*هذه هي المادة الخامسة من ضمن سلسلة مقالات وأوراق يتم نشرها تباعاً، تناقش جوانب معينة من الأبعاد الداخلية والخارجية للانتخابات الأمريكية المقبلة.
سلّطت المناظرة الرئاسية الأخيرة في 22 أكتوبر 2020 الضوءَ على مدى اختلاف الانتخابات الأمريكية لهذا العام عن سابقاتها وأنها ستكون غير عادية. وإن حالة الاستقطاب السياسي الحاد في الولايات المتحدة، وجائحة فيروس "كورونا" المستجد التي أصابت ما يقارب من 9 مليون أمريكي حتى تاريخ 31 أكتوبر؛ تجعلان من هذه الانتخابات - التي صوت الملايين فيها بشكل مبكر - الحدث الأكثر أهمية؛ فالرئيس المنتخب لن يحدد الشأن الأمريكي الداخلي فحسب، بل أيضاً البصمة الأمريكية العالمية.
وكما هو الحال في كل انتخابات أمريكية، تلقى استطلاعات الرأي مزيداً من الاهتمام والمتابعة والتشكيك في بعض الأحيان. أما فيما يتعلق بهذا العام، فتشير آخر الاستطلاعات إلى تقدم المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بفارق كبير على نظيره الجمهوري، دونالد ترامب. وحتى تاريخ 29 أكتوبر 2020، تشير مجلة The Economist إلى أنه من "المرجح جداً" فوزه على ترامب في المجمع الانتخابي، حيث إن نسبة فوزه بأصوات المجمع تصل إلى 96%. فيما تشير متوسطات استطلاعات الرأي الوطنية لموقع Five Thirty Eight الرائد في هذا المجال إلى تقدمه بواقع 51.9% مقابل 42.8% للرئيس ترامب. ووفقاً لصحيفة The Financial Times فإن الانتخابات إذا أجريت اليوم، فإن بايدن سيحصل على 279 صوتاً في المجمع الانتخابي.
ويلاحظ القائمون على استطلاعات الرأي لهذا العام أن جو بايدن يتقدم بشكل ثابت منذ الربيع الماضي (2020)، وهو ما يعني زيادة فرصته في الفوز عما كان عليه الحال مع المرشحة الديمقراطية، هيلاري كيلنتون، حيث تقاطعت خطوط الاقتراع بينها وبين ترامب في استطلاعات الرأي للانتخابات الأمريكية عام 2016؛ ما أشار حينها إلى أن السباق الانتخابي غير محسوم.
ولا تقتصر حظوظ بايدن على ذلك فقط، بل تتفق العديد من هذه الاستطلاعات على تقدمه في الولايات المتأرجحة، ويستعرض الجدول التالي مجموعة منها - أي الاستطلاعات - في هذه الولايات لتاريخ 29 أكتوبر 2020:
وفي ضوء البيانات أعلاه، تحاول هذه المادة تقديم أربعة سيناريوهات قد يخالف فيها ترامب الأرقام الواردة في استطلاعات الرأي، ويحقق النصر في الانتخابات الأمريكية؛ وهي كالآتي:
السيناريو الأول: عدم دقة استطلاعات الرأي
من خلال ما سبق، يبدو أن العديد من استطلاعات الرأي تتفق على تقدم المرشح الديمقراطي، جو بايدن، على منافسه الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، ومع ذلك فهناك العديد من التساؤلات حول مدى دقة هذه الأرقام التي تقدمها استطلاعات الرأي، وإمكانية الوثوق فيها.
وفي مستهل الإجابة يمكن القول إنه مما لا شك فيه أن هذه الاستطلاعات تقدم نظرة فاحصة لمدى شعبية المرشحين خاصة على المستوى الوطني؛ لكنها قد لا تكون بطبيعة الحال معياراً حاسماً لتحديد الفائز في الانتخابات؛ كما حدث في العام 2016؛ حيث بالغت الكثير من الاستطلاعات في ازدياد فرص المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، بالفوز في الانتخابات. ففي الليلة السابقة ليوم الاقتراع، صرحت صحيفة نيويورك تايمز أن فرصها بالفوز تصل إلى 91%، فيما توقع Five Thirty Eight أن لديها فرصة بالفوز بنسبة 71%. وبخلاف ذلك، فقد أتت النتائج بفوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، الأمر الذي عدّه الكثيرون مفاجئاً.
وعلى أثر ذلك، انكبّ العديد من القائمين ومنظمي هذه الاستطلاعات على محاولة فهم وتفسير ما حدث، في محاولة منهم لتجديد الثقة فيها مرة أخرى؛ أهمها التقرير الصادر عن اللجنة المخصصة لاستطلاع الانتخابات للعام 2016، والتابعة للرابطة الأمريكية لأبحاث الرأي العام.
وقد خلُصت نتائج هذه اللجنة إلى حقيقة مفادها "أن استطلاعات الرأي على المستوى الوطني في العام 2016 كانت من بين الاستطلاعات الأكثر دقة في تقدير التصويت الشعبي منذ عام 1936" حين أشارت إلى تقدم كلينتون بفارق 3 نقاط مئوية، وفازت في النهاية بالتصويت الشعبي بفارق 2.9 مليون صوت، أو ما مقداره نقطتين مئويتين.
إلا أن ما حدث كان إغفال العديد من مستطلعي الرأي لعوامل حددت في النهاية النتيجة لصالح ترامب ومنها؛ أولاً: عدم شمول الفئات الأقل تعليماً مقابل التمثيل المفرط لفئات المتعلمين في استطلاعات الرأي، وكانت نتيجة ذلك المبالغة في تقدير الدعم لهيلاري كلينتون، في حين كانت تلك الفئات الأقل تعليماً من ذوي البشرة البيضاء تُلقي بثقلها وراء ترامب دون تسليط الضوء عليها. وثانياً: أغفلت الاستطلاعات قيمة الولايات المتأرجحة في تحديد الفائز بالانتخابات وخاصة في تلك الولايات الموجودة في الغرب والوسط الأمريكي. وأخيراً، فقد كان هناك العديد من الناخبين الذين حسموا أمرهم لصالح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لكنهم لم يرغبوا في التصريح بدعمهم له بشكل علني.
وبناء على ذلك، فإن الكثير من استطلاعات الرأي التي يتم إجراؤها اليوم باتت أكثر إلماماً بالخصائص الديمغرافية والسياسية بالنسبة للعينة المستهدفة، فضلاً عن أن القائمين على هذه الاستطلاعات يُبدون مزيداً من الاهتمام بالولايات المتأرجحة، وهو ما يعني أن هامش الخطأ لدى الكثير من الاستطلاعات سيكون أقل مما كان عليه في العام 2016.
السيناريو الثاني: عودة ترامب لكسب قاعدته الأساسية
خلُص المحللون والمتابعون للشأن الانتخابي إلى أنه إذا كانت هناك وسيلة لفوز الرئيس، دونالد ترامب، في الانتخابات؛ فإنها يجب أن تتضمن دعم الناخبين من ذوي البشرة البيضاء له خاصة من كبار السن ومن ذوي التعليم المنخفض (أقل من درجة البكالوريوس)، وهذه الفئة الديمغرافية يُعزى إليها الفضل في وصوله إلى البيت الأبيض عام 2016، فوفقاً للبيانات؛ حصل ترامب على 57% من أصوات الناخبين من ذوي البشرة البيضاء ومن ذوي التعليم المنخفض في مقابل 36% للمرشحة الديمقراطية كلينتون.
بيد أن استطلاعات الرأي الحديثة تُظهر تراجع تأييد هذه الفئة الديمغرافية له، ناهيك عن أن معدلات قبوله بين الناخب الأمريكي سلبية بشكل عام. فقد أظهر استطلاع للرأي على المستوى الوطني الأمريكي أجرته مجموعة "Global Strategy" للاستشارات وحدّثتها في 21 أكتوبر الجاري (2020)، أن 47% من الذين تم استطلاع آرائهم عارضوا تعامل ترامب مع الاقتصاد، فيما رفض 57% منهم طريقة تعامله مع وباء "كورونا"، أما 54% فقد أعربوا عن رفضهم للطريقة التي تعامل بها مع الاحتجاجات الناتجة عن وفاة جورج فلويد.
وقد تكون المؤشرات التي تقود إلى حقيقة التحول في موقف هذه الفئة الديمغرافية هي أكثر الإرهاصات المقلقة لمستقبل ترامب في البيت الأبيض. في حين يلقى المرشح الديمقراطي، جو بايدن، قبولاً لدى هذه الفئات لم تكن تتمتع به هيلاري كلينتون سابقاً. ووفقاً لاستطلاعات الرأي على المستوى الوطني الأمريكي، فإن كبار السن من ذوي البشرة البيضاء والنساء يدعمون المرشح الديمقراطي بايدن. ففي استطلاع CNN/SSRS أجاب 60% ممن أعمارهم 65 فما فوق أنهم سيصوتون له.
وفي ظل ذلك، إذا ما أراد ترامب الفوز في الانتخابات الجارية فعليه أولاً وقبل كل شيء أن يغير من خطابه تجاه هذه الفئة الديمغرافية والعمرية وإلا فإن فرصه في الفوز قد تبقى متدنية.
السيناريو الثالث: حدث مفاجئ يتحول إلى رأي عام
قد يكون التنبؤ بنتائج الانتخابات استناداً على استطلاعات الرأي غير منطقي. ففي المحصلة؛ يتم التصويت الفعلي في يوم الاقتراع ولا نعرف من سيحضر للإدلاء بصوته، ومن هو المرشح الذي سيقرر الناخبون الإدلاء بأصواتهم له، ومن لم يحسم قراره بعد بشأن المرشح الذي سيصوت له؛ حيث تشير بيانات Five Thirty Eight إلى أن 13% من الناخبين في العام 2016 اتخذوا قراراتهم التصويتية يوم الانتخابات؛ ولذلك يبقى التصويت الفعلي في تاريخ 3 نوفمبر 2020 هو من سيحدد الفائز في النهاية.
ومع بقاء ما يزيد عن أسبوع على بدء الانتخابات، تبقى أصوات الناخبين متقلبة وغير ثابتة، وقد يطرأ حدث ما يؤثر على ميلوهم وتوجهاتهم. فعلى سبيل المثال، قبل 11 يوم فقط من انتخابات العام 2016، كشف مدير التحقيقات الفيدرالي آنذاك، جيمس كومي، أن وكالته تنظر في إعادة التحقيق حول استخدام المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، بريدها الإلكتروني الشخصي لأغراض رسمية أثناء توليها لمنصبها في وزارة الخارجية، وقد أثّرت هذه الأخبار بشكل كبير على توجهات الناخبين أمام صناديق الاقتراع. وعلى المنوال ذاته، فقد يحدث ما هو غير متوقع لهذا العام الذي من شأنه أن يعيد ميزان الكفة لصالح الرئيس ترامب.
ومع ذلك، فمن المنطقي أيضاً استبعاد مثل هذه الأحداث، حيث توقع الكثيرون سابقاً أن إصابة الرئيس ترامب بفيروس "كورونا" المستجد سيكون الحدث الذي سيغير مجرى الانتخابات إلا أنه مرّ دون أن يترك أي أثر يُذكر على استطلاعات الرأي. وبما أن المناظرة الرئاسية للمرشحين قد انتهت دون إثارة أي نقاط للجدل ودون حدوث فروقات تُذكر في الاستطلاعات؛ فمن المتوقع أن تتلاشى أهمية هذا السيناريو يوماً بعد يوم - على الأقل داخلياً - ويبقى هناك الخيار المتمثل في مزاعم الفاعلين الدوليين التأثيرَ على مجرى الانتخابات مثل إيران وروسيا.
السيناريو الرابع: فوز ترامب بالرغم من خسارته التصويت الشعبي
إن أحد السيناريوهات المرجحة هو تكرار ما حدث في العام 2016، عندما خسر ترامب التصويت الشعبي، لكنه فاز في أصوات المجمع الانتخابي، وحتى مع استطلاعات الرأي التي ترجح فوز بايدن؛ فإن هناك عدداً كافياً من الولايات التي قد يفوز فيها ترامب أو تشهد هامش خطأ يصب في صالحه. ففي العام 2016، كان نجاحه في كسب أصوات ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا كافياً للوصول إلى البيت الأبيض؛ وفقاً لموقع "Global News" الإخباري.
لكن لا يبدو الأمر بهذه السهولة، حيث يشير معهد بروكنجز للأبحاث إلى أن ترامب بحاجة لتقليص الفارق مع بايدن إلى نحو نقطتين، وهذا السيناريو يعني تكرار ما حدث في العام 2016، ويضيف بأن ذلك يعني فوز ترامب في جميع الولايات التي تفوق فيها ذلك العام إضافة إلى نيفادا، لحصد ما مجموعه 312 مندوباً. وهذا السيناريو قد يبدو مستبعداً في وقت يتفوق فيه بايدن على ترامب في المتوسط الحسابي في أكثر من 11 استطلاع للرأي بفارق 8.1.
ومع ذلك، فمن الممكن أن يتقاطع هذا السيناريو مع السيناريو الثالث في حدوث ما هو غير متوقع، فإذا ما ظهر أي خلل في آلية الانتخاب البريدي، من حيث البيانات المعبئة، أو نقص الدعم اللوجستي اللازم لهذه الخدمة الذي قد يقوض التصويت في يوم الانتخابات مثل نقص الموظفين أو عدم إلمام الكثيرين بالآلية، أو أي من هذه الأحداث، قد تجعل من القبول بدقة الأصوات أو صحة الاقتراع أمراً مشكوكاً فيه. وهذا هو السيناريو الذي رسمه أستاذ القانون في كلية أميرست في ولاية ماساتشوستس، لورانس دوغلاس، الذي سيقود في النهاية إلى البت بالانتخابات من خلال الهيئات التشريعية التي ستحدد انتخابات التجديد النصفي الأغلبية فيها.
لكن هذا السيناريو قد لا يتوقف عند هذا الحد، ففي ظل الجدل المحتدم حول المحكمة العليا، وحالة الاستقطاب السياسي الحاد، والتعبئة الكبيرة التي شهدتها أحداث مقتل جورج فلويد، وغيرها من القضايا الأخرى، قد تفسر مثل هذه النتائج بشكل سلبي؛ وفقاً لما أشار إليه استطلاع الرأي الذي أجرته رويترز/إبسوس في الفترة الممتدة ما بين 29 يوليو - 25 أغسطس 2020 وهو أن 71% من الناخبين الجمهوريين متخوفين من تزوير الانتخابات، ما يعني أن خطاب الرئيس ترامب المشكك في الانتخابات يلقى صداه في قواعده الانتخابية، وبالتالي قد تؤدي هذه الانتخابات في النهاية إلى حدوث الكثير من الاضطرابات المدنية بشكل أسوأ مما كانت عليه في الخلاف حول الفائز في انتخابات العام 2000.
وأخيراً، فإننا في هذه المادة ألقينا النظر على استطلاعات الرأي وآراء المحللين والمتابعين للشأن الانتخابي حول فرص المرشحين للفوز في الانتخابات، وجميع السيناريوهات المطروحة أعلاه قريبة من الواقع، ولا يمكن استبعاد أي منها بالرغم من الاختلافات في مستويات تحقُقها وفقاً للوقت المتبقي للانتخابات. ويبقى لتاريخ 3 نوفمبر 2020 الكلمة الفصل في تقرير من هو الرئيس القادم للولايات المتحدة.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.