إن السياسي العراقي القادر على بناء علاقات جيدة مع الغرب والشركاء الأمريكيين، ويبعث في الوقت نفسه برسائل إيجابية إلى طهران وإلى محيطه العربي، هو بلا شك رجل الدولة الذي يحتاجه العراق ويستحقه. ولكن هل استمر محمد شياع السوداني في هذا النهج بعد أن صار رئيساً لوزراء العراق، منذ 13 أكتوبر 2022؟
ربما تكمن الإجابة في سمتين يشترك فيهما جميع رجال الدولة العظماء: الاستقلال ومهارات ألعاب الخفة.
الإطار التنسيقي هو مجموعة من الأحزاب الشيعية العراقية التي اتحدت ضد مقتدى الصدر. ومقتدى الصدر هو رجل دين عراقي شيعي مناهض للغرب، يقود الحركة الصدرية التي ترغب في طرد القوات الأمريكية من العراق. ولقد ساهم تكتل الإطار التنسيقي في جعل رئاسة وزراء العراق تذهب إلى السوداني من خلال ترشيحه -إلى حد كبير- كمرشح للإطار، ولإن مقتدى الصدر يرى أن جميع النخب السياسية في العراق فاسدة، فقد جاء ترشيح الإطار التنسيقي للسوداني لشهرته بالنزاهة وتاريخه السياسي الناصع، وبالتالي عدم وجود إمكانية للطعن في نزاهته أو إلقاء الشكوك تجاهه. وعلى الرغم من سيطرة تكتل الإطار التنسيقي على البرلمان إلا أنه لا يستطيع أن يسيطر على السوداني.
إن كان هناك ما يجمع بين الصدر والإطار التنسيقي، فهو أن كلاهما يلقي اللوم على الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، عن البؤس الذي مر به العراق على مدى عقدين من الزمان ومشكلاته المالية الحالية. ومع ذلك، يدرك السوداني أن الرفض القاطع للنفوذ الأمريكي وإلغاء وجودها العسكري سيكون له عواقب اقتصادية وأمنية بعيدة المدى يمكن أن تزعزع الاستقرار الهش للعراق. وعلى النقيض من العديد من رؤساء الوزراء العراقيين الآخرين، فإن رئيس الوزراء الجديد مستقل بقراره.
إنَّ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 ضدَّ العراق وأدى إلى الإطاحة بصدام حسين وإلى مقتل حوالي 200 ألف مواطن عراقي، فتح الطريق أمام انتشار مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. ما أعاد إرسال الولايات المتحدة للآلاف من جنودها عام 2014 إلى سوريا والعراق، بعد أن كانت قد أعلنت انسحابها عام 2011، وذلك لتعزيز الجهود في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على مناطق شاسعة من الأراضي في كلا البلدين. وعلى الرغم من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وتكبده خسائر كبيرة في قياداته، أفاد خبراء الأمم المتحدة في أغسطس بأن التنظيم لا يزال يضم ما يقدر بـ 5,000 إلى 7,000 عضو عبر مناطق شمال العراق وشمال شرق سوريا. ولهذا السبب، لا يزال هناك 2,500 جندي أمريكي في العراق بالإضافة إلى 900 آخرين في سوريا.
وكان الجنرال لويد أوستن، القائد العام الأخير للقوات الأمريكية في العراق بعد الغزو، والذي يشغل الآن منصب وزير الدفاع الأمريكي، قد أخبر الصحفيين خلال زيارته إلى بغداد في مارس 2023، بأن القوات الأمريكية جاهزة للبقاء في العراق "بناءً على دعوة حكومة العراق". وقد قام السوداني، بإثارة استياء الإطار التنسيقي والصدر على حدٍّ سواء، بتمديده لهذه الدعوة إذ يدرك ما لا يدركه الإطار التنسيقي.
إذ يعتبر قادة الإطار التنسيقي القوات الأمريكية المتبقية في البلاد تهديداً لسيادة العراق، بينما يعتبرها السوداني ضماناً للأمن ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وقد أوضح رئيس الوزراء في يناير أنه يدعم استمرار وجود القوات العسكرية الغربية ولا يمتلك جدولاً زمنياً لانسحابها.
لقد أعادت القوات الأمريكية صياغة أدوارها في العراق، وحصرها في "التوجيه والتمكين والمساعدة"، والتركيز على تعزيز قدرات القوات العراقية من خلال توفير المعدات والذخيرة. وفي الجانب السياسي يمكن للولايات المتحدة وبريطانيا أن تساهما في تمهيد الطريق أمام العراق ليصبح "صوتاً للوسطية والديمقراطية في الشرق الأوسط" من خلال دعم إصلاحات السوداني التي تهدف إلى بناء نظام سياسي عراقي يعتمد على المساءلة.
وتتضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق لعام 2008 بناء علاقات مثمرة عبر مجموعة متنوعة من القطاعات، منها الأمن والتنمية الاقتصادية والرعاية الصحية والبيئة. وغردت السفيرة الأمريكية في العراق، آلينا رومانوسكي، قائلة: "ستوجه اتفاقية الإطار الاستراتيجي علاقاتنا مع الحكومة العراقية الجديدة." ولزيادة تعزيز العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق، نال السوداني إشادة واشنطن من خلال تنفيذ مطالب وقف تهريب الدولارات عبر العراق إلى إيران والتي تنتهك العقوبات الأمريكية
في الواقع؛ يستكمل السوداني وعوده الانتخابية بتنمية الاقتصاد ومكافحة الفساد، وقد قدم مشروعه الطموح "طريق التنمية" بتكلفة تصل إلى 17 مليار دولار، والذي يتضمن شبكات سكك حديدية ذات سرعة عالية ثنائية الاتجاه تمتد على مسافة 746 ميلاً، بالإضافة إلى طريق سريع جديد ينطلق من ميناء الفاو الكبير على ساحل الخليج العربي في محافظة البصرة. هذا المشروع سيعمل على ربط آسيا بأوروبا، ومن المتوقع أن يحقق إيرادات تصل إلى 4 مليارات دولار سنوياً، وسيُسهم في إيجاد ما لا يقل عن 100 ألف فرصة عمل.
وفي اجتماع عقد في بغداد في شهر مايو مع ممثلين عن دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا وسوريا والأردن، أعلن السوداني: "نحن نعتبره –أي مشروع طريقة التنمية- حجر الزاوية لاقتصاد مستدام غير نفطي، يخدم جيران العراق والمنطقة ويساهم في الجهود الرامية إلى التكامل الاقتصادي". وقد وافق البنك الدولي على المشروع. وقال ممثل البنك في العراق، ريتشارد عبد النور، إن بناء هذه البنية التحتية أمر ضروري "لاستغلال إمكانات العراق الجغرافية" وأعرب عن استعداد البنك لدعم المشروع.
وفي يونيو، وافق البرلمان العراقي على ميزانية قدمها السوداني بقيمة 153 مليار دولار، تشمل توظيف أكثر من نصف مليون عامل جديد في القطاع العام لتخفيف معدلات البطالة المرتفعة، ما يزيد تكلفة الرواتب والمعاشات العامة إلى أكثر من 58 مليار دولار. ولتمويل ذلك، تضمنت الميزانية إجراءات لحل المسائل العالقة بين العراق ومنطقة كردستان شبه المستقلة، حيث سيتم وضع إيرادات النفط في حساب تابع للبنك المركزي العراقي. بموجب اتفاق تم توقيعه في إبريل، وستكون شركة تسويق النفط العراقية "سومو" مخولة بتسويق وتصدير النفط الخام المنتج من الحقول التي يسيطر عليها الإقليم الكردي. بالإضافة إلى ذلك، سعى السوداني أيضاً لجذب الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك إحياء صفقة بقيمة 27 مليار دولار مع شركة توتال إينرجي الفرنسية وشركة قطر للطاقة لتطوير إنتاج النفط والغاز.
وإذا كان هنالك من شيء يمكن القول إن السوداني غريب عنه في المنظومة العراقية، فهو بلا شك الفساد. إذ يحتل العراق المرتبة 157 من بين 180 دولة في قائمة مؤشر مدركات الفساد، و تأكيداً على التزامه بمكافحة الفساد؛ قام السوداني وفي غضون أسبوع فقط من توليه المنصب، بزيارة إلى هيئة النزاهة الاتحادية في العراق لتقييم مدى التقدم في التحقيق الذي أمر به فيما يتعلق باختلاس ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار من عائدات الضرائب بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022.
وفي نوفمبر 2022، ألقى السوداني بياناً تلفزيونياً تناول فيه استعادة مبلغ قدره 182.7 مليار دينار عراقي (ما يقرب من 140 مليون دولار)، جاء فيه: "إجراءاتنا مستمرة بحق من مكّنوا هذه الشركات من السيطرة على هذه الأموال، وبعضهم مديرون ومسؤولون، بغطاء سياسي أو أمني. أي اسم سيرد في التحقيقات ويتم إثبات تورّطه، سيتم إلقاء القبض عليه... وكل من تجاوز على المال العام سيطاله القانون".
وفي الرابع من مارس عام 2023، تم صدور أحكام قضائية بالقبض على وزير المالية السابق في حكومة الكاظمي، بالإضافة إلى المستشار السياسي لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ومدير مكتبه الخاص، وذلك على خلفية ما يُعرف بـ "سرقة القرن".
كرئيس للوزراء، فإن السوداني يعمل بصمت، ولا يظهر إعلامياً إلا وفقاً لمقتضيات منصبه. وبدلاً من تقديم الوعود الفارغة قام بالتركيز على دعم لا مركزية السلطة وتمكين الحكومات المحلية من خلال إجراء انتخابات لمجالس المحافظات، وتعديل قانون الانتخابات العامة، وأعلن كذلك نيته إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهو ما كان كافياً لحشد دعم الائتلاف الشيعي والسني والكردستاني لاختياره كرئيس حكومة، وهو ما يجب أن يستمر فبدون حدٍّ أدنى من الالتفاف الشعبي حوله لن يستطيع السوداني، مهما بذل من جهود، أن يحقق أهدافه، والتي يمكن عدّها كطموحات بالنسبة للعراقيين.
لكن، في أواخر مارس، قامت الهيئات التشريعية في العراق بتمرير تعديلات مثيرة للجدل على قانون الانتخابات في البلاد، تقضي بزيادة حجم الدوائر الانتخابية وإعادة رسم الخرائط الانتخابية لتجعل العراق يعود إلى وجود منطقة انتخابية واحدة لكل محافظة. وهذا يعطي ميزة كبيرة للأحزاب السياسية الكبيرة على حساب الأحزاب السياسية الصغيرة والمرشحين المستقلين. ومن المقرر أن تجري انتخابات مجالس المحافظات في العراق في 18 كانون الأول/ديسمبر، وهي أول انتخابات محلية في البلاد منذ عقد من الزمن. وحتى الآن، لم تحدد الحكومة العراقية موعد الانتخابات العامة القادمة. إن الواقع المؤلم هو أن تقليص فرص نجاح المرشحين المستقلين في برلمان العراق يسهم في تقييد نجاح جهود السوداني في محاربة الفساد، ويعوق تحقيق تحسينات جوهرية في البنية السياسية والإصلاح.
لقد واجه السوداني في بداية تولي منصبه شكوكاً من بعض النقاد- سواء من داخل البلاد أو خارجها- حيال المواقف التي سيتبناها، معتمدين على قربه من الإطار التنسيقي، الذي يضم قوى قريبة من إيران أو متحالفة معها. وكان النقاد يشعرون بالقلق من أن السوداني لن يكون سوى استمراراً للوضع الراسخ على مدى العشرين عاماً الماضية. ومع ذلك، فإن العديد من هؤلاء الأفراد والحكومات الأجنبية غيروا آراءهم تماماً عندما أظهر السوداني استقلالاً غير متوقع عن الأحزاب والكتل والائتلافات.
فقد صرّحت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، بأن أجندة السوداني للإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد هي "الوصفة الدقيقة للعلاج" أو "ما أمر به الطبيب بالضبط". وأضافت ليف خلال زيارتها لبغداد في مايو المنصرم "سندعم عمل هذه الحكومة في تلك الخطوات"، ووصفت العراق بأنه مكان للتعاون وليس "ساحة للمعارك". وفي 18 أبريل، أجرى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني ج. بلينكن، مكالمة مع رئيس الوزراء العراقي، السيد السوداني، ليمدح جهوده المستمرة في التوصل إلى اتفاق بين العراق وحكومة إقليم كردستان بشأن تصدير النفط من خلال خط الأنابيب العراقي التركي وإدارة إيرادات النفط.
ومع ذلك، أعتقد أن الدول الغربية التي لا تزال قلقة، على وجه الخصوص الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يجب أن تعيد النظر في مواقفها السابقة التي استندت إلى افتراضات غير دقيقة أو، دعونا نقول، قرارات متسرعة وحكم مبكر بشأن السوداني باعتباره حليفاً لإيران. فلدى البلدين الغربيين إمكانية أن يلعبا دوراً مهماً للغاية في العراق، ويمكن أن يساعد دعمهما للسوداني في مواجهة التحديات الجسيمة التي يواجهها هو وحكومته، ولا سيما أنه يُظهر الشجاعة والجرأة في التعامل مع القضايا المعقدة والحساسة.
وأحد الأمثلة على تلك القضايا المعقدة، جاءت استجابة السوداني لنداء المملكة المتحدة مؤخراً لتقديم المساعدة. بعد اجتماعات منفصلة في العواصم بغداد وأربيل الشهر الماضي بين وزير الدولة البريطاني لشؤون الأمان توم توغندهات والسوداني، ونيجيرفان بارزاني، رئيس اقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي في العراق، حيث تتأهب الحكومات الثلاثة لتوقيع مذكرة تفاهم لمشاركة المعلومات والتعاون في مكافحة جرائم الهجرة غير الشرعية المنظمة، وتجارة البشر، وتهريب المخدرات، وغسيل الأموال، وذلك بالإضافة إلى تعزيز شراكتهم في مكافحة الإرهاب. وقد قال توغندهات في اليوم الأخير من زيارة مدتها ثلاثة أيام: "العديد من العصابات الإجرامية التي تقوم بعبور الزوارق الصغيرة في قناة البحر الإنجليزي تعمل من العراق، ولهذا السبب أعمل مع شركائنا في بغداد وأربيل لتقديمهم للعدالة".
بالطبع، من المبكر بمكان تصنيف إجراءات السوداني على أنها ناجحة بشكل قاطع، ولكن خطواته سواء على الصعيدين الداخلي أو الإقليمي تستحق الإشادة. لقد وظَّف تجربته السابقة في الحكومة، وعدم تورطه في الفساد المستشري في العراق، وانتماءه الجغرافي إلى جنوب العراق (أحد أفقر مناطق البلاد)، واستقلاليته عن التأثيرات الخارجية –على عكس كثير من السياسيين العراقيين المرتهنين للخارج، والذين يحملون جنسيات أجنبية أيضاً– وكلامه المتوازن البعيد عن الديماغوجيا، وظَّفها كلها للحصول على الشرعية الشعبية قبل البرلمانية، ولكسب دعم العراقيين قبل أيٍّ من قواهم السياسية التقليدية.
وإذا كانت واشنطن والغرب يرغبان في الاعتماد على حليف مناسب، فقد يكون السوداني هو خيارهم المناسب. السوداني ابن العراق الحقيقي. يُظهر تاريخه أنه لم ينحز قط إلى الغرب أو الشرق، وعلى عكس الكاظمي ومعظم النخبة السياسية الحالية في العراق، بقي السوداني في العراق طوال حياته بدلاً من العيش في المنفى في ظل نظام صدام حسين، الذي قتل أباه وخمسة من أفراد العائلة المقربين. لقد أكسبته خدمته الطويلة للعراق الاحترام والثقة؛ ليس من حلفائه فحسب، بل أيضاً من أعدائه وخصومه السياسيين.
لقد ثبت أن الرهان على السياسيين، مثل حيدر العبادي (2014–2018)، وعادل عبد المهدي (2018–2020)، ومصطفى الكاظمي (2020–2022)، وغيرهم – رهان خاسر ولا يظهر فهماً عميقاً لتاريخ العراق أو إمكاناته المستقبلية. وبالتالي، فمن الممكن أن تقوم واشنطن والغرب والدول العربية المعتدلة بمراجعة جدية ما إذا كان السوداني بالفعل الزعيم المطلوب منذ فترة طويلة والقادر على إحداث التغيير والاستقرار المطلوبين في العراق منذ الغزو عام 2003. وذلك لأنه لا أحد، ولا حتى أشد منافسيه، يشكك فيه أو في مصداقيته أو وطنيته أو في قدرته على أن يكون رجل دولة وزعيماً في الشرق الأوسط.
من يبحث عن انتصارات سريعة خلال الأشهر العشر الأولى من ولاية السوداني لن يجدها بكل تأكيد، فالوضع الحالي للعراق لا يسمح بهذه النتيجة، ومع ذلك، فإن الجهود المستدامة والمتواصلة هي التي ستحدد فترة حكومته. أنا مدرك تماماً أن الذكاء السياسي ووعود الإصلاح، حتى عند تطبيقها عملياً، ليست كافية للتعافي من سنوات من التخمة السياسية، والفساد الإداري والمالي، وفقدان ثقة الشعب في الدولة ومؤسساتها، والأزمة الاقتصادية، والاستقطاب السياسي، والتدخلات الخارجية، وتجدد التهديدات الإرهابية من منظمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وأعلم أن تصحيح الأوضاع في العراق يتطلب مشروع إصلاح شامل يشمل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وقلب حالة الفوضى الحالية لا يتم عبر الإصلاحات المؤسسية وحدها، وإن كانت جذرية، بل يتطلب أيضاً تغييراً جذرياً في ثقافة الحكم. وهذه كلها أمور شاقة وبالغة الصعوبة وتحتاج إلى تضافر جهود على المستوى الشعبي والرسمي والدولي أيضاً.
ولذلك، فإن ما يسمى مشروع "العراق الجديد" هو ليس مشروع السوداني وحده، إذا كان الأمر كذلك، فإنه سيفشل بالتأكيد. بل يجب أن يكون مشروعاً عربياً، خاصة في ظل الأجواء الإيجابية التي تشهدها الدبلوماسية العربية البينية، وظهور بوادر توحد في الصف العربي عموماً. متمنين أن تلقى الجهود الكبيرة التي يبذلها رئيس الوزراء العراقي اليوم الترحيب والتشجيع الإيجابي من نظرائه العرب.
علاوة على ذلك، إذا أعادت الولايات المتحدة تقييم استراتيجيتها في العراق، فيمكنها دعم جهود مكافحة الفساد عبر الضغط الاقتصادي على الكيانات الفاسدة من خلال الاستخدام الحكيم للعقوبات، ما يجعل الفساد مشروعاً غير مربح بالنسبة لهم.
مرة أخرى لا بد من القول إن طريق الإصلاح في العراق طويل ومضنٍ، ويحتاج جهوداً ربما تكون أكبر مما يُقدم حالياً، لكن ما يوحي بالإيجابية هو وجود الإرادة، وهو أمر واضح لدى السيد محمد شياع السوداني، المصمم على تشغيل المؤسسات العامة العراقية بنزاهة وكفاءة رغم العشرين عاماً من المخالفات والتراكمات والعقبات. فالعراق يمتلك إمكانيات اقتصادية وسياسية كبيرة يمكن استغلالها تحت قيادة السوداني.
صحيح أنه إذا خالف السوداني رغبات القادة في الإطار التنسيقي، قد يفقد دعمهم لحكومته. ومع ذلك، يستخدم السوداني مهاراته لجعل أجندته لا غنى عنها حتى بالنسبة للمتشككين في الإطار التنسيقي. عن طريق إقناع بعض المتشددين في الإطار بأن أفضل خدمة لأمنهم ومصالحهم هي من خلال تبني تكتيكه المتمثل في الحفاظ على التوازن والتوفيق في علاقات العراق مع إيران والغرب، وقد يجعلهم السوداني أكثر اعتماداً على نجاح أجندته من أجل مستقبلهم أكثر من اعتماده عليهم في بقائه السياسي. وإذا نجح الأمر، فسيكون العراق قد وجد رجل الدولة -ولاعب ألعاب الخفة الرئيس- الذي يحتاجه بشدة في محمد السوداني.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: