مقدمة
يطرح الهجوم الإرهابي على أحد المساجد في منطقة الوادي الكبير بمدينة مسقط في سلطنة عمان صباح السادس عشر من يوليو، العديد من التساؤلات حول دوافع الهجوم، وتوقيته، ومكانه، ودلالاته، وتداعياته، وهو الهجوم الذي تبناه تنظيم "داعش" الإرهابي في وقت متأخر من نفس اليوم عبر قناته على تطبيق "تيليغرام"، وأسفر عن وقوع تسعة قتلى، هم أربعة مواطنين باكستانيين، ومواطن هندي، وضابط شرطة عماني، وثلاثة من الإرهابيين منفذي الهجوم، بالإضافة الى إصابة أكثر من ثمانية وعشرين آخرين.
خلص تقدير موقف نشره معهد "ستراتيجيكس" في اليوم الأخير من عام 2023 بعنوان: "كيف ترى جماعات الإسلام السياسي الحرب في غزة؟" إلى توقع أن يتطور خطاب جماعات الإسلام السياسي على المدى البعيد إلى اتجاهات أكثر تطرفاً وتشدداً، وهو تطرف سينعكس على اتجاهات المجتمعات العربية والإسلامية، بغض النظر عن نتائج الحرب في غزة، لأنّ عوامل تطور تلك الاتجاهات مرتبطة بشكل مباشر بهجمات السابع من أكتوبر في حد ذاتها، ثُم في الحرب الإسرائيلية التي أدت إلى معاناة إنسانية غير مسبوقة لأهالي القطاع، وسط تواطئ من المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
كما خلص التقدير إلى أنّ خطورة التطرف الناتج عن الحرب تكمن في إمكانيات تحوّله أو توظيفه على شكل ممارسات إرهابية عنيفة ودموية موجهة نحو الداخل والخارج، فمن جهة الداخل قد تستهدف المجتمعات والحكومات، أو قد تنمي من الاضطرابات المسلحة في الدول التي تعاني من عدم الاستقرار والهشاشة الأمنية، أما من جهة الخارج فقد يتم استهداف المصالح الغربية والإسرائيلية، خاصة في المحيطين العربي والإسلامي، والتوظيف في هذه الحالة متعدد الطبقات، سواءً من محاور إقليمية كإيران، أو من محاور دولية ترغب بتغذية الحروب بالوكالة، وهي مرحلة قد تنذر بنتائج مقلقة بحكم استنادها على مخزون كبير من التطرف.
في هذا السياق جاء الهجوم الإرهابي في مسقط، وهو هجوم يحمل الكثير من الدلالات المتعلقة باختيار المكان ورمزيته، وشخصية المنفذين، ودوافعهم، بالإضافة الى تداعياته المستقبلية على أكثر من صعيد.
رمزية المكان
تنفيذ الهجوم في العاصمة العمانية مسقط يستدعي الوقوف عند الخصوصية التي تميّز السلطنة، بوصفها حالة عربية/ إسلامية فريدة، بحكم جغرافيتها الطبيعية والسياسية والاجتماعية، حيث:
أولاً: تقع السلطنة الساحلية البالغة مساحتها 309.500 كم² في قلب العقدة الواصلة بين خليج عمان والخليج العربي ومضيق هرمز من ناحية، واليمن وبحر العرب من ناحية ثانية، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من ناحية ثالثة، بتعداد سكاني يزيد عن خمسة ملايين نسمة، أقل من نصفهم من الوافدين، وهو عدد سكان قليل نسبياً في مساحة مترامية الأطراف ومتعددة التضاريس.
ثانياً: تبتعد سلطنة عمان عن التوترات الطائفية والمذهبية، ويعتبر المجتمع العماني الوحيد الذي ينتشر فيه المذهب الإباضي المتميز عن المذهبين السني والشيعي، وهو مذهب الأسرة السلطانية الحاكمة، في ظل مجتمع يتسم بالاستقرار المذهبي والإثني والبعد عن التوترات الطائفية (تبلغ نسبة الإباضيين ما بين 40% إلى 45%، فيما لا تزيد نسبة الشيعة عن 2%، والباقي من السنة حسب موسوعة أكسفورد للعالم الإسلامي الحديث).
ثالثاً: لعبت سلطنة عمان، وتلعب أدوراً سياسية ودبلوماسية واقتصادية إقليمية ودولية فاعلة على قاعدتي "الحياد" و "الكتمان"، كما هو الحال في ملف الأزمة السورية، والأزمة اليمنية، والملف النووي الإيراني، وغيرها، ولها حضور في جهود الوساطة في ملفات الحدود مع اليمن، والسعودية، والامارات، بالإضافة الى وجود بعض قادة حركة "أنصار الله" الحوثيين في مسقط، في نفس الوقت الذي تحافظ فيه على علاقات مستقرة مع دول الاعتدال العربي بوصفها أقرب إلى سياسات تلك الدول إلى حد كبير.
توقيت الهجوم وسياقاته
جاء الهجوم الإرهابي في سياق ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تصعيد دخل مرحلة جديدة بعد السابع من أكتوبر 2023 والحرب المستمرة في قطاع غزة، وكان من أبرز معالم هذا التصعيد:
أولاً: دور المحور الإيراني المركزي في الحرب، سواءً من خلال المواجهة المباشرة ما بين إسرائيل وإيران من ناحية، أو ما بين إسرائيل والجماعات المسلحة المرتبطة بإيران من ناحية ثانية، خاصة في لبنان واليمن والعراق، وهو الدور الذي رفع نسبياً من أسهم المحور الإيراني في سياق مواجهة إسرائيل.
ثانياً: الدور الذي تقوم به جماعة "أنصار الله" الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن في سياق هذا التصعيد، سواء على جبهة البحر الأحمر، أو جبهة إطلاق الصواريخ والمسيرات نحو إسرائيل، والتي كان آخرها تفجير مسيرة وسط مدينة تل أبيب الإسرائيلية في 19 يوليو 2024، والذي أسفر عن مقتل إسرائيلي واحد واصابة ثمانية آخرين.
ثالثاً: استمرار الحرب في غزة، وتعثّر مباحثات وقف إطلاق النار، وتصاعد احتمالات انفجار الأوضاع على الجبهة الشمالية ما بين إسرائيل ولبنان.
رابعاً: الدور الذي تلعبه دول الرباعية العربية (الأردن، مصر، السعودية، الامارات) في الشرق الأوسط، وهو الدور الذي يسعى لنزع فتيل الحرب الإقليمية ووضع حد للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي من جانب، والتصدي للمشروع التوسعي الإيراني وتدخلاته في الشؤون العربية من جانب ثان.
شخصية المنفذين ودوافعهم
كشفت نتائج التحقيقات التي نشرتها أجهزة الأمن العمانية في 18 يوليو أنّ "الجناة الثلاثة المتورطين في الحادث عُمانيون وهم إخوة"، وأنهم "قد لقوا حتفهم نتيجة إصرارهم على مقاومة رجال الأمن، وقد دلّت التحريات والتحقيقات بأنهم من المتأثرين بأفكار ضالة" كما جاء في بيان شرطة عمان السلطانية، كما أشارت صحيفة "الشرق الأوسط" أنّ "الأشقاء الثلاثة يعملون في وظائف مرموقة، من بينهم واحد يحمل شهادة الدكتوراه ويعمل موظفاً في إحدى الوزارات المهمة في البلاد، كما يعمل الثاني في البنك المركزي، ويعمل الثالث في البلدية".
إشارة بيان شرطة عمان حول تأثر الجناة الثلاثة بأفكار ضالة يتقاطع مع ما نشره تنظيم "داعش" في بيانه على منصة "تيليغرام" حول أنّ "(ثلاثة انغماسيين) من التنظيم هاجموا ليلة الاثنين، تجمعاً للشيعة أثناء ممارسة طقوسهم السنوية عند معبد لهم بمنطقة الوادي الكبير بالعاصمة"، كما يتقاطع من التسجيل المصور الذي بثه التنظيم، والذي يظهر فيه الجناة الثلاثة وهم يقفون خلف راية التنظيم، ويعلنون البيعة لزعيم التنظيم أبو حفص الهاشمي، كما يظهر واحد من الجناة مبرراً الهجوم بخطاب تحريضي وطائفي، ومهاجماً الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بسبب شنها "أكبر حرب عقدية عسكرية وإعلامية واقتصادية ضد المسلمين عامة، وضد التنظيم خاصة".
استنتاجات
بالاستناد على ما سبق، وامتداداً لتقدير موقف سابق نشره معهد "ستراتيجيكس" في الثالث من أبريل 2024 بعنوان: " كيف يمكن قراءة هجمات كروكوس؟"، والذي أشار إلى أنّ تنظيم "داعش" يحاول العودة للظهور على نطاق عالمي، وإحياء "الجهاد المعولم" الذي شكل أساس "السلفية العالمية"، خاصة في ظل ضعف تنظيم القاعدة، وباقي فروع تنظيم داعش، وقصورهم عن تنفيذ هجمات كبرى على مستوى العالم، فإنه يمكن قراءة هجوم مسقط الإرهابي، واستقراء تداعياته في الخلاصات التالية:
أولاً: أنّ المؤشرات المتاحة حتى اللحظة تشير إلى أنّ تنظيم "داعش" نجح في توظيف حالة ما بعد السابع من أكتوبر والحرب في غزة بشكل مزدوج، من حيث استثمار حالة الغضب من جانب، وتعزيز سرديته من جانب ثان.
ثانياً: أنّ استهداف سلطنة عمان هو نوع من استهداف "الأطراف الرخوة" أو "الحلقات الضعيفة" من الناحية الجغرافية والأمنية والمجتمعية، وهو ما يعني تزايد احتمالات تنفيذ عمليات إرهابية مستقبلاً في السلطنة، وفي دول أخرى لم تكن في قلب دائرة الاستهداف من قبل.
ثالثاً: إن إشارة التنظيم إلى مصطلح "الانغماسين" في بيانه سابق الذكر، يوحي بأن المنفذين من أعضاء التنظيم، وليسوا فحسب من المتأثرين بأفكاره، إذ غالباً ما يستخدم التنظيم وصف الانغماسين للعناصر الذين تلقوا تدريباً عسكرياً ويمتلكون أسلحة وذخائر تمكنهم من الاشتباك والانسحاب عند المقدرة، وذلك مشابه إلى حد كبير للأسلوب الذي اتبعه التنظيم في هجماته التي استهدفت قاعة كروكوس للحفلات في روسيا وشارك فيها أربعة منفذين. ويشير ذلك إلى احتمالين؛ الأول، أن يكون هناك خلايا نشطة للتنظيم داخل عمان. والثاني، أن المنتمين للتنظيم يسافرون إلى وجهات أخرى لتلقي التدريب.
رابعاً: إن استخدام التنظيم ثلاثة مسلحين لمهاجمة تجمع في مسجد يُشير إلى تخطيطه لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، ولكن حال دون ذلك الاستجابة الأمنية السريعة، وذلك النمط من الهجمات أصبح متكرراً لدى التنظيم، ففي موسكو استهدف قاعة للحفلات الموسيقية، ما أدى إلى وقوع أكثر من 140 قتيلاً ومئات الجرحى، واستهدفت هجماته في إيران مطلع يناير 2024، مراسم إحياء ذكرى قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، ما أسفر عن مقتل نحو 100 شخص.
خامساً: أنّ نجاح تنظيم "داعش" في تجنيد ثلاثة أشقاء من عائلة مرموقة ومن أصحاب الدرجات العلمية والموظفين الحكوميين في الدولة، ومن وسط مجتمع متسامح مذهبياً ومستقر سياسياً يشير إلى استمرار خطورة خطاب التنظيم، وقدرة ذلك الخطاب على الفعل المتجاوز للأوامر التنظيمية المركزية والإجراءات الأمنية التقليدية المضادة.
وأخيراً؛ يرى الباحث حازم الضمور مدير عام معهد ستراتيجيكس، أن التفكير في هجوم الوادي الكبير له دلالات أبعد من جغرافيا السلطنة نفسها، حيث أن أحد السيناريوهات المطروحة، هو أن يكون هجوم مسقط جزءاً من "حرب استخباراتية" تقف وراءها دول لها ارتباط وثيق بالتوترات والصراعات القائمة في الشرق الأوسط، وتم تنفيذ العملية في سياق تصفية الحسابات أو إرسال الرسائل إلى الأطراف ذات العلاقة؛ وربما جاء اختيار سلطنة عمان، في محاولة لدفع السلطنة للخروج من حالة الحياد وعدم الانحياز المتبعة في السياسة الخارجية العمانية، وما يعزز هذا السيناريو أن هجمات تنظيم "داعش" الإرهابي السابقة في روسيا وإيران رُبطت رسمياً من قبل الدولتين وتم اتهام أجهزة استخباراتية بعينها قادرة على تشغيل التنظيم بوصفه علامة مسجلة لتنفيذ الهجمات الإرهابية وتبنيها.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: