تقدّم هذه الورقة معضلة الأمن المائي في المملكة الأردنية الهاشمية وآفاقها المستقبلية، ويُعدّ هذا أحد أهم الموضوعات الاستراتيجية التي تُواجه الأردن، بل ويزداد أهمية مع مرور الوقت، أمام شح مصادر المياه؛ حيث يُعدّ الأردن من أكثر الدول فقرًا مائيًّا على مستوى العالم.
وفي هذا السياق، ونظرا لاتساع ميادين أزمة المياه وقضايا الأمن المائي الأردني، في الأبعاد التاريخية والراهنة والمستقبلية، تُبيّن هذه الورقة أهم محاور قضية الأمن المائي الأردني، مستندة ما أمكن، إلى الوقائع وما هو ملموس، والتقديرات العلمية، فيما هو مستقبلي.
وتتوصّل أيضا الى أن أزمة المياه في الأردن عميقة، ومصادرها تمثلت في زيادة النمو السكاني، بالزيادة الطبيعية واستضافة اللاجئين، وفي شحة الأمطار ونضوب موارد المياه، والتغير المناخي، والحاجة المتزايدة للقطاعات المختلفة إلى الماء، بالإضافة إلى محدودية الموارد المائية عموما.
كما أنّ الورقة تحاول استنباط ما يقدّره المتخصصون والخبراء حول الحلول العلمية الممكنة مستقبلا، والخطط البديلة التي يمكن عبرها التغلّب على هذه الأزمة وتجاوزها، بما يضمن تأمين حاجات الأردن المائية لعقود كثيرة قادمة.
وفي البُعد العملي التنفيذي، تستعرض الورقة ما يجري العمل على تحقيقه، في الأمد القريب أو المتوسط أو البعيد، من مختلف الهيئات ذات العلاقة، خاصة وأن التوجيهات الملكية في هذا الخصوص، كانت بالغة الوضوح.
الواقع المائي في الأردن
يُمكن القول إنّ المملكة الأردنية الهاشمية شهدت زيادات كبيرة في عدد سكّانها، وتمثّل ذلك إما بالزيادة الطبيعية، أو ما حملته موجات الهجرة والنزوح واللجوء، الأمر الذي ضاعف مرّات عديدة الحاجة إلى مياه الشرب، وزيادة الطلب عليها، في ظل التطوّر الكبير الذي شهدته مختلف القطاعات التنموية في البلاد.
وفي هذا السياق، ووفق بيانات حكومية صادرة عن وزارة المياه والري، فإن حاجة الأردن من المياه تبلغ حوالي 3 ملايين متر مكعّب يوميا وهي تشمل كافة الاستخدامات، كما تُشكّل الاستخدامات المنزلية، والزراعية، والصناعية، والسياحية، وغيرها90 مترا مكعّبا من حصة الفرد من المياه. وفي المقابل، أشارت البيانات الحكومية أيضًا بأن مستوى خط الفقر المائي دوليا يبلغ حوالي 500 متر مكعّب للفرد سنويا، وهو أضعاف المستوى الراهن في المملكة، وبذلك أصبح الأردن ثاني أو ثالث أفقر دولة مائيا في العالم.
وتفيد توقعات؛ من بينها توقعات وزارة المياه والري والبنك الدولي، بأن العجز في قطاع مياه الشرب وحده سيصل إلى حوالي 45 مليون متر مكعّب في العام 2022، أما العجز الكلي لكافة الاحتياجات فيزيد عن 450 مليون متر مكعب سنويا. وعلى المدى البعيد، توقع تقرير صدر مؤخرا عن الموقع الدولي المتخصص "New Security Beat"، أن يعاني ما يتجاوز 90% من السكان ذوي الدخل المنخفض في الأردن من انعدام حادّ للأمن المائي بحلول نهاية القرن الحالي، بينما كانت دراسات دولية أخرى بحسب وزارة المياه والري الأردنية قد حذّرت من تراجع حصة الفرد في الأردن إلى 60 مترا مكعّبا سنويا بحدود عام 2040، إذا استمرت الأوضاع المائية الحالية على هذا النحو، وذلك بالنظر الى ما هو متوافر من مصادر مائية والزيادات المتوقعة في الطلب الطبيعي عليها. وفي سياق متصل، وفي الحديث عن الواقع المائي الأردني، تبرُز هناك عددا من الحيثيّات والمؤشرات الملموسة والمتعلقة بهذا الملف على صعيديه الراهن ومستقبله، ومن أبرزها:
· أن نهر الأردن وحوض اليرموك يُعدّان، وعلى مدار العقود الماضية والطويلة، من أهم مصادر المياه في الأردن، إلى جانب بعض المصادر الجوفية الكبرى، مثل حوض الديسي. إلا أن نهر الأردن يفقد85 بالمئة من مدخوله من المياه عن طريق التبخر بفعل ارتفاع درجات الحرارة، وتعرّضه لعمليات تحويل في مصادره ومياه مجراه، بسبب سياسات الاستحواذ المائي الإسرائيلية.
· وأمّا المياه الجوفية فتُستَهلك، وتُحرم منها أجيال قادمة، ستكون في أمسّ الحاجة إليها. ووفقًا لوزارة المياه والرّي، أكدت دراسات دولية مُختصة في دراسات مائية جديدة من الواقع الخطير الذي يهدد المياه الجوفية في الأردن وبشكل لافت، وهو واقع لا بد من النظر إليه بمزيد من الحذر من قبل الجهات الحكومية المختصة في الأردن في الوقت الراهن والمستقبلي. لا سيما، أن هذه التحذيرات جاءت متوافقة مع نتائج الدراسة التي أعدها المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض (BGR)، والذي تخصّص في بحثه بدراسة المياه الجوفية في الأردن من خمسينيات القرن الماضي كواقع ينبغي إيجاد حلول مستقبلية له. وعلى الرغم من أن المياه الجوفية في الاردن تعاني من حالة الاستنزاف المستمر، إلا أنها تبقى مصدرًا من المصادر الرئيسية في المملكة لاستخدامات يُستفاد منها في مياه الشرب واستخدامات أخرى متنوعة، حيث تُشكّل ما نسبته حوالي 56 في المائة من باقي مجموع الاستخدامات الأخرى.
· وفي سياق آخر متصل، ولتعويض نقص المياه الذي يشهده الأردن في القطاع الزراعي ولإيجاد مصادر بديلة لتلبية ري الأراضي المزروعة. يذكر أن الأردن قد شرع سابقًا في إقامة سد الكرامة في وادي الأردن ومصدر مياهه بشكل رئيسي من نهر اليرموك من أجل تخزين 55 مليون متر مكعب من المياه للاستخدام في مجال الزراعة، مثلما حرص على استجرار، كمّيات من مياه حوض الديسي ولا يزال لغايات سد النقص في مجالات مياه الشرب أيضًا.
· وتُعد مخزونات السدود في كل من سد الوحدة والوالة والموجب، من أهم المؤشراتً على المخزون المائي في مواجهة صيف أردني آمن من عدمه، وبوصف وزير المياه والريّ، محمد النجار، فإنّ تكلفة جرّ 100مليون متر مكعب من حوض الديسي تبلغ حوالي 970 مليون دولار، وهي مياه تحتاج إلى الخلط من أجل معالجتها لاحتوائها على مواد إشعاعية؛ وذلك من أجل ان تطابق المواصفات الأردنية المطلوبة لغايات الشرب المنزلي.
· وفيما يخصّ الهطولات المطرية، وخاصة في العقود الأخيرة، تراجع الهطول المطري بنسبة 20%، ولأن السدود الأردنية وتغذية المياه الجوفية تعتمد بالكامل على مياه الأمطار، فإن واحدًا من أبرز معالم الفقر المائي في الأردن يتّضح. إذ وصلت في العام 2021 إلى حدّ جفاف عدد من السدود ووصول كمّيات المياه في عدد آخر منها إلى ما يقلّ عن 5% من سعتها التخزينية. وبحسب وزارة المياه والري الأردنية، فإن مخزون السدود من المياه قلّ في العام 2021 عن العام الذي سبقه بنحو 80 مليون متر مكعب في السدود المستخدمة لغايات الشرب. وشهد خريف 2021 عنوانا لأزمة المياه في البلاد، حين تمّ الإعلان عن جفاف 6 سدود مائية كبرى من أصل 17 سداً كبيراً وصغيراً ومتوسطاً. وربما يجدر التوقف هنا عند مسألة التوسع في بناء السدود، إذ قال وزير المياه والري الأردني محمد النجار إن التوسع في بناء السدود حلّ غير مُجدٍ، لا سيما وأن عدد السدود المبنية كافٍ حسب معدل هطول الأمطار.
· وفي أرقام ذات دلالات عميقة، وبما أوضحه وزير المياه والريّ أيضًا، يمتلك الأردن من الكميات اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي لإنتاج الغذاء ما نسبته 10% فقط؛ وذلك بكميات مياه تصل إلى 1.1مليار متر مكعب فقط، بينما هو يحتاج في الواقع إلى 11 مليار متر مكعّب سنويا من المياه لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء. وهنا، يتّضح بُعد الأمن الغذائي في علاقته بالأمن المائي، الذي يمثّل جزءا أساسيا منه. وتُعدّ المصادر الإضافية لسدّ عجز المياه في الأردن مُعينا هاما في مواجهة الحاجة الماسة للمياه، وخاصة في ظل شحّ مياه الأمطار.
أسباب أزمة المياه في الأردن
واستنادا إلى ما سبق، تعود أسباب أزمة المياه في الأردن لعوامل عديدة، يمكن إيجازها بالآتي:
· بحسب العديد من الخبراء والمختصين في مجال المياه في الأردن، فإنّ من أسباب هذه الأزمة زيادة الاعتماد على المياه الجوفية بشكل لافت، وتراجع تساقط الأمطار والتي تدنّت بسببها كمية المياه السطحية، إضافة إلى سوء الاستخدام لمصادر المياه المختلفة، والاعتداءات المتكررة على خطوطها والتي باتت مُشكلة مؤرقة للشارع الأردني وتُستنزَف بسببها كميات كبيرة من المياه.
· كما أن سيطرة إسرائيل على مصادر مياه تُعدّ حيوية للأردن، مثل مجاري مياه نهري الأردن واليرموك والتحكم بهما من أسباب هذه الأزمة، حيث أن الأردن يحصل على كميات قليلة نسبيًا، وهي أقلّ بكثير مما يحق له تاريخيًّا.
· محدودية الموارد المائية والتغيّر المناخي الذي صار يؤثّر على كمية الأمطار.
· الضغط السكاني على الموارد المائية.
· الضخّ الجائر من الآبار الجوفية.
· زيادة الطلب على مصادر المياه لتلبية حاجات البلد المتزايدة في القطاعات المختلفة كالزراعة والصناعة وغيرها.
آفاق وحلول مستقبلية
يبين تقرير دولي متخصص في الشأن المائي الأردني بحسب وزارة المياه والري الأردنية، والصادر عن ”New Security Beat" التابع لمعهد "Wilson Centre" في واشنطن، بعنوان (تجنب الأزمات في مستقبل المياه بالأردن)، والخاص بتقييم الأمن المائي المستقبلي للأردن، أن كلًا من مشروع "مياه الأردن والغذاء والطاقة"، ومشروع "المياه للبيئات الحضرية المستدامة"، يمثلان جهدًا كبيرًا وأحد الدراسات الهامًة للأردن وشركائه الدوليين لدراسة وتقييم ازمة المياه في الأردن في السنوات المقبلة.
وحسب هذا التقرير، فإنّ الأردن يواجه بحلول العام 2100، انخفاضًا في مستويات المياه الجوفية بنحو 60% في المحافظات الشمالية المكتظة بالسكان، وينخفض أيضًا متوسط تدفق المياه السطحية بنسبة 25% بحلول نهاية القرن، مقارنة بالفترة 2016-2020 وهذا في ظلّ سيناريوهات متفائلة نوعا ما. وكشف التقرير أيضًا وفي نطاق الأمن المائي المنزلي في الأردن عن مخاطر تُشكّل تراجعًا واسعًا وملموسًا به، ما يجعله تحدّيا آخر للأمن المائي الأردني، حتى في ظروف مستقبلية مواتية نسبيا.
وفي الواقع، فإن معالجة التحدي المالي والنفقات المطلوبة لتنفيذ المشروعات المائية يمثّل في حدّ ذاته مشكلة كبيرة، بالنظر إلى الظروف الاقتصادية الأردنية الصعبة، ومحدودية الموارد. وتتّضح المشكلة هنا من واقع أن المشروعات المائية تتطلب تكاليف عالية جدا.
حلول ومشروعات مستقبلية تنتظر التنفيذ
ينعقد إجماع المختصين والمعنيين بقضايا المياه على أهمية إيجاد حلول لقضايا الأمن المائي الأردني ووضع تصورات وخطط تُسهم في بناء استراتيجية لمواجهة النقص الحاد في مصادر المياه، إلاّ أن تبنّي حلٍّ أو آخر، وأولويات الحلول، تبقى مسائل لا يزال البحث فيها قائما، وتتعدد حولها الاجتهادات وآراء المختصين في هذا الشأن، ولكن هناك اتفاقا شبه عام على محاور، من أهمّها:
· مواجهة تحدّي شحّ المياه بتطوير المصادر غير التقليدية، مثل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة والصناعة.
· إعادة النظر بواقع حصة الأردن المائية من سوريا، وهي حصة ينبغي أن تتضاعف بسبب وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين على أرض الأردن، واحتراما لاتفاقات سابقة بهذا الشأن، حيث أن الأردن يطالب بحقوقه المائية منذ العام 1987.
· يُعتبر استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة والتركيز عليها من الحلول العملية في مواجهة مشكلة المياه في القطاع الزراعي الأردني، لا سيما أنها تستهلك 50 في المائة من موارد الأردن المائية، وبالتالي لا بدّ من التوجّه إلى تقنيات لا تحتاج فيها المزروعات إلى مياه كثيرة.
· كما أن الإدارة الصحيحة لموارد المياه من الحلول الناجعة لمعالجة هذه الأزمة في الأردن، حيث أن الاستهلاك الحقيقي للمواطن الأردني لا يصل إلى 50 لتراً، إلا أن الكميات الأخرى من المياه محسوبة على الاستهلاك لكنّها تذهب مع الفاقد، كما تقول وزارة المياه والري الأردنية والعديد من الخبراء.
· وضع حلول لمشكلة الفاقد الإداري والفاقد الفني.
· الحد بشكل كبير من سرقة المياه والخسائر المادية.
· رفع تعرفة المياه المنقولة بالأنابيب على الاستخدامات غير الأساسية.
· استخدام الطرق الحديثة كالاستمطار والتقنيات الحديثة في الري والإنتاج الزراعي.
· توسيع عمليات تجميع المياه في مواسم الهطول في سدود وأحواض مائية، أي "الحصاد المائي"، وتعزيزه بحفر برك حصاد مائية، وهي من أنجح عمليات تخزين المياه عبر الزمن، وفي الصحراء الأردنية آلاف مواقع الحصاد المائي الأثرية.
· الاستناد إلى حلّ جذري يعتمد على تحلية المياه.
· إعادة تخصيص المياه من القطاع الزراعي إلى القطاع الحضري، ومعادلة توزيع إمدادات المياه بالأنابيب بين المستخدمين الحضريين.
ولعلّ من الأهمية بمكان، الإشارة إلى الحاجة إلى تنفيذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الخاصة بالعرض والطلب المنسقة للتخفيف من موضوع تدهور الأمن المائي، وهذا النوع من الإجراءات يترافق في أحيان عديدة مع مصاعب سياسية وأمنية.
وفي الواقع، تشير بعض التقديرات التي ذكرتها مديرة بعثة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في الأردن، شيري كارلين، إلى أن الحلول الممكنة مُستقبلًا لسد الفجوة في موضوع الطلب المتزايد على المياه في الأردن سيتطلب ما يصل إلى أكثر من 8 مليارات دولار. كما أن الحكومة الأردنية تنفق ما مقداره ثلاثة دنانير لاستخراج المياه من مصادرها المختلفة ومعالجتها وضخها وتوصيلها لكل منزل أردني، مقابل كل دينار أردني يتم دفعه في فاتورة المياه، وهذا في الواقع يُشكّل عجزًا يهدد قدرة قطاع المياه في الأردن على تحمل أعباء وتكاليف الإصلاحات والتحديثات المهمة فيه، كما يُهدّد استثمارات البنية التحتية الجديدة على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة لهذ القطاع، الذي يعاني أصلًا من عجز مالي شديد، يُقدّر بحوالي 500 مليون دولار في السنة.
حلول قيد التنفيذ
إن أهمية مسألة المياه وتحدياتها ومشكلاتها في الأردن فرضت على مؤسسات الدولة العمل من أجل إيجاد حلول وخطط مدروسة راهنة وبعيدة المدى. وبينما يجري العمل في بعض المحاور، يمكن رصد عدد من الإجراءات العملية التنفيذية، والحلول التي يجري العمل عليها، والمشروعات المنوي تنفيذها في طابع يحمل بعد استراتيجي طويل الأمد يمكن أن نذكره بما يلي:
· على صعيد موازنة الدولة والحاجة لتوفير الاحتياجات المالية والكلف لتنفيذ المشروعات المائية أشارت مصاد وزارة المياه والري أن مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2022، قد خُصّص فيه لموازنة وزارة المياه والري/سلطة وادي الأردن، حوالي 2 مليون دينار لإنشاء الخط الناقل من بحيرة طبريا إلى قناة الملك عبد الله.
· وفيما يخصّ الفاقد من المياه في الأردن، فقد بلغت نسبته 48%، ونصف هذا الفاقد من الشبكات، وهناك منح موجّهة لتحديث الشبكات وتغييرها، ولا تزال الحاجة ملحّة لحلول جذرية حازمة لمشكلات سرقة المياه. ويُذكر أن وزارة المياه والري تنفق على مشروع خفض الفاقد المائي نحو 400 مليون دولار ، وهو المشروع المهم من الناحية الاستراتيجية، خلال سنوات 2020-2022 لمعالجة خفض الفاقد، وهو ما سينعكس إيجابا على كميات المياه التي يتم التزويد بها.
· وفي سياق اخر، تبرز مجدّدًا قضية حصة الأردن من مياه نهر اليرموك. وفي إطار تفعيل اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك بين الأردن وسوريا والموقعة عام 1987، دعا الأردن سوريا إلى أهمية إعادة تفعيل هذه الاتفاقية ووقف التجاوز من الجانب السوري والمتمثل بزيادة عدد السدود والحفائر، وفي لقاءات حكومية مؤخرًا عقدت في عمّان، اتفق الجانبان خلال الاجتماعات الوزارية على إعادة تفعيل لجنة المياه المشتركة بين الطرفين، لمتابعة تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين البلدين عام 1987.
· وعلى مستوى عمليّ مباشر، قامت وزارة المياه والري الأردنية ومنذ أشهر بمشاريع استخراج المياه الجوفية من الطبقات العميقة بحفر آبار في المناطق البازلتية، في كل من حسبان، والقطرانة، والحسا والشيدية، وكما باشرت الوزارة أيضًا بحفر حوالي 21 بئرا على أعماق كبيرة تتجاوز 1000 – 1200 مترا. وفي هذا السياق، فإن الآبار الجوفية العميقة لا توفر بديلا استراتيجيا ومستداما يمكن الاعتماد عليه من حيث الكم والنوع والاستمرارية كما أعلنت ذلك وزارة المياه، بسبب قلة الكميات المستخرجة، وازدياد نسب الملوحة والحرارة ومصادر الإشعاع العالية فيها، هذا إلى جانب الحاجة لكلف مالية مرتفعة جدا لمعالجتها، ما يحمل الخزينة أعباء مالية وكلف إضافية أخرى.
· ولأن مسائل المياه مرتبطة بشكل مباشر مع مسائل الطاقة، يؤكد الخبراء والمختصّون في المياه والطاقة ضرورة وضع حلول للحصول على الطاقة بكلف ملائمة، واستثمار قدرة المملكة على توليد الطاقة من مصادر غير تقليدية، بالطاقة الشمسية والرياح، خاصة وأن الأردن يفتقر لمصادر المياه والطاقة على حد سواء، مما يزيد من أعباء توفير مصادر مائية لكافة الاستخدامات. ولعل من المهم في هذا السياق، ما أوضحه أمين عام سلطة المياه بشار البطاينة خلال مشاركته في إحدى الورشات التي نظمتها وكالة GIZ الألمانية، وتتناول الترابط الوثيق بين المياه والطاقة وبمشاركة خبراء عالميين، حيث قال "أن استراتيجية قطاع المياه تتركز على تقليل حجم الإنفاق والاستهلاك، حيث بلغ استهلاك سلطة المياه وشركات المياه من الطاقة عام 2019 (1655 جيجا واط/ساعة) في حين بلغ استهلاك سلطة وادي الأردن (50 جيجا واط/ساعة) للعام نفسه". وفي موضوع الطاقة الكهربائية المستهلكة في قطاع المياه فإن حجم الاستهلاك الكلي للطاقة في المملكة يُشكّل حوالي 15%، في الوقت الذي تستحوذ فيه كُلف الطاقة على حوالي 43% من الكلف التشغيلية لقطاع المياه.
مشروع (الناقل الوطني)
يُعدّ مشروع "ناقل البحرين"، من البحر الأحمر إلى البحر الميت، من المشروعات التي لم تر النور، وهو مشروع ارتبط بعملية السلام مع إسرائيل، وتمّ فيه توقيع اتفاقية دولية بين الأطراف لبدء المرحلة الأولى في عام 2015، وقد وصف خبراء في الأردن ومختصين في مجال المياه هذا المشروع بمثابة الخيار المائي الاستراتيجي للأردن وبالرغم من الكلف المالية والتقنية العالية التي يتطلّبها هذا المشروع. وجاء إعلان الأردن تخليه رسميا عن تنفيذ هذا المشروع بسبب التعنت الإسرائيلي في بدء التنفيذ لأكثر من عقد من الزمن؛ لوجود الكثير من البدائل في مصادر المياه لديه، بخلاف الحالة الأردنية.
وجاء بديلًا لذلك، المشروع الراهن، وهو مشروع "الناقل الوطني" (مشروع العقبة-عمّان لتحلية ونقل المياه). ويتألّف مشروع "الناقل الوطني" من نظام نقل مياه البحر المحلاة، وبناء منشأة ضخمة لتحلية مياه البحر في العقبة ونظام نقل المياه العذبة إلى باقي المناطق، وتبلغ كلفة هذا المشروع 2.5 مليار دولار أميركي، تمّ تأمين نصف مليار منها حتى الآن. وكما رأى أمين عام سلطة المياه، فإن جهود إدارة قطاع المياه منصبّة على الإسراع في تنفيذ هذا المشروع (الناقل الوطني)، ونقل المياه إلى جميع محافظات المملكة بطاقة 300 مليون م3 من المياه المحلاة سنويا، للتحول الى نظام التزويد المستمر بعد تشغيل المشروع، المتوقع خلال عام 2027. وحسب الناطق باسم وزارة المياه والري، فإن مشروع الناقل الوطني سيوفر 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من البحر الأحمر ما يغطّي احتياجات الأردن لمياه الشرب حتى عام 2040.
إعلان نوايا "الماء مقابل الطاقة"
يأتي "إعلان النوايا" لمقايضة "الطاقة بالمياه" بين الأردن وإسرائيل، لإعلان نوايا للتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه، على أن تبدأ دراسات جدوى هذا المشروع في العام 2022. وستنص الاتفاقية التي ستأتي فيما بعد، على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل، التي ستعمل على تحلية المياه لصالح الأردن. ورأى بعض المراقبين في إعلان النوايا هذا جوانب سياسية قبل الجوانب الاقتصادية.
وحسب هذا المشروع، أُعلنت موافقة الحكومة في حينه للدخول في مفاوضات مع الأطراف المهتمة، شريطة أن يتم ربط هذا الأمر بتزويد الأردن بـ ِ 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة، لتخفيف ضخ المياه من الأحواض المستَنزَفة، بحيث يتم إعادة استخراج المياه منها بعد عام 2040. ومن مزايا هذا المشروع أيضًا أنّه يوفر كميات إضافية من المياه لغايات الري". ومع رفض أغلب النواب لهذه الاتفاقية، كانت أكثر المطالب تتجه نحو أولوية البحث عن بدائل أخرى مثل تحلية مياه العقبة، ومشروع الناقل الوطني"، وفي جوانب أخرى التوجه نحو خيارات عربية، كسوريا عبر سد الوحدة مثلا، وإيجاد صيغة للتفاهم مع الجانب السوري لوقف الاعتداءات على المياه. وفي المقابل، برزت دعوة عدد من النواب إلى التفكير بمصلحة الدولة الأردنية وحاجة الناس للماء.
وفي هذا السياق، وفي خضم البحث عن حلول بديلة لازمة المياه في الأردن جاءت تصريحات وزير المياه الأسبق منذر حدادين التي تحدث فيها عن وجود مياه في المملكة تكفي الأردن لـ ِ500 عام، لتحدث جدلا في الشارع الأردني عن ماهية ما يثبت صحة هذه التصريحات. وكان حدادين قد قال إن لديه دراسات كافية تثبت أن الأردن يمتلك مخزونا استراتيجيا من الصخر الرملي المشبع في باطن الأرض، مؤكدا أن هناك حلول للاستفادة من المياه المائلة الى الملوحة والتي لا تشهد اهتماما حكوميا. ولعلّ من المهم في رأي أصحاب الخبرة والمختصين في القطاع الحكومي في هذا التأكيد على تلازم موضوع المياه والطاقة، لما يترتب على مشروعات المياه بشكل عام وتحليتها الى الحاجة لتوفير مصادر طاقة وكلف عالية لتلبيتها.
إن هذا التركيز لمحاور غاية في العمق والاتساع، وفي قضية أمن وطني بالغة الحساسية، لا يلغي حقيقة أن كل عنوان عمل في الموضوعات التي تمّ تناولها، يستتبع الكثير من المعطيات والبيانات والمعلومات وخطط التنفيذ، التي تستند إلى رؤية وطنية واستراتيجية شاملة، وهي قضايا أصبح على مؤسسات الدولة الأردنية أن تتحمّل مسؤوليات إنجاز العمل في محاورها المختلفة، فالأمن المائي هو أمن الحياة، وما من مسألة أمن وطني تسمو عليها.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: