ما زال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي ستنتهي ولايته قريباً، عند موقفه غير المعترِف بنتائج الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في 3 نوفمبر 2020، ذلك على الرغم من صدور نتائج المجمع الانتخابي بشكل نهائي لصالح منافسه الديمقراطي، جو بايدن، الذي حصد 306 أصوات مقابل 232 لترامب، إلى جانب رفض المؤسسات القضائية الأمريكية وعلى رأسها المحكمة العليا الدعاوى المقدَّمة من قبل فريق ترامب بهدف الطعن في نتائج الانتخابات.
إن 6 يناير 2021 هو تاريخ مصادقة الكونغرس على نتائج الانتخابات من خلال جلسة مشتركة لغرفتي النواب والشيوخ، وعلى الرغم من أن هذه الخطوة ما هي إلا إجراء رمزي وتشريفي في التاريخ السياسي الأمريكي، إلا أن ترامب ومناصريه يرون فيه ميداناً آخر للاعتراض على النتائج على خلفية ما يدّعون بأنه تزوير أصاب سير العملية الانتخابية بالأخص في الولايات المتأرجحة.
وبالفعل يقود نائب الرئيس، مايك بنس، 11 سيناتوراً جمهورياً في مجلس الشيوخ ينوون الاعتراض على نتائج الانتخابات، إلى جانب توجه 140 نائباً جمهورياً للقيام بالشيء نفسه بحسب مصادر تحدثت لقناة CNN، ويشير هذا الحراك في المؤسسة التشريعية الأمريكية إلى انشقاق في رؤى الحزب الجمهوري تجاه قضية الانتخابات ومؤسسة الرئاسة بشكل عام، وهذا ما يدلل عليه موقف زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الذي هنأ بايدن ونائبته، كامالا هاريس، بالفوز ليدعو بعد ذلك زملاءَه في مجلس الشيوخ إلى إقرار النتائج وعدم الاعتراض عليها.
من شبه المستحيل أن يتم تغيير نتيجة الانتخابات في 6 يناير، بحكم عدم وجود العدد الكافي من الأصوات المعارضة للنتيجة، وهذا لا يعني أن مصادقة الكونغرس قد تتأخر قليلاً بسبب مناقشة الاعتراضات، التي ستتضمنها جلسة مميزة تبعت جولة انتخابية استثنائية.
وبالتوازي مع ذلك، تتجه الأنظار إلى إمكانية إقدام ترامب ومؤيديه على المستوى الرسمي (التنفيذي والتشريعي) على خطوة من شأنها أن ترفع حجم التعقيد المسيطر على عملية انتقال السلطة، لنكون هنا أمام سيناريوهين اثنين:
1. فرض الأحكام العرفية، أو ما يُعرف بحالة الطوارئ: حيث تداولت وسائل الإعلام الأمريكية خلال شهر ديسمبر 2020 معلومات وأخبار تتحدث عن لقاءات واجتماعات تجري في أروقة البيت الأبيض، تناقش إمكانية قيام ترامب بفرض الأحكام العرفية على الأقل في الولايات المتأرجحة التي منحت الفوز لبايدن، بحيث يتم تسليم السلطتين التشريعية والتنفيذية هناك لإدارة القوات المسلحة التي يقودها الرئيس - أي ترامب - وذلك بالاستناد إلى قانون الانتفاضة لعام 1807 الذي يُجيز للرئيس نشرَ القوات المسلحة في عدد من الحالات التي منها التمرد وأعمال الشغب، ويبدو أن ترامب ومن معه ينظرون إلى الفوز - المزور بحسب ترامب - الذي ناله بايدن على أنه عمل تخريبي وتمرد على النظام.
لكن تجدر الإشارة إلى أن ترامب صرح بأن الأخبار المتداولة حول مزاعم فرض الأحكام العرفية، ما هي إلا أخبار مزيفة ليس لها علاقة بالواقع، كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار في هذا السياق تصريحَ رئيس هيئة الأركان، مارك ميلي، للكونغرس في أغسطس 2020، بأن الجيش لن يتدخل في العملية الانتخابية والسياسية بشكل عام، وكان ذلك رداً على إمكانية تدخل المؤسسة العسكرية بإخراج ترامب من البيت الأبيض، في حال رفض الأخير ذلك بعد خسارته في الانتخابات.
لكن ماذا لو اندلعت سلسلة من التفجيرات على شاكلة تفجير ولاية ناشفيل في ولاية تنيسي يومَ عيد الميلاد؟ هل سيبقى الجيش يدافع عن "حياديته السياسية"؟ علماً بأن التفجير المذكور لا يمكن تناوله بشكل منفصل تماماً عن حالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي في البلاد.
2. حرب مع إيران: حيث إن مستويات التصعيد والتوتر في الشرق الأوسط عند درجاتها القصوى، في إطار تحذير الإدارة الأمريكية من استهداف إيران للجنود أو المواطنين أو المصالح الأمريكية في المنطقة، ليقابل ذلك استنفار إيراني وتأهب عسكري تحسباً لأي ضربة قد تكون مفاجئة.
إن ترامب ليس حراً بالمطلق في اتخاذ قرار الحرب من عدمه، فالموضوع يخضع لمشاورات بين تيارات المؤسسة العسكرية الأمريكية ممثلة بالبنتاغون، كما أن خيار شن الحرب لا يضمن بقاءه في السلطة لأنه لا ينفي نتائج الانتخابات الرئاسية بالأساس، إلا أنه من الممكن أن يُبقي دخول بايدن إلى البيت الأبيض معلقاً إلى إشعار غير محدد.
إن الحرب مع إيران سيكون من شأنها تشويه المشهد السياسي الأمريكي دراماتيكياً، فنتائج الانتخابات محسومة، إلا أن السلطة لم تنتقل، لكن يبقى هناك تصور يقول بأن ترامب من الممكن أن يُدخل البلاد في حرب مع طهران من أجل زيادة تعقيد مهمة سلفه بايدن، وبالتالي تزداد حظوظه هو أو من يدعمه بالفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بالإضافة إلى إدخال منطقة الشرق الأوسط في حالة من "الجمود العسكري والأمني" إلى حين عودة الصقور إلى البيت الأبيض.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: