تشكل مجلس الحرب في إسرائيل يوم 11 أكتوبر 2023 بعد أربعة أيام من هجمات الفصائل الفلسطينية على غلاف غزة، ووفقاً للقانون الإسرائيلي، فإن مجلس الحرب أو الطوارئ مرتبط بإعلان الحكومة الإسرائيلية لحالة الحرب، ويبقى قائماً ما لم يتم الإعلان رسمياً عن توقف تلك الحرب. ويتكون مجلس الحرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، بالإضافة إلى وزير الدفاع السابق ورئيس كتلة "المعسكر الوطني" المعارضة، بيني غانتس، وعضوين مراقبين، هما وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ورئيس هيئة الأركان السابق الوزير غادي أيزنكوت من كتلة "المعسكر الوطني". وبعد مضي أكثر من مئة يوم على الحرب في غزة، فإن تفاعلاتها وتداعياتها تنعكس على الائتلاف الحكومة من جهة، وحكومة الحرب من جهة أخرى.
حكومة الأزمة ما قبل الحرب
لازمت صفة "الأزمة" الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي من لحظة تشكيله الأولى في نهاية ديسمبر 2022، وهي أزمة مركبة تأسست على طبيعة مكونات ذلك الائتلاف وسياساته الداخلية والخارجية، حيث تحالف زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو مع أحزاب الصهيونية الدينية وحزبي شاس ويهودية التوراة، وهو تحالف أدت سياساته إلى حالة أزمة مستمرة على أكثر من صعيد، حيث:
أولاً: تحفظت الإدارة الأمريكية على وجود أحزاب الصهيونية الدينية في الائتلاف الحكومي، وامتنعت عن استقبال الوزير عن حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريش، وتأخر لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حتى عُقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وليس في البيت الأبيض، بالإضافة إلى معارضة الإدارة الأمريكية العلنية لمشروع الإصلاحات القضائية.
ثانياً: أدى مشروع الإصلاحات القضائية الذي قاده الائتلاف الحكومي إلى خلق أزمة داخل المجتمع الإسرائيلي، ما بين مؤيد ومعارض للمشروع، وبلغت الأزمة ذروتها قبل أسابيع من الحرب على غزة، سواء من خلال المظاهرات الواسعة أو امتناع عدد كبير من ضباط الجيش وجنود الاحتياط عن الخدمة، وغير ذلك.
ثالثاً: ساهمت سياسات وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير في رفع مستوى التوتر مع المجتمع العربي داخل إسرائيل (ما يقارب 2 مليون فلسطيني) من خلال سياساته المتعلقة بتهويد الجليل والنقب من ناحية، وسياسات قوات الشرطة وحرس الحدود التابعة لوزارته في القدس والمسجد الأقصى من ناحية ثانية، بالإضافة إلى نقل ذلك التوتر إلى ساحة السجون الإسرائيلية من خلال سياساته العقابية والقمعية بحق الأسرى الفلسطينيين، وفي ساحة الضفة الغربية من خلال تسليح وزارته لآلاف المستوطنين اليهود بأسلحة هجومية حديثة.
رابعاً: عملت سياسات وزير المالية والوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية بتسلئيل سموتريش على رفع مستويات التصعيد من خلال دعم ممارسات المستوطنين وهجماتهم على المواطنين الفلسطينيين، بالإضافة إلى سياسات مصادرة الأراضي وسنّ القوانين التي تعمل على تهويد معظم مناطق الضفة المصنفة "ج" وتعزيز الاستيطان فيها.
خامساً: فاقمت مواقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من السلطة الفلسطينية من جمود المسار السياسي، كما أسهمت في إضعاف السلطة مالياً وأمنياً، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة التدهور الأمني في مناطق شمال الضفة الغربية، خاصة في منطقة جنين.
في ضوء التفاعلات السابقة ذهبت العديد من التحليلات إلى أنّ الائتلاف الحكومي اليميني لن يكمل دورته الكاملة في الحكم، وأنّ احتمالات تغيير ذلك الائتلاف باتت أعلى من أي وقت مضى، إلا أنّ الحرب أجّلت تلك الاحتمالات مع إعلان حالة الطوارئ وتشكيل مجلس الحرب، وفي حال لم تحدث تغيرات مفاجئة خلال الحرب تؤثر على المجلس، والائتلاف الحكومي، فإنه وبمجرد توقفها وحل مجلس الحرب المرتبطة بها، فإن الائتلاف الحكومي القائم سيجد نفسه أمام مجموعة من الأزمات المركبة وأزمات جديدة أنتجتها الحرب، في مقدمتها التساؤلات حول غياب التقدير الحكومي واليقظة عند الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في إسرائيل، وسرعة الاستجابة للجيش في حالات الطوارئ.
ويتزايد الحديث داخل إسرائيل عن الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب، فلا تزال حركة حماس نشطة وفاعلة في غزة، ولم يُحرر أي من الأسرى الإسرائيليين من خلال الأعمال العسكرية، وعلى العكس تكبدت إسرائيل ثمن كبير وفق تصريحات مسؤوليها، من حيث:
1- بلغ عدد قتلى الجيش الإسرائيلي 520 حتى تاريخ 10 يناير 2024، ولا يزال أكثر من 130 أسير إسرائيلي قيد الاحتجاز في غزة.
2- تجاوز عدد "النازحين" الإسرائيليين من مناطق الجنوب والشمال أكثر من نصف مليون إسرائيلي.
3- بلغت تكلفة الحرب العسكرية حوالي 220 مليون دولار في اليوم الواحد حسب صحيفة "واشنطن بوست".
4- تعاني معظم القطاعات الاقتصادية من تراجع ملحوظ بسبب النقص الحاد في العمال وتجنيد قوات الاحتياط، خاصة في قطاعات البناء والإنشاءات والزراعة والتكنولوجيا، بالإضافة إلى التوقف شبه التام في قطاع السياحة.
الخلافات في مجلس الحرب
ظهرت بوادر الخلاف داخل مجلس الحرب منذ الأيام الأولى للحرب، عندما تبادل أطرافه الاتهامات بشأن الإخفاق في منع هجمات الفصائل الفلسطينية في غلاف غزة، وقد تطورت الخلافات لتطال الخطط العسكرية في الحرب وصفقات تبادل الأسرى، وقد ظهرت إلى العلن في طرق إجراء المؤتمرات الصحفية لمجلس الحرب، ففي أحيان عدة رفض وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت والوزير في مجلس الحرب بيني غانتس المشاركة في المؤتمر جنباً إلى جنب مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. بالإضافة إلى خلاف بين نتنياهو وغالانت بعد منع الأول رئيسي جهاز الاستخبارات "الموساد" ديفيد برنيع، وجهاز الأمن الداخلي "الشاباك" رونين بار من حضور جلسات مجلس الحرب، والخلافات مع بيني غانتس حول خطط إسرائيل لليوم التالي من الحرب، وإن مشاركة الأخير في مظاهرات عمت المدن الإسرائيلية في 14 يناير لمطالبة الحكومة بإبرام صفقة للإفراج عن الأسرى يوضح عمق الخلافات، وسيكون له تأثيره في مجلس الحرب.
مع ذلك؛ تُسلط الخلافات بين نتنياهو وغالانت الضوء على الأزمة بين المستويين العسكري والسياسي، والتي تعود جذورها إلى برنامج الحكومة للإصلاحات القضائية، حينما أقال نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت في 26 مارس 2023 من منصبه بسبب رفضه للتعديلات القضائية قبل أن يتراجع عنها لاحقاً. وقد استمرت تلك الخلافات حتى في فترة ما بعد الحرب، فقد أدى قرار رئيس الأركان هرتسي هاليفي تشكيل لجنة أمنية عسكرية برئاسة رئيس أركان الجيش السابق شاؤول موفاز للتحقيق في هجمات 7 أكتوبر، إلى خلاف حاد مع عدد من وزراء الائتلاف الحكومي، وأدت إلى تغيب هليفي عن حضور اجتماعات الحكومة. وفي السابق حدثت مُشادة كلامية بين هاليفي، ووزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، على خلفية قرار الجيش تأديب جنود ظهروا وهم يؤدون صلاة تلمودية في أحد مساجد في جنين.
من جهة أخرى؛ شددت المعارضة بزعامة يائير لبيد من معارضتها لحكومة الائتلاف ومجلس الحرب، فقد ذكر في 9 يناير، أن المجلس "ليست حكومة وحدة ولا حكومة طوارئ تسعى لإنقاذ إسرائيل، وإنما هدفها إنقاذ نتنياهو". ودعا الأعضاء فيها وتحديداً غانتس وآيزنكوت وجدعون ساعر لمغادرتها، فيما اتهم أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المعارض، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالتآمر على رئيس هيئة الأركان، وفي 8 يناير ذكر ليبرمان أنّ "حكومة الحرب تتحدث عن الوحدة بينما ما رأيناه خلال الأيام الماضية هو إطلاق نار من العيار الثقيل بين نتنياهو وغالانت وغانتس".
سيناريوهات الحكومة ما بعد الحرب
إن استعراض سيناريوهات الحكومة الإسرائيلية، محكوم بمجموعة من المتغيرات من أهمها الخلافات سابقة الذكر، ومسار الحرب وتطوراتها، والموقف الأمريكي من الحرب وطبيعة تطور علاقات واشنطن مع الحكومة الإسرائيلية ومجلس الحرب، والتغيرات في المواقف الدولية التي بدأت تشهد انزياحاً عن تأييدها للحرب في بدايتها، وتلك المتغيرات مجتمعة تضع عدد من السيناريوهات كالآتي:
السيناريو الأول: تشكيل حكومة وحدة وطنية
إن استجابة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضغوط أركان مجلس الحرب، والمعارضة بزعامة لبيد، والإدارة الأمريكية، وكذلك للمستوى العسكري، قد يؤدي إلى التخلي عن الائتلاف الحكومي القائم، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بدعوى الحاجة إلى كيان سياسي قادر على تحمل مسؤولياته ومهامه في فترة توصف بـ المصيرية من تاريخ إسرائيل. وفي هذا السيناريو قد يبقى بنيامين نتنياهو رئيساً للوزراء، لكن بتحالفات لا تشتمل على أحزاب الصهيونية الدينية، إما عبر دفعهم بالاستقالة أو فصلهم، وذلك لتفادي الذهاب نحو خيار الانتخابات المبكرة التي يتعزز بها فرص المعارضة بالفوز، كما تشير استطلاعات الرأي، منها الذي أجرته القناة 13 الإسرائيلية أواخر ديسمبر 2023، حول توجهات الناخبين الإسرائيليين في فترة إجراء الاستطلاع، فإن أحزاب المعارضة ستحصل على 71 مقعداً، مُقارنة مع أحزاب الائتلاف الحالي التي ستتراجع مقاعدها من 64 إلى 45، وبينما يلزم الحكومة لتمنح الثقة 61 نائباً في الكنيست، فذلك يعني أن المعارضة لديها حظوظ واسعة لتشكيل الحكومة إذا ما أجريت الانتخابات.
وهناك احتمال لتحقق هذا السيناريو أثناء الحرب، وقد تكون الحكومة الجديدة هي المقدمة لوقفها. ويدعم تحققه مجريات القتال وارتفاع الخسائر الاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية بالتزامن مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية الداعية لوقف الحرب، والرغبة الأمريكية في حكومة إسرائيلية أكثر تعاون وتتمتع بمرونة سياسية.
السيناريو الثاني: حجب الثقة عن الائتلاف الحكومي
إن عدم استجابة نتنياهو للضغوط الداخلية وتمسكه في الائتلاف الحكومي، قد يدفع بالمعارضة للتنسيق مع بعض أعضاء الكنيست لا سيما من الأعضاء المعارضين لنتنياهو داخل حزب الليكود الحاكم، لحجب الثقة عن الائتلاف الحكومي، وقد أشارت تقارير عن محادثات سرية تجريها المعارضة مع أعضاء من حزب الليكود لتشكيل حكومة بديلة، تكون مهمتها إنهاء الحرب واستعادة الأسرى الإسرائيليين بالمفاوضات، لكن تعثرت تلك المحادثات بسبب اشتراط المعارضة بقاء الحكومة البديلة لعامين، دون إمكانية الإطاحة بها أو تنظيم انتخابات مبكرة. وقد سبق تلك التقارير تصريحات لزعيم المعارضة يائير لبيد في 9 يناير 2024 عن استعداد حزبه للتصويت لصالح تغيير الحكومة لتصبح برئاسة يولي أدلشتين من حزب الليكود أو بيني غانتس أو غادي آيزنكوت من كتلة "المعسكر الوطني"، ونقلت القناة 12 الإسرائيلية، في 17 يناير عن نية حزب العمل تقديم مقترح لسحب الثقة من الحكومة بسبب عجزها عن استعادة الرهائن، ويتعزز تحقيق هذا السيناريو إذا ما استقال غانتس من مجلس الحرب.
السيناريو الثالث: اندماج كتلة "المعسكر الوطني" في الائتلاف الحكومي
هذا السيناريو مرتبط بانتهاء الحرب وحل مجلس الحرب، وخلالها قد يصبح "المعسكر الوطني" الذي يرأسه غانتس طرفاً في الائتلاف الحكومي إلى جانب الأطراف الأخرى، وذلك يعزز من حظوظ الائتلاف الحكومي بالبقاء في مرحلة ما بعد الحرب، ويوفر أغلبية مريحة للحكومة في الكنيست حتى في حالة شهد حزب الليكود تمرداً من بعض أعضاءه، ويحول دون حجب الثقة عن الحكومة أو التوجه لانتخابات مبكرة. لكن هذا السيناريو هو الأقل احتمالاً للتحقق؛ فسوف يصطدم نتنياهو وحكومته بتداعيات قرار محكمة العدل العليا مطلع يناير والقاضي بإلغاء بند "شرط المعقولية" من مشروع الإصلاحات القضائية، والذي أقره الكنيست في مارس 2023، وقرار المحكمة في 3 يناير والقاضي بتأجيل تطبيق قانون "تحصينات رئيس الحكومة" الذي يحدّ من إمكانيات عزل رئيس الحكومة إلى ما بعد الانتخابات القادمة، وهو ما يمّكن النائب العام من المطالبة بمحاكمة نتنياهو بتهم الفساد المتعلقة بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، الأمر الذي يضع نتنياهو أمام خيارات صعبة، أكثرها احتمالاً هو التوجه لانتخابات مبكرة، مع عدم استبعاد مغادرته للحياة السياسية وخضوعه للمحاكمة ودخوله السجن.
السيناريو الرابع: التوجه لانتخابات مبكرة
إن انتهاء الحرب بحل "مجلس الحرب"، ومغادرة كتلة "المعسكر الوطني" التي يرأسها غانتس للائتلاف الحكومي وفي ظل تزايد المعارضة لنتنياهو داخل حزب الليكود، واحتمالية مطالبة النائب العام بمحاكمة نتنياهو عن تهم الفساد، قد يدفع بالمعارضة لتمرير مشروع حجب الثقة عن الحكومة في الكنيست، دون توفر ائتلاف بديل، وبالتالي التوجه لانتخابات مبكرة تشير استطلاعات الرأي في إسرائيل أنها لن تكون في صالح نتنياهو. وهذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً في مرحلة ما بعد الحرب، ويتعزز إذا ما انتهت الحرب دون نتائج أو نجاح واضح تستطيع الحكومة تقديمه.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: