توقف معبر رفح الحدودي عن العمل أمام حركة المسافرين ودخول المساعدات بعد إعلان الجيش الإسرائيلي سيطرته على الجانب الفلسطيني منه في 7 مايو 2024، بالتزامن مع بدء العملية العسكرية في مدينة رفح. ولا يزال المعبر مغلقاَ جراء ما تعرض له من تدمير، وفشل التوصل إلى آلية تتوافق عليها جميع الأطراف لاستئناف تشغيله لاختلافهم حول من يستلم إدارته بعد حركة حماس. وعليه تطرح هذه الورقة سيناريوهات مستقبل إدارة معبر رفح بالإشارة إلى إنها مسألة قد تكون ضمن ترتيبات اليوم التالي للحرب أو مطروحة للتنفيذ قبل ذلك لتشكّل تمهيدًا لشكل إدارة القطاع حينها؛ لذلك تبقى السيناريوهات رهن المعطيات الميدانية والسياسية ونتائجها، ومدى توافق القوى الإقليمية والدولية على ما يطرح من مقترحات إسرائيلية وثوابت في المواقف الفلسطينية والمصرية.
الأعمال الإسرائيلية في مدينة رفح
يكتسب معبر رفح أهميته من كونه المنفذ الوحيد لقطاع غزة أمام حركة المواطنين في التنقل والسفر ولدخول البضائع والمساعدات الإغاثية، وقد مر المعبر بمراحل عدة منذ العام 1967، حينما أعادت إسرائيل احتلاله بعد الحرب، وعزلته عن الجانب المصري، لكن بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، أعادت تل أبيب سيطرة المعبر إلى الجانب المصري، حتى قرار فك الارتباط عام 2005، وتسليم إدارة المعبر إلى السلطة الفلسطينية من الجانب الفلسطيني، وبمراقبة أوروبية، قبل أن تسيطر حركة حماس على كامل القطاع، وتُدير المعبر منذ العام 2007.
لكن بعد اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، قوضت إسرائيل إلى حد كبير من دور المعبر في إمداد قطاع غزة، وأصبح يرتبط بأهدافها من الحرب، لاسيما تجاه تقويض قدرة حماس على إدارة وحكم غزة من جهة، ونزع السلاح من القطاع، حيث تزعم إسرائيل أن المعبر "كان يستخدم لأغراض إرهابية"، وكذلك مساعي إسرائيل لعزل غزة وعرقلة عمليات إدخال المساعدات إلى سكانها.
ففي 9 أكتوبر 2023 أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآلف غالانت، عن عدم السماح بإدخال الماء والطعام والوقود إلى القطاع، بالتزامن مع إغلاق جميع المعابر والمنافذ الإسرائيلية المؤدية إليه، ومن بينها معبر بيت حانون\إيرز، وكرم أبو سالم، ونقلت القناة 12 الإسرائيلية، عن مصادر أن إسرائيل أبلغت مصر عزمها "قصف أي شاحنات تحمل مساعدات لغزة عبر معبر رفح"، وقد استهدف الجيش الإسرائيلي معبر رفح ومحيطه مرات عدة منذ اندلاع الحرب، ففي 10 أكتوبر قصفت مقاتلات إسرائيل المعبر مرتين ما أدى إلى إغلاقه وتراجع الشاحنات المحملة بالمساعدات إلى منطقة العريش المصرية.
كما أصبح المعبر جزءًا محوريًا في مباحثات الهدن والاتفاقيات الجزئية والمحدودة، ففي 21 أكتوبر 2023 نجحت الوساطة القطرية في إدخال بعض المساعدات الغذائية فقط وإجلاء بعض الجرحى للعلاج مقابل خروج حملة الجوازات الأجنبية من القطاع، ونتيجة لتزايد الضغوط الدولية خففت إسرائيل تدريجياً من حصارها لغزة، وسمحت بدخول المساعدات من معبر رفح مع اشتراطها تفتيش المساعدات وتحديد ما يدخل منها، وهو ما فرض تحكمًا إسرائيليًا في نوعيتها وكميتها، وتعقيد عملية دخولها نتيجة اضطرار الشاحنات إلى قطع مسافة 200 كم ذهابًا وعودةً من معبر رفح إلى معبر نيتسانا للتفتيش. ومع اتفاق الهدنة الأولى، جرت زيادة كمية المساعدات ودخول الوقود حسب بنود الاتفاقية. مع ذلك ألقت القيود الإسرائيلية على استخدام المعبر ودخول المساعدات بظلالها على الحالة الإنسانية -غير المسبوقة-في قطاع غزة، وتحديداً تجاه عدم كفاية المساعدات والتحذيرات الأممية بوقوع "مجاعة وشيكة"، خاصة مع عدم كفاءة عمليات الإنزال الجوي للمساعدات، وتعثر الجيش الأمريكي في تشغيل الرصيف البحري، ما دفع البنتاغون في 28 مايو لإزالته من أمام سواحل القطاع.
العودة الإسرائيلية إلى المعبر منذ 2005
سيطر الجيش الإسرائيلي على معبر رفح في 7 مايو 2024، مع إعلانه بدء عملية عسكرية في المدينة، وفي 7 يونيو أعلن الجيش الإسرائيلي سيطرته العملياتية على محور فيلادلفيا الحدودي الواصل من معبر كرم أبو سالم وحتى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. ومنذ ذلك التاريخ طالت البنية التحتية للمعبر تغيرات عدة من بينها حرق صالة المغادرين في المعبر في 18 يونيو، ما تسبب بخروجه "تماماً عن الخدمة" وفق المكتب الإعلامي لحركة حماس، وتبع ذلك إنشاء محور "ديفيد" الموازي لمحور فيلادلفيا، والممتد على طول 13 كيلو متر، ثمّ شق طريق من معبر كرم أبو سالم باتجاه معبر رفح بالتزامن مع كشف القناة 12 الإسرائيلية عن مخطط للجيش الإسرائيلي بإعادة بناء معبر رفح في موقع جديد قرب أبو سالم. ليشكل نقطة حدودية ثلاثية بين مصر وإسرائيل والقطاع.
بذلك تسعى إسرائيل إلى توظيف هذا التغيير سياسيًا بما يتوافق مع وثيقة نتنياهو بشأن اليوم التالي للحرب؛ تبعًا لأهمية المعبر بتحقيق السيطرة الأمنية والاقتصادية من خلال فرض التواجد والنفوذ الإسرائيلي الإداري المدني والرقابي الأمني على القطاع وما يدخله من مساعدات، ولاحقًا على أدوات وهيئات ومؤسسات إعادة الإعمار، كما لدوره في تقويض حكم حركة حماس بوصف المعبر صورة من صور سيادتها على القطاع منذ توليها الحكم. أضف إليه، أنّ تحويل حركة المواطنين من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم أو معبر جديد بسيطرة إسرائيلية يطرح عدّة مخاوف متعلقة بالتحكم الإسرائيلي بمن يسمح له بالمغادرة، وقد كان نتنياهو قد أعلن عن تأجيل سفر 150 طفل من القطاع إلى الإمارات في 29 يوليو لتلقي العلاج دون تحديد موعد آخر، ورغم عدم الإشارة إلى سبب ذلك إلّا أنّه جاء بالتزامن مع حادثة مجدل شمس في 28 يوليو.
مواقف الأطراف ومقترحاتهم
يستمر إغلاق معبر رفح للشهر الرابع على التوالي نتيجة تمسك جميع الأطراف بمواقفها تجاه الوضع الراهن للمعبر، إذ فشلت جولات المفاوضات الرامية لإعادة فتح المعبر بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة، ففي مطلع يونيو تباحثت الأطراف الثلاث بشأن إعادة تشغيل معبر رفح، إلّا أنه فشل في التوصل إلى آلية لذلك نتيجة الخلافات حول الجهة المقترحة لإدارته. وفي 3 أغسطس تعثرت المفاوضات بين وفد التفاوض الإسرائيلي ومسؤولين مصريين في التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات الأمنية في محور فيلادلفيا ومعبر رفح، وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن خلاف بين الوفد ورئيس الوزراء نتنياهو حول شروط التفاوض التي تعقد التوصل إلى اتفاق؛ إذ إنه صرّح عبر بيان صدر عن مكتبه "بتمسكه ببقاء الجيش في محور فيلادلفيا مقابل ما تريده حماس من استعادة سيطرتها على القطاع وإغراقه بالسلاح".
فمن جهة؛ تصر إسرائيل على وجودها العسكري في "ممر ديفيد" ومحور فيلادلفيا، وتسعى إلى فرض سياسة الأمر الواقع بعد أن دمرت مرافق المعبر من الجانب الفلسطيني تمهيدًا لنقله أو تشييد غيره. وترفض تسليم المعبر للسلطة الفلسطينية وتقترح أن تتسلم إدارته قوة تعتمد عليها وتثق فيها سواء دولية أو بعثة أممية يشارك فيها طرف فلسطيني محايد (غير تابع لحماس وليس كممثل رسمي عن السلطة الفلسطينية).
في المقابل ترفض مصر والسلطة الفلسطينية إدارة معبر رفح بالشراكة مع إسرائيل، وتطالب القاهرة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجانب الفلسطيني منه، وإدارته من قِبل طرف فلسطيني. وتقترح العودة إلى اتفاق المعابر بإحياء البعثة الأوروبية (يوبام) واستئناف تشغيل المعبر من طرفها. كما أنها نفت موافقتها على نقل المعبر أو بناء بديل عنه، وكانت قد اتفقت مع الإدارة الأمريكية على تسليم مساعدات للأمم المتحدّة في معبر كرم أبو سالم بصورة مؤقتة فقط لتداعيات ما تفرضه الأزمة الإنسانية في القطاع. بينما رفضت السلطة الفلسطينية الشروط الإسرائيلية لإعادة فتح المعبر، ومعارضتها تسلم الإدارة الجزئية لمنشآت قطاع غزة، دون النظر في عودتها إلى غزة ضمن عملية سياسية شاملة وواسعة.
سيناريوهات إدارة معبر رفح
في ضوء ما سبق وفي ظل تعقّد مواقف الأطراف وتباينها، يمكن القول إن السيناريوهات المتوقعة لإدارة المعبر متداخلة ومرحلية، وقد يفضي كل منها إلى الآخر لارتباطها بالتطورات السياسية التفاوضية والعسكرية الميدانية، وهي كالآتي:
السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن
تُشير المعطيات الراهنة باحتمالية بقاء معبر رفح دون تشغيل مع استمرار إدخال المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي؛ ارتباطًا بإصرار إسرائيل على البقاء في الجانب الفلسطيني من معبر رفح ورفض مصر إعادة تشغيله بتواجدها، وعليه يتوقع أن يستمر الوضع الراهن وأن يتم ربط إدارته باليوم التالي لوقف الحرب. ويعدّ هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا على المدى القريب، على الأقل لحين الاتفاق على وقف إطلاق النار والبدء بتنفيذ مراحلها. فيما تواجه عودة إسرائيل للسيطرة الكاملة على المعبر في المديين المتوسط والبعيد قيوداً عدة، فمن شأن أي تغيير في الواقع الميداني لرفح ومحور فيلادلفيا أن يخرق اتفاق المعابر 2005 الذي يعتبر ملحقاً امنياً بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، لكن تحاول إسرائيل تجاوز هذه المعضلة بالتحكم في عملية الدخول والخروج من قطاع غزة عبر سيطرتها العملياتية من خلال ممر ديفيد والطريق الجديد الذي يربط معبري كرم أبو سالم ورفح.
السيناريو الثاني: إعادة تفعيل اتفاق المعابر (2005)
من خلال العودة إلى "اتفاقية حركة التنقل والوصول" الموقعة عام 2005 بعد فك الارتباط وانسحاب إسرائيل من القطاع والمعمول بها حتّى سيطرة حركة حماس في 2007. وتمثلت هذه الاتفاقية بإدارة السلطة الفلسطينية للمعبر بإشراف الاتحاد الأوروبي بصفة مراقب، والتزام الطرف الفلسطيني ببنود الاتفاق. ويعد هذا السيناريو الأكثر قبولاً بالنسبة إلى مصر والإدارة الأمريكية إلا أنه يواجه تحديات من حيث اشتراطات الاتحاد الأوروبي السابقة، ورفض إسرائيل بأن يكون الطرف الفلسطيني ممثلاً رسميًا للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى رفض الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة لا سيما حركة حماس، أي إدارة غير فلسطينية لمعبر رفح، وهددت باعتبار ذلك شكلاً من أشكال الاحتلال. ولذلك يرجح العمل بهذا السيناريو بعد وقف النار وأن يكون ضمن خطة اليوم التالي للحرب.
السيناريو الثالث: تمكين طرف ثالث
أن تتولى إدارة المعبر قوة دولية متعددة الجنسيات أو بعثة أممية يشارك فيها طرف فلسطيني. ويرتبط هذا السيناريو باقتراحات إسرائيل بأن تتولى شركة أمنية أمريكية إدارة المعبر، ثم اقتراحها بتشكيل قوة دولية لذلك أو جهة أممية إلى جانب طرف فلسطيني ليس من حماس أو السلطة الفلسطينية. ويعد هذا السيناريو الأقل ترجيحًا نتيجة رفض مصر المشاركة بقوة دولية وتشغيل المعبر دون وجود طرف فلسطيني لإدارته، وأيضًا لتوقع رفض دول عربية أخرى المشاركة كي لا تتهم بالتعاون مع إسرائيل وتحجيم الدور الفلسطيني. كما يستبعد أن تتمكن إسرائيل من إيجاد طرف فلسطيني لا ينتمي لحماس وليس من السلطة خاصة بعدما تعثرت محاولاتها السابقة في تفعيل روابط القرى والعشائر وتسليم الإدارة المدنية لجهات محلية في القطاع.
السيناريو الرابع: العودة لما قبل مايو 2024
أنّ يُستأنف العمل في المعبر بالصورة التي كان عليها قبل إعلان الجيش الإسرائيلي السيطرة عليه. وعلى الرغم من أن هذا الخيار يُواجه بتمسك إسرائيل بأهدافها في تقويض قدرة حركة حماس وتحييدها عن الحكم، إلّا أنه قد يكون وارداً باحتمالية ضئيلة في حال تم التوصل إلى صفقة تفضي إلى الانسحاب العسكري الإسرائيلي الكامل من القطاع، على أن يكون هذا السيناريو "انتقاليًا" إلى حين الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة لإدارة قطاع غزة.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: