مقدمة
بمجرد انتهاء عطلة الكنيست الإسرائيلي في السابع من أيار 2022، تمكنت حكومة نفتالي بينت، من الإفلات من مشروعين لحجب الثقة عنها قدمهما حزبا الليكود وشاس، وذلك بفضل تصويت القائمة العربية المشتركة ضد حجب الثقة حرصاً على "منع عودة بنيامين نتنياهو للحكم"، لكن تلك النجاة المؤقتة جاءت أساساً في ظل أزمة سياسية تعصف بالائتلاف الحاكم بعد قرار عضو الكنيست عن حزب "يمينا" عيديت سيلمان الانسحاب من الائتلاف؛ للحفاظ –وفقاً لها- على "هوية إسرائيل اليهودية" واحتجاجاً على انتهاك وزارة الصحة الإسرائيلية لتعاليم الشريعة اليهودية في عيد الفصح، وهو القرار الذي قوبل بترحيب عال من قبل زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو الذي وصفه بالعودة إلى "أرض إسرائيل والمعسكر الوطني".
انسحاب سيلمان، أدخل الائتلاف الحكومي في إسرائيل في حالة من التأرجح بسبب فقدانه الأغلبية المطلقة، حيث بقي له 60 نائباً من أصل 120، كما فتح الباب أمام تزايد احتمالات حجب الثقة عن الحكومة التي يرأسها زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينت، وبالتالي التوجه نحو انتخابات مبكرة، ستكون الخامسة خلال ثلاث سنوات في حال إجرائها.
لكنّ الموضوع لم يتوقف عند استقالة سيلمان، حيث أعلنت عضو الكنيست عن حزب (ميرتس) اليساري غيداء زعبي في التاسع عشر من أيار 2022 استقالتها "لاعتبارات أيديولوجية" متعلقة بتصعيد العنف في الحرم القدسي، بالإضافة إلى الأساليب القاسية التي اتبعتها الشرطة الإسرائيلية في جنازة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة كما ورد في رسالة استقالة زعبي، وهي استقالة تم التراجع عنها بعد ثلاثة أيام "بعد ضغوط كبيرة من رؤساء السلطات العربية" في إسرائيل كما أشارت زعبي.
استقالة زعبي ثم تراجعها، تفصح عن مدى هشاشة الائتلاف الحكومي، وهي حالة قد تتكرر في أية لحظة، في ظل جاهزية المعارضة بزعامة نتنياهو لتقديم مقترحات لحل الكنيست، وهذا ما كان متوقعاً حدوثه في حالة عدم سحب زعبي استقالتها، الأمر الذي يضع الائتلاف الحكومي أمام سيناريوهين اثنين في المرحلة القادمة.
سيناريوهات المرحلة القادمة
يتمثل السيناريو الأول في عدم تمكن المعارضة خلال الفترة القريبة القادمة من إسقاط الحكومة، التي قد تُحافظ على دعم (60 نائب)، خاصة بعد إعلان منصور عباس، في مؤتمر صحفي، عن أن قائمته "ستعطي الحكومة فرصة أخرى للتعاون"، وأن "القائمة العربية الموحدة لا تريد جولة أخرى من الانتخابات"، وهو ما تعزز بعد تراجع زعبي عن استقالتها.
وبالتالي تبدو الحكومة الحالية باقية، لكن في "حالة شلل"، بسبب عدم قدرتها على تمرير تشريعات جديدة حسب قانون الكنيست، وهو الأمر الذي سيفجر الأزمة من جديد عند تقديم أول مشروع قانون من قبلها، أما السيناريو الثاني يتمثل في نجاح المعارضة بتمرير مشروع حل الكنيست نتيجة الخلافات المتصاعدة داخل الائتلاف الحكومي، وفي هذه الحالة سنشهد حكومة انتقالية، برئاسة يائير لبيد لفترة لا تقل عن ستة شهور.
وفي حالة السيناريو الأول يبرز السؤال المتعلق بسياسات الحكومة في الفترة القادمة، وهي سياسات محكومة بجملة من المحددات النابعة من طبيعة الائتلاف الحاكم، وعلى رأسها:
أولاً: المحدد المتعلق بحزب (يمينا) الذي يقوده بينت، المدير العام السابق لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية، وهو حزب يميني يحظى بدعم المستوطنين، والحاصل على سبعة مقاعد في الكنيست، ويعاني من أزمة داخلية حادة بعد انسحاب عضو الكنيست عن الحزب عيديت سيلمان من الائتلاف الحكومي، وفصل عضو الكنيست عاميحاي شيكلي من الحزب، وتزايد الخلافات من طرف وزيرة الداخلية أيليت شاكيد، ونائبها أفيرا كرا، والنائب أوري أورباخ، أصحاب المواقف اليمينية المتطرفة وشديدة الانتقاد لسياسات زعيم الحزب ورئيس الحكومة.
ثانياً: المحدد المتعلق بالقائمة العربية الموحدة التي يرأسها منصور عباس والحاصلة على أربعة مقاعد في الكنيست، وهي منبثقة عن الحركة الإسلامية / الجناح الجنوبي، والتي بالرغم من مشاركتها في الائتلاف من أجل خدمة "مصالح المجتمع العربي في قضايا مختلفة، اجتماعية اقتصادية سياسية وتربوية" إلا أنها واجهت أزمة داخلية كبيرة بعد الأحداث في المسجد الأقصى، جمدت على إثرها عضويتها في الائتلاف بقرار من مجلس شورى الحركة الإسلامية خلال فترة عطلة الكنيست الأخيرة.
ثالثاً: المحددات المتعلقة ببقية أحزاب الائتلاف والقدرة على تلبية مطالبها وإرضاء ناخبيها، كحزب (هناك مستقبل) الليبرالي الذي يرأسه وزير الخارجية يائير لبيد الحاصل على 17 مقعداً في الكنيست، وحزب (أزرق أبيض) المحسوب على يمين الوسط والذي يرأسه وزير الدفاع بيني غانتس والحاصل على ثمانية مقاعد، وحزب (إسرائيل بيتنا) القومي اليميني الذي يرأسه وزير المالية أفيغدور ليبرلمان والحاصل على سبعة مقاعد، وحزب العمل المحسوب على يسار الوسط الذي ترأسه ميراف ميخائيلي والحاصل على سبعة مقاعد، وحزب (أمل جديد) الليبرالي القريب من يمين الوسط الذي يرأسه غدعون ساعر المنشق عن الليكود والحاصل على ستة مقاعد، وحزب (ميرتس) اليساري الذي يقوده نيستان هوروفيتش والحاصل على ستة مقاعد.
التوازنات المستحيلة
بحكم طبيعة الائتلاف الحالي في إسرائيل فإن سياسات الحكومة تبدو أقرب للتوازنات المستحيلة بين مكوناتها المتباينة، حيث أظهرت الأحداث الأخيرة في المسجد الأقصى وما سبقها ورافقها وتبعها من استمرار الإجراءات الاستيطانية في الضفة الغربية؛ أن نيل رضا جميع مكوناتها "غاية لا تُدرك"، وأن الهدف المشترك الذي اجتمع عليه أطراف الائتلاف، يتمثل في قطع الطريق على بنيامين نتنياهو للعودة لرئاسة الحكومة، والذي تبين عدم كفايته لمواجهة الأزمات والمحافظة على تماسك الائتلاف.
فما هي خيارات الائتلاف في ضوء الأزمة الحالية والحالة الهشة التي يعيشها؟
تبدو خيارات محاولة الاستمرار في التوازنات المستحيلة هي الأقرب، حيث يتوقع أن تمضي الحكومة في سياستها ضمن عدة مسارات متوازية بهدف إرضاء مكوناتها، وضمان قيادة بينت في المرحلة الحالية، وهو صاحب المصلحة الأكبر في ذلك، وهذه المسارات هي:
أولاً: المسار السياسي القائم على فكرة (تقليص الصراع) وما يعنيه ذلك من رفض لحل الدولتين، والعمل على تقديم تسهيلات حياتية للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، الاستجابة لبرنامج معظم الأحزاب الشريكة في الائتلاف.
ثانياً: مسار تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس، ففي الثاني عشر من أيار 2022، صادقت الحكومة الإسرائيلية على بناء أربعة آلاف وحدة استيطانية جديدة في عدة مستوطنات في شمال ووسط وجنوب الضفة، وذلك استجابة لبرامج الأحزاب اليمينية الشريكة وعلى رأسها حزب يمينا ذاته.
ثالثاً: مسار تقديم التسهيلات للمجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، خاصة في قضايا موازنات السلطات المحلية ومكافحة الجريمة والبلدات العربية غير المعترف بها في النقب، والذي كانت آخر حلقاته إعلان القائمة العربية الموحدة في السادس عشر من أيار 2022 عن توصلها إلى اتفاق جديد مع حكومة بينت فيما يتعلق بهذه البلدات، حيث قررت الحكومة عدم هدم المباني التي تصل مساحتها إلى 70 متراً، أو فرض غرامات على ملاكها، وذلك استجابة لبرنامج الأحزاب اليسارية الشريكة في الائتلاف، وعلى رأسها القائمة العربية الموحدة التي تشكل تلك المطالب رافعتها الأساسية لتبرير مشاركتها في ذلك الائتلاف.
رابعاً: مسار المسجد الأقصى، وهو المسار الذي يتجسد فيه التوازنات المستحيلة، حيث يصعب على حكومة بينت الجمع بين تناقضات أطراف حكومته، عندما يتعلق الأمر بملف المسجد الأقصى، والذي تميل فيه الحكومة لحسابات اليمين والمستوطنين على حساب بقية الشركاء، وحيث لم يعد مسار تقديم التسهيلات للمجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل كافياً لوحده في إقناع القائمة العربية الموحدة بالاستمرار في دعم الائتلاف، خاصة بعد الاجتماع الأخير بين جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ورئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس بداية أيار 2022 وتصريح منصور عباس الذي قال فيه: "إن المطالب والمواقف بخصوص المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة يحددها ويديرها الملك عبد الله الثاني، صاحب الوصاية على المسجد الأقصى المبارك والمقدسات الدينية في القدس".
وهنا أيضاً تظهر هشاشة الائتلاف الحكومي والمهمة الصعبة التي تواجه رئيسه بينت في إدارة تلك التوازنات المستحيلة التي تحمل مخاطر انهيارها في أي لحظة، وبشكل غير متوقع أحياناً كما حصل في حالة عضو الكنيست غيداء زعبي. وما قد يحصل مع بعض أعضاء الكنيست من حزب يمينا أو غيرهم من أحزاب اليمين في الائتلاف في حالة تقديم بينت تنازلات في ملف المسجد الأقصى في الجهة المقابلة.
وهذا ما حاول بينت تلافيه -حتى الآن على الأقل- في رده على تصريحات منصور عباس بعد لقائه بجلالة الملك عبد الله الثاني، حيث قال بينت إنّ أي "قرار بالنسبة لجبل الهيكل ستتخذه الحكومة الإسرائيلية، التي تخضع المدينة لسيادتها، من دون أخذ أي اعتبارات أخرى بالحسبان، ونحن نرفض بكل تأكيد أي تدخل أجنبي بقرارات الحكومة الإسرائيلية، والقدس الموحدة هي عاصمة دولة واحدة فقط – دولة إسرائيل"، ولا يخفى أن المقصود بالتدخل الأجنبي هو الدور الأردني النابع من الوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات، وهي تصريحات سبقها تأكيد بينت للولايات المتحدة الأمريكية أنّ بقاء حكومته مرتبط بشكل كلي باستمرار البناء الاستيطاني.
ماذا عن حكومة برئاسة لبيد؟
في حالة تحقق سيناريو حل الكنيست وتولي حكومة انتقالية برئاسة وزير الخارجية يائير لبيد زعيم حزب (هناك مستقبل) الليبرالي الحاصل على 17 مقعداً في الكنيست، فلن تكون أكثر قدرة من سابقتها على إنتاج سياسات جديدة فيما يتعلق بقضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلا ضمن هامش بسيط أكثر ميلاً لضبط تصرفات المستوطنين في المسجد الأقصى، وذلك بحكم طبيعة الفترة الانتقالية للحكومة التي تشكل فرصة بالنسبة ليائير لبيد لتعزيز قوته الحزبية وزيادة فرصه في الانتخابات القادمة، وهو في كل الأحوال سيبقى محكوماً لنفس المحددات النابعة من طبيعة الائتلاف الحاكم كما هو حاصل في حالة رئيس الحكومة الحالي بينت.
خاتمة
ستبقى الساحة السياسية الإسرائيلية في حالة ترقب دائم خلال الأيام والأسابيع القادمة، بانتظار ما قد تسفر عنه تناقضات مكونات الائتلاف الحكومي من جانب، وجهود المعارضة اليمينية بزعامة نتنياهو في تمرير مشروع حل الكنيست من جانب آخر، وستبقى سياسات الحكومة الإسرائيلية محكومة بطريقة إدارتها للتوازنات المستحيلة بين مكوناتها الحزبية، سواء بقي بينت على رأسها أو جاء لبيد من بعده، وهي في كل الأحوال توازنات تميل لصالح قوى اليمين في قضايا "تقليص الصراع" واستمرار الاستيطان والاعتداءات على المسجد الأقصى، مقابل بعض التحسينات في ظروف المعيشة اليومية للفلسطينيين في الضفة وغزة، وأكثر منها بقليل للمجتمع الفلسطيني في داخل إسرائيل، وكل ذلك لن يشكل علامة فارقة في مسار التسوية السياسية الغائب منذ سنوات.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: