ماذا حدث؟
أصدر الوسطاء في مفاوضات وقف إطلاق النار؛ الولايات المتحدة ومصر وقطر، بياناً مشتركاً هو الأول من نوعه في 8 أغسطس 2024، دعوا فيه كلاً من إسرائيل وحركة حماس إلى استئناف المحادثات بشكل عاجل يوم 15 أغسطس، للتوصل إلى مقترح نهائي يفضي إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، وأكد البيان أنه "يجب عدم إضاعة مزيد من الوقت وألا تكون هناك أعذار لمزيد من التأجيل".
نظرة عن كثب:
جاء البيان في وقت تواجه فيه المنطقة خطر الاندفاع نحو حرب إقليمية، مع ترقب هجوم وشيك لكل من إيران و"حزب الله" اللبناني، رداً على عمليتيّ اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر في 30 يوليو، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو، وما تشهده المنطقة من تحركات عسكرية من قبل حزب الله وإيران، واستعدادات دفاعية وهجومية إسرائيلية، إلى جانب التعزيزات المكثفة للقوات الأمريكية البحرية والبرية والجوية.
وبالرغم من أهمية البيان وجديته، والدعم الإقليمي والدولي لمضمونه، لا سيما من دول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة ودول وأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، إلا أن مواقف أطراف الحرب والفاعلين فيها لا تزال مُلتبسة أو ضبابية، فمن جهة أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن إيفاد مفاوضين للمشاركة في الاجتماع المقترح، لكن مع إصرارها على ذات المطالب التي عرقلت جولات المفاوضات السابقة، والمتمثلة في السيطرة على محور فيلادلفيا، وتحديد آلية لمنع عودة المسلحين إلى شمال القطاع، وزيادة عدد المفرج عنهم من المحتجزين الإسرائيليين الأحياء خلال المرحلة الأولى، وإبعاد بعض الأسرى الفلسطينيين المتوقع الإفراج عنهم، في حين تستمر إسرائيل في التصعيد سواء عبر تنفيذ الاغتيالات التي كان آخرها اغتيال القيادي في حماس سامر الحاج في 9 أغسطس في مدينة صيدا اللبنانية. في المقابل طالبت حركة حماس الوسطاء الثلاث بتقديم خطة لتنفيذ ما قاموا بعرضه على الحركة ووافقت عليه بتاريخ 2 يوليو 2024، استناداً إلى خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي طرحها في 31 مايو، وقرار مجلس الأمن الدولي 2735، بدلاً من "الذهاب إلى مزيد من جولات التفاوض أو مقترحات جديدة".
نقطة انعطاف!
يعكس البيان رغبة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والدول العربية، بوقف الحرب في قطاع غزة، والحد من مخاطر استمرار التصعيد في الجبهات الثانوية، وبشكل بات يُنذر باتساع نطاقه وارتفاع وتيرته، مع ذلك لا يبدو أن البيان يتناسب مع الطبيعة المعقدة للحرب بين أطرافها الرئيسيين (حركة حماس وإسرائيل)، أو الحسابات المُركبة والمتشابكة للجبهات الثانوية عند أطراف "محور المقاومة"، إذ سرعان ما أكد "حزب الله" اللبناني أن رده على اغتيال شكر، منفصل عن سياق المفاوضات لوقف الحرب في قطاع غزة، في حين يُرجح أن يستبق رد حزب الله وإيران جولة المفاوضات المقترحة.
تُمثل نقطة الانعطاف، أن الاجتماع المقترح يواجه احتمال التعثر حتى قبل انعقاده، بل إن انعقاده من عدمه موضع نقاش قائم، وذلك يعني أن البيان بالرغم من أهدافه بالضغط على أطراف الحرب لوقفها، وثني إيران وحزب الله من الرد بشكل يُفاقم من مخاطر المواجهة عبر الإقليم، إلا أنه يُنذر كذلك بمخاطر اعتباره "الفرصة الأخيرة" التي يُمثل ضياعها ترك مصير الحرب وفق مجرياتها الميدانية سواء في ميدانها الرئيس في قطاع غزة أو في ميادينها الثانوية وتحديداً في جبهة لبنان، لتصبح خارج نطاق سيطرة الوسطاء والقوى الفاعلة إقليمياً ودولياً.