفي ضوء ضعف أفرع الجماعة في مختلف دول الإقليم، والانقسام بين المركز والفروع، فقد تُحاول الجماعة طرح نفسها باعتبارها مركز الثقل للجماعة إقليمياً ودولياً بوصفها أقوى الفروع حالياً، وهو ما قد يجعل البلاد ساحة لنشاط الإسلام السياسي، أو منطلقاً للتدخل في شؤون وقضايا الدول الأخرى.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: