أصبحت العمليات الفردية بما تشمله من حوادث إطلاق نار ودهس وطعن وغير ذلك نشاطاً مرافقاً لمجريات الحرب في قطاع غزة، فمنذ اندلاع الحرب وحتى منتصف أغسطس 2024، استهدفت العمليات مجالاً جغرافياً واسعاً من مناطق الضفة الغربية والمدن الإسرائيلية، وذلك بالرغم من الحملات الإسرائيلية العسكرية والأمنية الاستباقية والتي من بينها الاجتياحات شبه اليومية وحملات الاعتقال وتوسيع استخدام المسيرات بهدف اغتيال قادة المجموعات الفلسطينية المسلحة شمال الضفة، بالإضافة إلى اختلاف العوامل والمعطيات بين ساحات النشاط المسلح الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية والقدس الشرقية أو المدن الإسرائيلية، وهو ما يدفع للتساؤل حول دلالات تلك الحوادث ودوافعها وانعكاساتها، ومدى ارتباطها بالحرب في قطاع غزة والمعاناة الإنسانية غير المسبوقة، ودعوات قادة الفصائل المسلحة العسكريين والسياسيين لقواعدهم والمتعاطفين معهم خارج غزة للانخراط في معركة "طوفان الأقصى"، بالإضافة إلى مستوى تأثرها بارتفاع وتيرة الإجراءات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في الداخل وفي الضفة الغربية، وانعكاس ذلك التأثير على حالة التزايد أو التراجع في كمّ العمليات صعوداً وانخفاضاً. وعبر هذه المقدمة تسعى الورقة لتقديم قراءة تحليلية هي الأولى من نوعها للعمليات الفردية، بهدف توسيع الفهم حولها، والوقوف على وتيرتها وأنواعها ونطاقها خلال الحرب، وبالمقارنة مع السنوات السابقة منذ ظهورها كحالة دراسة في العام 2015.
العمليات الفردية: في سياق الحرب والتشخيص
جاءت عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في قطاع غزة ضد المستوطنات والمواقع العسكرية في غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، ضمن رؤية أوسع للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حاولت خلاله الفصائل تقديمها بما يشمل ويمتد إلى كامل الأراضي الفلسطينية في القطاع والضفة، بالإضافة إلى مناطق الخط الأخضر، وذلك بحسب البيانات الأولى لقادة حركة حماس عقب الهجمات، لا سيما البيان الأول للقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف -أعلنت إسرائيل في مطلع أغسطس عن اغتياله في قصف مواصي خانيونس في 13 يوليو-، وفي أغلب بيانات الحركة وكتائب القسام الإعلامية، والتي دعت جميعها إلى تكثيف النشاط ضد الأهداف الإسرائيلية، وتحقيق ما يُعرف بـ"وحدة الساحات" داخلياً، وكامل ساحات "محور المقاومة".
وفي إطار العمل البحثي التراكمي لمعهد ستراتيجيكس حول مفهوم "توحيد الساحات" وتطبيقاته، فمن المهم تسليط الضوء على نشاط الساحات الداخلية والتي تشمل وفق منظور الفصائل الفلسطينية كل من الضفة الغربية والقدس والداخل الإسرائيلي -مع استثناء الساحة الرئيسية للحرب في قطاع غزة- حيث لم يتم تغطيتها والوقوف على مستوى ونوع ووتيرة العمليات العسكرية الفلسطينية فيها ضد الأهداف الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، وبالشكل الذي يُوضح سلوك تلك الساحات واتجاهاتها ومدى تأثرها بمجريات الحرب.
في الواقع، من الناحية النظرية والموضوعية لا يُمكن تفسير التصعيد في الضفة الغربية بطرفيه الفلسطيني والإسرائيلي في سياق دعوات الفصائل المسلحة في قطاع غزة لتكثيف النشاط المسلح ضد الأهداف الإسرائيلية فقط، وفصله عن سياق الحرب في قطاع غزة، وشعور العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية وإسرائيل بضرورة إظهار التضامن مع أهالي قطاع غزة، ورد الفعل على الممارسات الإسرائيلية، لكن من ناحية أخرى؛ فإن حصر التصعيد بالحرب قد يُغفل أيضاً العوامل المغذية له سواء في الضفة الغربية أو الداخل الإسرائيلي، وعلى مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والمعيشية بشكل عام.
وبشكل أكثر تفصيلاً، يأخذ التصعيد المذكور سابقاً شكلين رئيسيين، أحدهما منظم والآخر فردي، وتناقش هذه الورقة بقراءة تحليلية العمليات الفردية حصراً. وبالرغم من اتساع المصطلح من حيث المفهوم والتوصيف، إلا أنه يُعنى بشكل أساسي بتلك العمليات التي يُنفذها مسلح أو أكثر، وتبقى دون عتبة الاشتباك، ولا تتبع تكتيكاً واضحاً أو استراتيجية محددة، وأغلب منفذيها لا يتركون رسائل أو يُسجلون وصايا قبل التنفيذ، ودون اشتراط تبني خطاب أيديولوجي معين وتنفذ باستخدام وسائل هجومية متعددة، من بينها إطلاق النار، وعمليات الطعن، وهجمات الدهس، وتفجير العبوات الناسفة. وكل ذلك يفصلها عملياً عن الاشتباكات المستمرة بين المجموعات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية والجيش الإسرائيلي، مع الأخذ بعين الاعتبار التسميات المختلفة لها، والتي من بينها "العمليات الفردية" أو "العمليات الفدائية"، فيما تُطلق إسرائيل على هذا النمط من العمليات "إرهاب الأفراد" أو إرهاب المنعزلين".
وما يُميز هذا النمط من العمليات، هو سمة اللامركزية؛ في التخطيط والتوجيه والتنفيذ، وبمعزل عن انتماء المنفذ لهيكل تنظيمي أو تسلسل قيادي؛ شهدت السنوات الثلاث الأخيرة تبنّي فصائل أو مجموعات مسلحة لعمليات فردية، على غرار تبني حركة حماس عملية "ديزنغوف" في تل أبيب والتي نفذها مسلح في مارس 2023، أو تبني "كتائب المجاهدين" لعملية الرملة في 14 يوليو 2024 والتي نفذها فرد وأصاب خلالها ثلاثة جنود إسرائيليين بعملية مزدوجة شملت الدهس وإطلاق النار، وقد تكون العديد من العمليات الفردية الأخرى قد تلقت دعماً مادياً وإعلامياً دون الإشارة لذلك الدعم أو إظهاره. ومن جانب آخر ظهرت مؤخراً عمليات نفذها عناصر من مجموعات مسلحة ميدانية تنشط في شمال الضفة الغربية مثل (عرين الأسود في نابلس وكتيبة جنين وطولكرم وغيرها). وفي الحالات الأوسع نطاقاً؛ يُمكن إدراج حوادث منفصلة لعمليات رافقت الحرب بوصفها فردية، حتى لو كان منفذها يتبع لهيكل تنظيمي، وغالباً ما يتصرف المنفذ في مثل هذه الحوادث من تلقاء نفسه، وأحياناً بشكل مخالف للتعليمات المقيد بها، ومن أبرز الأمثلة على ذلك؛ إطلاق النار على المحتجزين لدى حركة حماس من قبل العناصر المكلفة بحراستهم بحسب بيان مكتوب للنطاق باسم كتائب القسام نُشر في 12 أغسطس 2024، وفي حالات أخرى غير تقليدية، كان منفذ عملية إطلاق النار بين نابلس ورام الله في 29 فبراير 2024 عنصر من الشرطة الفلسطينية، وفي حادثة غير مسبوقة، أقدم سائح تركي على تنفيذ عملية طعن في القدس أواخر أبريل 2024.
وبالعودة إلى واقع العمليات الفردية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، فقد وثق معهد ستراتيجيكس (37) عملية فردية على الأقل، بالاعتماد على المصادر المفتوحة والخاصة، وبالمقارنة مع ما يُعلنه الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ولذلك يعتبر ذلك العدد دقيقاً بما فيه الكفاية للاعتماد عليه وعلى ما يشمله من تفاصيل خاصة من حيث عدد القتلى والجرحى وسلاح العملية ومكانها وتوقيتها، من أجل تقديم قراءة تحليلية لوتيرة وأنماط العملية الفردية خلال فترة الحرب في قطاع غزة منذ اندلاع في أكتوبر 2023 وحتى منتصف أغسطس 2024، ومُقارنة النتائج مع البيانات مفتوحة المصدر للعمليات الفردية خلال الأعوام السابقة وتحديداً منذ العام 2014، الذي شهد تصاعدًا لتلك العمليات بالتزامن مع الحرب في غزة حينذاك، ومروراً بمعركة العام 2021، وصولاً إلى الحرب الحالية.
العمليات الفردية: الوتيرة والنوع والنطاق
يكشف تعداد العمليات الفردية خلال الحرب في قطاع غزة، عن أي تغيرات قد طالت هذا النشاط المسلح منذ بدايته عام 2015، باعتبار أن العمليات الفردية عبر السنوات تأخذ طابع الموجات وشكلها، بصعودها وهبوطها، وفقاً لمجريات الصراع، وارتباطاً بأحداث معينة او مفصلية. وفي ضوء الوضع الجديد الذي فرضته الحرب والإجراءات الإسرائيلية المُتشددة في الضفة الغربية وتجاه فلسطينيي الداخل، وهو ما يستدعي دراسة وتيرة العمليات من حيث الأعداد وتوزيعها على الشهور العشرة من الحرب، وتزامنها مع الأحداث التي شهدتها الحرب، من قبيل عمليات القصف الإسرائيلية التي خلفت أعداداً كبيرة من الضحايا في غزة، أو مقارنتها بين فترات الهدن واشتداد الحرب وأوقات المفاوضات، وأيضاً أنواع العمليات من قبيل الأداة المستخدمة في الهجوم، وطريقة التنفيذ والجهة التي تبنت العملية، وأخيراً؛ النطاق الجغرافي للعمليات، ما بين الضفة الغربية والقدس الشرقية والمدن الإسرائيلية.
أولاً: وتيرة العمليات
بلغ عدد العمليات الفردية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023-وحتى منتصف أغسطس 2024، حوالي (37) عملية، وشهد شهر مارس 2024 العدد الأكبر من العمليات الفردية وبواقع (6) عمليات، يليه أشهر نوفمبر وديسمبر 2023، وأبريل 2024 بواقع (5) عمليات في كل منهما. فيما كانا شهري مايو ويونيو 2024، الأقل بواقع عملية واحدة في كل منهما.
أسفرت العمليات الفردية عن وقوع (24) قتيلاً إسرائيلياً وحوالي (103) إصابة على الأقل.
القراءة الكمية لوتيرة العمليات ارتباطاً بالحرب في قطاع غزة:
1- بلغ عدد العمليات خلال الشهور الثلاث الأولى للحرب (12) عملية، مقابل (25) عملية خلال الشهور الثمانية الأولى من العام 2024. وذلك يُشير أن عدد العمليات خلال الشهور الأولى للحرب كانت أعلى مُقارنة بأعدادها مع مطلع العام 2024.
2- جاء شهري نوفمبر وديسمبر ثانياً في عدد العمليات الفردية وبواقع (5) عمليات بعد شهر مارس الذي شهد (6) عمليات، وتكمن أهمية تسليط الضوء على ذلك الشهر، لأهمية الأحداث التي رافقته في مجريات الحرب، فخلال نوفمبر بدأت العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة وسيطر فيه القوات الإسرائيلية على شارع صلاح الدين، في منتصف القطاع، وتوغلت باتجاه شارع الرشيد. بالإضافة إلى استمرار تنفيذ العمليات الفردية حتى مع سريان الهدنة والتي امتدت طوال الفترة (24-30)، إذ شهدت تلك الفترة تنفيذ عمليتين بتاريخ 30 نوفمبر، واحدة في القدس والأخرى في أريحا، وهو ما يُخالف الهدوء الذي ساد مختلف الساحات خلال فترة الهدنة الأولى لا سيما في لبنان والعراق واليمن.
3- انخفضت الأعداد في شهري مايو ويونيو (2024)، بعد اجتياح رفح، وإغلاق المعبر في 7 مايو، والسيطرة على ممر فيلادلفيا في 7 يونيو 2024، وفي ذات الفترة أعلنت إسرائيل الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، من مرتفعة الكثافة إلى معارك تكتيكية منخفضة الكثافة، وقد شكلت المرحلة نقطة مفصلية في سياق الحرب في قطاع غزة مع سيطرة الجيش الإسرائيلي عملياتياً على مختلف مناطق القطاع.
القراءة النوعية لوتيرة العمليات ارتباطاً بأحداث مفصلية من الحرب في قطاع غزة:
1- شهدت فترة حصار الجيش الإسرائيلي لمستشفى الشفاء (18 مارس -1 أبريل)، تنفيذ أربع عمليات فردية. ففي 19 مارس أطلق منفذ النار على عناصر من الشاباك بالقرب من مفترق بيت فجار جنوب بيت لحم، وفي 22 مارس قُتل جندي إسرائيلي في إطلاق نار في رام الله وأصيب 6 إسرائيليين، وفي 28 مارس وقع إطلاق نار في مدينة أريحا، ما أدى إلى إصابة ثلاثة إسرائيليين، وفي 31 مارس وقعت عملية طعن في منطقة بئر السبع أسفرت عن إصابتين أحدهما ضابط في الجيش.
2- أعقب القصف الإسرائيلي على منطقة المواصي في خانيونس في 13 يوليو 2024 والذي أسفر عن وقوع ما لا يقل عن 90 ضحية، تنفيذ عملية فردية مزدوجة شملت دهس وإطلاق نار في منطقة الرملة بتاريخ 14 يوليو، أسفرت عن إصابة ضابط وثلاثة جنود، وأعلنت " كتائب المجاهدين" تبنيها للعملية، وأشارت أنها تأتي في إطار الرد على "المجازر والجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضدّ الشعب الفلسطيني في كل مكان، والتي كان آخرها المجازر في مواصي خانيونس ومخيمي الشاطئ والنصيرات".
3- أعقب القصف الإسرائيلي على مدرسة التابعين في 10 أغسطس 2024، والتي أسفرت عن وقوع أكثر من 100 ضحية، حادثين مرتبطين بها، ففي 11 أغسطس شهدت مستوطنة ناحولا بالأغوار الشمالية، عملية إطلاق نار استهدفت مركبة عسكرية أدت إلى مقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخر، وأعلنت حركة حماس تبنيها للعملية، وأشارت أنها تأتي رداً على قصف مدرسة التابعين، وفي 12 أغسطس أطلق عنصران من حماس مُكلفين بحراسة المحتجزين في قطاع غزة، النار على ثلاثة منهم، ما أسفر عن مقتل محتجز إسرائيلي، وإصابة إثنين بجروح خطيرة، وربط الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة بين إطلاق النار و"المجازر" الإسرائيلية والتي كان آخرها مدرسة التابعين.
ثانياً: نوع العمليات
توزعت العمليات الفردية بين (17) عملية إطلاق نار، و(12) عملية طعن، و(5) دهس و(3) عمليات مزدوجة؛ تضمنت استخدام أداتين.
ومن بين (37) عملية فردية، أوقعت عملية إطلاق النار في القدس بتاريخ 30 نوفمبر 2024، أكبر عدد من القتلى بواقع (4).
- عمليات إطلاق النار:
1- أسفرت عمليات إطلاق النار عن وقوع أكبر عدد من القتلى والجرحى وبواقع (21) قتيل و(53) إصابة تقريباً.
2- وقعت (16) عملية إطلاق في داخل الضفة الغربية والقدس، وواحدة فقط في إسرائيل، وهي عملية أسدود في 16 فبراير 2024. كما استخدم إطلاق النار في ثلاث عمليات مزدوجة نفذت في إسرائيل، وهم عملية الرملة في 14 يوليو وعمليتان في تل أبيب.
3- وقعت أكثر عمليات إطلاق النار في رام الله ومحيطها، والقدس وقلقيلية ونابلس بواقع (3) عمليات في كل واحدة.
- العمليات المزدوجة:
1- أسفرت عن (3) قتلى وما يُقارب (24) إصابة.
2- وقعت ثلاث عمليات مزدوجة في إسرائيل استخدم خلالها (إطلاق النار والدهس والطعن).
3- من بين ثلاث عمليات مزدوجة، نٌفذت اثنتان في تل أبيب وواحدة في الرملة.
- عمليات الطعن:
1- أوقعت (7) قتلى و(12) إصابات تقريباً.
2- وقعت (8) من عمليات الطعن في الضفة الغربية والقدس، و(4) في إسرائيل، واستخدم الطعن كأداة ثانية في عمليتين بإسرائيل كلاهما في تل أبيب.
- عمليات الدهس:
1- أوقعت قتيلين و(21) مصاب.
2- وقعت (3) من عمليات الدهس في الضفة الغربية، وعمليتان في إسرائيل.
ثالثاً: نطاق العمليات
نفذت العمليات الفردية في (17) موقع مختلف، من بينهما (27) عملية في الضفة الغربية والقدس، و(10) في إسرائيل.
ويشمل نطاق العمليات الفردية الجغرافي كل من (القدس، تل أبيب، حيفا، الطيرة، بئر السبع، أسدود، جنوب النقب، الرملة، طولكرم، قلقيلية، نابلس، جنين، رام الله، البيرة، أريحا، الخليل، بيت لحم، الأغوار الشمالية)، نُفذت غالبيتها في القدس بواقع (9) عمليات، ثُم حوالي (4) عمليات في مركز الضفة الغربية وفي محيط رام الله والبيرة. وتوزعت العمليات على امتداد النطاق الجغرافي للضفة الغربية، حيث نفذ في شمال الضفة الغربية (5) عمليات في مناطق (نابلس وجنين)، و(4) عمليات في قلقيلية غرب الضفة الغربية، و(2) في جنوب الضفة في الخليل وبيت لحم، و(3) عمليات في أريحا والأغوار الشمالية. وفي إسرائيل وقعت عمليتان في كل من تل أبيب وحيفا وأسدود، وعملية واحدة في بئر السبع وجنوب النقب والرملة وفي مدينة كرميئيل بالجليل الأعلى.
ويُمكن تفصيل بعض بيانات العمليات كالآتي:
1- توزع القتلى الإسرائيليون وفق النطاق الجغرافي جراء العمليات الفردية، كما يلي: (7) في القدس، و(4) في نابلس، و(3) في كل من تل أبيب وأسدود و (2) في الجليل الأعلى وقلقيلية، وواحد في كل من رام الله والأغوار الشمالية والنقب.
2- أعلنت الفصائل المسلحة مسؤوليتها عن (3) عمليات فردية، منها عمليتين تبنتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وهي عملية القدس في 30 نوفمبر 2023، وعملية مستوطنة ناحولا في الأغوار الشمالية في 11 أغسطس 2024. وقد أسفرت عمليات كتائب القسام عن (5) قتلى، استخدم في جميعها إطلاق النار كأداة رئيسية أو مزدوجة. فيما تبنت "كتائب المجاهدين" عملية في منطقة الرملة بإسرائيل في 14 يوليو 2024. وجاءت أغلب العمليات من تنفيذ فرد واحد، باستثناء (4) عمليات نفذها فردان، ثلاث منها في القدس والضفة الغربية وواحدة في تل أبيب.
3- تمكن المنفذون في ثلاث عمليات وقعت اثنين منهما في تل أبيب وواحدة في حيفا من التسلل من الضفة الغربية إلى داخل إسرائيل بشكل غير قانوني.
4- نفذ فلسطينيو الداخل (5) عمليات فردية، ثلاث منها (طعن) وواحدة (دهس) وأخرى مزدوجة والتي تبنتها "كتائب المجاهدين" المذكورة سابقاً.
القراءة التحليلية للعمليات: نظرة مقارنة
تُظهر البيانات السابقة ما يلي:
النتيجة الأولى: ارتفاع أعداد العمليات الفردية، خلال الفترة الزمنية (7 أكتوبر 20232 -19 أغسطس 2024)، مقارنة بالعام 2022، والشهور التسع الأولى من العام 2023، حيث بلغت خلال العام 2022 قُرابة 12 عملية، وبلغت حتى سبتمبر 2023، حوالي 22 عملية.
يُفسر ذلك الارتفاع في سياق الحرب في قطاع غزة، خاصة وأن هُناك عمليات واضحة في أسبابها باعتبارها رداً على أحداث وقعت في غزة، مع ذلك يبقى الارتفاع في وتيرة تلك العمليات ضمن التصعيد المنضبط، وبشكل يتسق مع التصعيد في مختلف الأنشطة العسكرية والمدنية في الضفة الغربية في إطار المعارضة للحرب في غزة، ودون أن تأخذ شكل "الهبة" التي اتسمت بها العمليات الفردية خلال الأعوام (2015-2016).
النتيجة الثانية: جاءت العمليات الفردية أدنى في معدلاتها عند مقارنتها بالسنوات التي شهدت تصعيدًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن بينها:
1- سلسلة التصعيد التي اندلعت عام 2014 والتي ارتبطت بمحاولات تقسيم القدس واعتداءات المستوطنين حينها، بالإضافة إلى إحراق الطفل محمد أبو خضير من مخيم شعفاط في القدس في يوليو 2014، وثم إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما بنابلس في يوليو 2015. وما تبعها من مواجهات عُرفت باسم "انتفاضة القدس أو هبة السكاكين" عام 2015، إذ شهد العام 2015 قُرابة (186) عملية طعن، و(42) عملية دهس، قبل أن تنخفض في العام 2016 إلى حوالي (10) عمليات دهس و(50) عملية طعن.
2- التصعيد خلال العام 2021، بعد سلسلة من الأحداث من بينها محاولات تهجير أهالي الشيخ جراح في القدس، ونصب حواجز حديدية على أبواب المسجد الأقصى، وهو ما أدى إلى اندلاع مواجهات عُرفت بأسماء مثل "هبة أيار" أو "سيف القدس"، شملت قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وفلسطينيي الداخل، وقد شهد ذلك العام وفقاً لمصادر مفتوحة حوالي (47) عملية فردية توزعت بين (12) عملية إطلاق نار، و(30) عملية طعن، و(5) عمليات دهس.
تُفسر النتيجة الثانية؛ الاختلاف الملحوظ في وتيرة العمليات الفردية، ما بين صعودها وهبوطها، وارتباطها بالأحداث والمستجدات على الساحة الفلسطينية وأولوياتها، إذ ارتفعت بشكل غير مسبوق خلال الأحداث التي هددت تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى أو القدس، أو محاولات التهجير. حيث نفذت العمليات الفردية بوتيرة أعلى مُقارنة بالحوادث والمستجدات على الساحات الأخرى، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وعلى ما يبدو ينطبق ذلك التفسير على نتائج نطاق العمليات خلال فترة التحليل ووتيرتها؛ من حيث أن مدينة القدس شهدت أعلى عدد عمليات فردية خلال فترة الحرب، أما فيما يتعلق بالوتيرة، فإن ارتفاع الأعداد في شهر نوفمبر يرجع إلى الزيادة في خطاب ومخططات التهجير الإسرائيلية لسكان قطاع غزة، ففي أواخر أكتوبر سًربت وثيقة داخلية عن وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية غيلا غملائيل، قدمت فيها خطة لتهجير سكان غزة إلى سيناء، وفي نوفمبر أطلق أعضاء في الكنيست مبادرة لإجلاء سكان غزة إلى دول العالم التي توافق على استقبالهم، وفي الشهر نفسه صرح وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريش بأن إجلاء سكان غزة "هو الحل الإنساني الصحيح" لهم وللمنطقة، وكان قبل ذلك التصريح قد دعا إلى عزل فلسطينيي الضفة الغربية، ومن المُرجح أنّ تولّي سموتريش المسؤولية الإدارية المدنية الإسرائيلية على الضفة الغربية، قد غذى مخاوف أهالي الضفة من عودة طرح التهجير كخيار إسرائيلي لحسم الصراع.
ولا يمكن أن نُغفل في سياق الحرب الحالية، الإجراءات الإسرائيلية المشددة في الضفة الغربية والقدس وتجاه فلسطينيو الداخل والاستنفار الأمني والاستخباراتي وكثرة الحواجز وكثافة عمليات التفتيش، فمن المحتمل أن عدداً يوازي ما تم احصاءه أو يزيد يقع في عِداد العمليات المتعثرة والتي تم اكتشافها قبل أو لحظة تنفيذها.
مع ذلك؛ وبالرغم من انخفاض وتيرة العمليات الفردية خلال فترة الحرب، أو اتساقها ضمن مسار متذبذب مُقارنة بالسنوات السابقة عموماً، إلا أنها من حيث النوع شهدت سمات مستجدة، من بينها نقلها من سياق العفوية إلى التنظيم والتخطيط، ومن الأمثلة على ذلك، تنفيذ عمليات عبر التسلل من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وبالرغم من أن ذلك كان يُهدد بتعثر المهاجم نتيجة القبض عليه أو إحباط عمليته، إلا أن محاولات إظهار القدرة على تنفيذ عمليات داخل إسرائيل كانت حاضرة في ثلاث عمليات تسلل خلالها المنفذون بتصاريح غير قانونية، في وقت ألغت فيه إسرائيل المئات من تصاريح العمل لمواطني الضفة الغربية للحد من العمليات الفردية. وذلك في محاولة لإرباك المنظومة الأمنية الإسرائيلية. كما اتسع النطاق الجغرافي للعمليات، خلال فترة الحرب، إذ وقعت عمليات فردية على رقعة جغرافية واسعة طالت مختلف مدن ومناطق الضفة الغربية، ونُفذت في (7) مواقع ومدن إسرائيلية.
لكن؛ اللافت خلال فترة التحليل؛ هو الزيادة الكبيرة في العمليات الفردية التي استخدمت "إطلاق النار"، حيث جاءت في المرتبة الأولى مقارنة بعمليات الطعن والدهس، وهي مُمارسة حديثة نسبياً على الساحة الفلسطينية مُقارنة بالفترة (2015-2020)، والتي كانت تعتمد غالبيتها على الأدوات المتاحة من قبيل السلاح الأبيض أو السيارة، وهو ما يُشير إلى ارتباط العمليات الفردية، بالمجموعات الميدانية المسلحة، وزيادة إمكانيات الحصول على السلاح. واستثنائية ذلك؛ تأتي في سياق تشديد إسرائيل عملياتها الرقابية والأمنية والاستخباراتية، وإجراءات الاعتقال والاغتيال والاقتحامات الاستباقية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى القيود المفروضة على التنقل وتكثيف عمليات التفتيش على الحواجز العسكرية، وفرض الحصار على بعض المخيمات والمدن، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي منطقة جنين ومخيمها "منطقة عسكرية مغلقة" مرات عدة منها في نوفمبر 2023، ويونيو 2024 وغيرها.
وفي سياق متصل؛ تُظهر العمليات الفردية خلال فترة الحرب، التأثير السلبي على مشاعر الفلسطينيين بشكل خاص، والجمهور الإقليمي والدولي بشكل عام، فقد شهدت هذه الفترة حوادث غير مسبوقة من جهة منفذيها، ففي المرة الأولى من نوعها تجاوز أفراد من كتائب القسام مهامهم في حراسة المحتجزين، وأطلق اثنان منهما النار على ثلاثة إسرائيليين ما أدى إلى مقتل واحد وإصابة إثنين بجروح خطيرة، وفي حادثة أخرى؛ قتل أسير فلسطيني جندي إسرائيلي يعمل في معسكر عوفر، بعد يومين من الإفراج عنه، بعملية طعن في شقته في 8 يوليو. بالإضافة إلى حادثة السائح التركي الذي نفذ عملية طعن في القدس بتاريخ 30 أبريل.
وأخيراً؛ تُبين النتائج السابقة، التأثير الواضح لحالة الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني على العمل كساحة مشتركة وموحدة، باستثناء الحالات التي تُمس بها المسائل الأكثر مركزية في القضية الفلسطينية مثل الوضع القائم في القدس الشرقية والمقدسات الإسلامية، وكذلك ما يتعلق بالمخاوف الفلسطينية من التهجير، والمرتبطة بذاكرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويُظهر التحليل ارتباطاً ما بين العمليات الفردية والحرب في قطاع غزة، بوصفه ارتباطاً مساهماً ومعززاً وليس ارتباطاً قائماً بحد ذاته أو مسبباً رئيسياً، بالنظر إلى وتيرة العمليات ونطاقها ونوعها مقارنة مع الشكل الذي كانت عليه منذ انطلاقها في العام 2015، حيث تحافظ هذه العمليات على استمراريتها نظراً لضعف الفصائل والتنظيمات المسلحة في الضفة الغربية، وترتفع أو تنخفض العمليات الفردية وفق مسار الصراع بشكل عام، وهذا يُفسر ارتفاعها المحدود خلال فترة الحرب في قطاع غزة.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: