التقيت خلال زيارتي الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية بمجموعة من الشباب العائدين من الغرب، بعضهم قد أتم دراسته هناك، وبعضهم الآخر كان في زيارة تدريبية لاكتساب مهارات اختصاصية محددة، كان الأمل يملؤهم جميعاً في الغد المشرق والواعد لبلادهم.
لم يكن التركيز المستمر للملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود منذ تسلمه مقاليد الحكم في عام 2015 على تمكين الشباب ، وإتاحة الفرص لهم ، ودعمهم في بلوغ مناصب عليا أمرا مجرّدًا - فقد أظهرت طاقة الشباب الذين قابلتهم أن الخطة كانت قيد التنفيذ.
كان تعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد أكبر مصدر إلهام قدمه الملك سلمان للشباب السعودي. فلا تجري أي محادثة مع الشباب (نصف السكان السعوديين تحت سن 25) دون التطرق إلى هذه الثقة الجديدة في الشباب وإلى الأمير الشاب الديناميكي والبارع في التكنولوجيا على رأس أمتهم كـ أمل للمنطقة الأوسع.
تتمثل مسيرة التنمية والتحرر في انعتاق المملكة من "الإدمان" على النفط كما وصفه ذات مرة الأمير محمد بن سلمان. إلى جانب النمو الاقتصادي يلتزم الأمير محمد بالقضاء على التطرف الديني الذي تسلل إلى مجتمعاتنا. ويتماشى هذا كله مع "رؤية المملكة 2030"، بدءاً من خصخصة أرامكو، أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، وصولاً إلى مدينة نيوم على ساحل البحر الأحمر، المشروع الذي تبلغ قيمته نصف تريليون دولار، والتي وصفها ابن سلمان بأنها ليست مجرد تنمية اقتصادية، بل "قفزة حضارية للبشرية". وقد أوجزت "الرؤية: بثلاث ركائز أساسية، هي: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح.
ولما كان الاقتصاد وحده لا يوصل البلاد إلى بر الأمان الاجتماعي والاستقرار الوطني، بات من الضروري الاشتغال على الإنسان وتحفيز المجتمع. ولذلك شرعت المملكة بالفعل في تنفيذ سلسلة من المشروعات العملاقة لخلق مجتمع منفتح متسامح يتطلع إلى المستقبل، ويستند في الوقت ذاته إلى تراثه وماضيه العريق. ولمساندة الجهود المبذولة في تنفيذ إصلاحات اجتماعية اقتصادية، تعمل الحكومة على دعم فاعلية هذه الإصلاحات من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة وتحسينهما لتحقيق تطلعات الوطن الطموح، يأتي ذلك كله دون أن تغفل المملكة دورها السياسي الإقليمي والدولي.
إذ يدرك الملك سلمان وولي عهده المسؤوليات واسعة النطاق التي تقع على عاتق المملكة ، خاصة على الصعيد الإقليمي، فمعظم القوى العربية التقليدية تعاني من أزمات سياسية واقتصادية وحروب وتفكك. ويعني هذا السياق أن المملكة اضطرت إلى انتهاج سياسة خارجية غير مسبوقة ونشطة ، تعمل من منطلق المسؤولية وضمن الأطر المؤسسية الإقليمية ، لا سيما في جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي.
على عكس حكومتي تركيا وإيران، فليس للسعودية طموحات إقليمية ودولية للهيمنة والتلاعب. بدلاً من ذلك ، تهدف المملكة إلى مجتمع شرق أوسطي مستقر وآمن ، مما دفعها إلى التعامل بحزم مع جوارها المباشر والأوسع. وقد قامت المملكة بذلك باستقلالية كاملة ودون أن تركن فقط إلى تحالفها التقليدي مع الولايات المتحدة بل كان سعي الرياض واضحاً إلى تنويع شركائها الدوليين.
عمل الملك سلمان وولي عهده على تنويع مصادر دخل المملكة الاقتصادية والعلاقات الدولية من خلال رؤية جديدة تتماشى مع المكانة الإقليمية والدولية للسعودية. سيحمل هذا التنويع بمرور الوقت تغييرات مهمة على الخريطة الجيوسياسية الإقليمية وربما الدولية.
في جميع هذه الجوانب، تنتقل المملكة العربية السعودية نحو عصر جديد، سمته الأولى والأبرز هي الانفتاح. تسير الرياض بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف "رؤيتها" ضمن جدولة زمنية دقيقة ومحكمة. حيث تم تكييف أسواق النفط والطاقة واستمرارها بالعمل.
رغم هذا التوجه الجديد والديناميكي، وتنوع منجزات المملكة العربية السعودية وتعددها، تواجه المملكة الكثير من الرجعيين والمتطرفين وأعداء النجاح. فهم لا يبقون في المنطقة فحسب ، بل لديهم قواعد دعم ثورية في الغرب بين بعض النشطاء الساذجين الذين لا يفهمون السعودية. ماذا يريدون؟ المملكة العربية السعودية تسير على طريق الإصلاح ، ومحمد بن سلمان عازم على تطوير أمة شابة. قد باءت ثوراتهم خلال القرن الماضي بالفشل في إيران والعراق ودول أخرى. الإصلاح ، وليس الثورة ، هو طريق التقدم إلى الأمام.
فالسعودية هي الركيزة الأساس في التصدي لمشروع الهيمنة الإيرانية، ومشروع النيو-عثمانية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومواجهة الإرهاب بكل أشكاله، ولديها القدرة الأكبر على حلّ العالق من الملفات العربية، وهي محرك النمو في المنطقة، وسينعكس نجاح السعودية ازدهاراً على الجميع.
مع انتهاء هذا العام المضطرب، وقيادة المملكة العربية السعودية لقمة العشرين الكبار، علينا جميعنا أن نحشد الدعم والتأييد لها. فنجاح وتقدم المملكة العربية السعودية وتحقيقها لبرنامجها الإصلاحي هو مفتاح التقدم في الشرق الأوسط وخارجه.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: