بعد انتهاء جولة مفاوضات وقف إطلاق النار في العاصمة القطرية الدوحة، والتي بدأت في 15 أغسطس 2024 ولمدة يومين استجابة للبيان الثلاثي (الأمريكي - المصري - القطري) الهادف للتوصل إلى مقترح نهائي يفضي إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، والتي تمت بمشاركة ممثلين أمريكيين ومصريين وقطريين وإسرائيليين رفيعي المستوى، وبدون مشاركة مباشرة من حركة حماس، والتي من المخطط استئنافها في العاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة القادمة، وبالرغم من جدية الوسطاء الثلاثة لإنجاح المفاوضات إلا أنّ حالة الضبابية في مواقف أطراف الحرب، تُثير التساؤلات حول نتائجها ومصيرها على حد سواء.
الجلسة الأولى من المفاوضات في الدوحة
أعقب انتهاء الجلسة الأولى من المفاوضات في العاصمة القطرية، إصدار الدول الوسيطة بياناً وصفت فيه المفاوضات بالبناءة، وأنها تمت ضمن "أجواء إيجابية"، مع الإشارة إلى أنّ المحادثات ستستأنف في القاهرة على أساس الشروط المطروحة في مفاوضات الدوحة، وأنّ الفرق الفنية ستواصل العمل على التفاصيل "بما في ذلك الترتيبات لتنفيذ الجزئيات الإنسانية الشاملة للاتفاق، بالإضافة إلى الجزئيات المتعلقة بالرهائن والمحتجزين".
مع ذلك، تزامنت المفاوضات في الدوحة مع عدد من المعطيات التي ترتبط بمسار المفاوضات من جهة، وموضوع الحرب واليوم التالي لها من جهة أخرى، ومن أهمها:
أولاً: كلمة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 15 أغسطس 2024، أمام البرلمان التركي، والتي أعلن فيها نيته زيارة قطاع غزة بصحبة "القيادة الفلسطينية".
ثانياً: تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن في 20 أغسطس حول أنّ "حركة حماس تتراجع عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة"، وثُم تصريح وزير خارجيته أنتوني بلينكن في اليوم نفسه، أنه سمع مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنّ "إسرائيل قبلت مقترح سد الفجوات"، وأنه يأمل "أن تقوم حماس بنفس الشيء".
ثالثاً: بيان حركة حماس في ردها على تصريحات بايدن وبلينكن في نفس اليوم الذي استهجن تلك التصريحات، وأكد أنّ "تصريحات بايدن وبلينكن هي ادعاءات مضللة ولا تعكس حقيقة موقف الحركة الحريص على الوصول إلى وقف للعدوان".
رابعاً: تمسك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالشروط الأربعة لوقف إطلاق النار، وهي:
1) بقاء القوات الإسرائيلية في معبر نتساريم ومعبر فيلادلفيا.
2) القدرة على استكمال الحرب بعد تبادل الرهائن.
3) عدم عودة حركة حماس للسلطة في قطاع غزة أو تسليمها إلى السلطة الفلسطينية.
4) تحكّم إسرائيل برفض أسماء من الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم أو اختيار مكان إقامتهم.
خامساً: تصريحات أمين سر تنفيذية منظمة التحرير الفلسطينية ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ في 20 أغسطس والتي حمّل فيها الإدارة الأمريكية مسؤولية الفشل في التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب على قطاع غزة، واتهم فيها إسرائيل بالسعي لإطلاق المحتجزين والاستمرار في الحرب على القطاع.
سادساً: استمرار الأوضاع الميدانية على وتيرتها المتصاعدة في جبهتي قطاع غزة والشمال، وتواصل العمليات الاستخبارية الإسرائيلية في قلب القطاع، والتي كان آخرها انتشال ست جثث لمحتجزين إسرائيليين من منطقة خانيونس في 20 أغسطس، بالإضافة الى استمرار حالة الترقب للرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
ماذا بعد جلسة الدوحة؟
في ضوء المعطيات السابقة، وقبيل استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار في القاهرة، لا تبدو فرص نجاحها كبيرة، على الأقل فيما يتعلق بالتوصل لاتفاق شامل، إلا أنّ الإصرار الأمريكي على استمراريتها، وجدّية الوسيطين المصري والقطري، قد يدفع الأطراف للتوصل إلى هدنة إنسانية مؤقتة تحقق للإدارة الأمريكية مادة انتخابية تعزز من فرص المرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس، ولا تتعارض في الوقت نفسه مع شروط الحكومة الإسرائيلية الأربعة، وقد أبدى موقف حركة حماس مرونة تجاه الهدنة المؤقتة، خاصة في ضوء التعقيد الذي تشهده الساحات الثانوية مع ترقب الرد من قبل حزب الله وإيران، والمحكوم بحسابات مركبة للغاية لكليهما.
في المقابل، تحاول السلطة الفلسطينية استثمار المعطيات الراهنة لتحسين أوضاعها على أكثر من صعيد، سواءً من حيث المواقف الإسرائيلية الرافضة لأي دور رسمي لها في إدارة قطاع غزة بعد الحرب، أو بعدم تحقيق أي اختراق يذكر في ملف المصالحة الداخلية مع حركة حماس، بالإضافة إلى زيادة حدة أزماتها المالية والأمنية في الضفة الغربية، وهو ما يفسر خطاب رئيس السلطة الفلسطينية أمام البرلمان التركي وإعلان نيته زيارة قطاع غزة، بوصفه محاولة للتسلل إلى ملف الحرب على غزة من بوابة تركيا وعلاقاتها القوية مع حركة حماس، حيث ستحقق السلطة "انجازاً" سياسياً مفترضاً في الحالتين.
وفي حالة نجاح تلك الزيارة عبر الحدود الشمالية للقطاع، فسوف يعتبر ذلك نجاحاً سياسياً، إذ أن الموافقة الإسرائيلية عليها تعني القبول ضمنياً بدور للسلطة في إدارة القطاع بعد الحرب، ويعزز من موقف السلطة على الصعيد الشعبي وعلى المستوى الإقليمي والدولي. في المقابل لا يشكل الرفض الإسرائيلي للزيارة حرجاً على السلطة، بل قد يدفعها لاستثمار ذلك الرفض إعلامياً وسياسياً، وخاصة من جهة عدم ربط دورها المستقبلي في القطاع بقوة احتلال، وينسجم ذلك مع التقديرات الفلسطينية التي أشار لها حسين الشيخ بأنّ "الجانب الإسرائيلي سيرفض زيارة الرئيس عباس إلى غزة، ولدينا سيناريوهات أخرى في حال الرفض".
وأخيراً؛ فإنّ مستقبل مفاوضات وقف النار والفجوات بين أطرافها، لم يصل لدرجة إنهاء الحرب على غزة، وذلك بسبب مواقف الحكومة الإسرائيلية واشتراطاتها المستجدة وفقاً لتقدم الجيش الإسرائيلي في الميدان، وعدم كفاية نفوذ الإدارة الأمريكية على إسرائيل لتقديم تنازلات في نقاط الخلاف، ومن جهة أخرى؛ فإنّ المفاوضات تُدار في أجواء تنعدم فيها ثقة الطرفين الرئيسين بالتزام كل منهما بتطبيق المتفق عليه، فمن جهة تتخوف إسرائيل من عودة حركة حماس بناء قوتها في القطاع، فيما تخشى الأخيرة احتلالاً جديداً لغزة على غرار الوضع قبل العام 2005، ومن هذا المنطلق فإنّ تعثر المفاوضات أو نجاحها لن يُقدم حلاً نهائياً للحرب، ما يُرجح الذهاب إلى هُدنة إنسانية مؤقتة تستكمل بعدها عمليات الطرفين العسكرية.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: