في العاشر من يناير عقد الجانبان الصيني والخليجي، بدعوة من بكين، اجتماعات ولقاءات في الصين استمرت خمسة أيام، كان التعويل فيها قوياً على "إحراز تقدم" في التفاوض على اتفاق للتجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، وهو أمر طرح لأول مرة عام 2004.
وفي حال التقدّم في إحراز خطوات في هذا الاتجاه فإن طابعاً من "المأسسة" سيسود العلاقات الصينية-الخليجية، وهو ما ترغب فيه الصين التي تمثّل دول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة لها أحد أهم شركائها التجاريين ومورّدي الطاقة في الشرق الأوسط. لكنّ هذا التفاؤل تحيط به تساؤلات عما إذا كان من المتاح فعلاً، الحديث عن "الخليج" كطرف واحد وموَّحَد، فالخلافات والتنافسات والتباينات موجودة، والحساسيات بين أعضاء "مجلس التعاون" ما تزال قائمة، وهذا يجعل فكرة التجارة الحرة بين العملاق الآسيوي ودول الخليج لا تنقصها التحديات. وهو ما تسلّط هذه الورقة التحليلية الضوء عليه.
مع ذلك، فإن ذلك الحذر لا يحجب حقيقة "قوّة الحافز" لدى الخليجيين لتطوير علاقاتهم مع بكين؛ إذْ من النادر أن يقوم مسؤولو دول الخليج بزيارات مكثفة وجماعية كهذه للصين في ظل انتشار وباء كورونا. تلك خطوة اعتبرها محللون جزءاً من استراتيجية "الاتجاه شرقاً" التي يسير الخليجيون نحوها. وعند هذا الحدّ ترى بكين أن الخليجيين تجاوزوا مرحلة الاختيار بين تعميق علاقاتهم مع الصين أو الحفاظ عليها عند عتبة ثابتة، فاختاروا المسار الأول، وباتوا يقدّمون بلدانهم كسوق واعدة للاستثمارات الصينية في مشاريع البنية التحتية مثل؛ الموانئ وسكك الحديد والتكنولوجيا وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. ولا شك في أن تداعيات التنافس الأمريكي-الصيني تلقي بثقلها على دول الخليج، وهو ما ستتطرق إليه هذه الورقة.
نقاط خمس
في اجتماعاتهم هذا الشهر، اتفق الطرفان الخليجي والصيني على نقاط خمس، تمثلت في:
1- ضرورة إقامة علاقات "شراكة استراتيجية".
2- التوقيع على خطة عمل مشتركة للحوار الاستراتيجي بينهما خلال 2022 و2025.
3- إتمام المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة.
4- إقامة منطقة للتجارة الحرة.
5- عقد الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في الرياض في الوقت المناسب للجانبين.
واتفق الطرفان بعد مباحثات أجراها عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، نايف فلاح مبارك الحجرف، في أعقاب استقباله (أيْ الوزير الصيني) وزراء خارجية السعودية والبحرين والكويت وسلطنة عُمان، وتلقيه مكالمة هاتفية من وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، كما أوردت وكالة الأنباء الصينية "شينخوا".
مفاوضات التجارة الحرة ومسوغات تعميق الشراكة
هناك العديد من المسوّغات الموضوعية التي تدفع كلاً من دول مجلس التعاون الخليجي من جهة والصين من جهة أخرى لتعميق الشراكة التجارية في ما بينهم. ومن وجهة نظر سفير سلطنة عُمان الأسبق لدى الصين، إبراهيم بن حمود الصبحي، فإن "خطوة توقيع اتفاقية تجارة حرة بين الصين ودول الخليج تأخرت" وبرأيه، "يجب أن تسير الأمور والعلاقات ما بين دول الخليج مع الصين بوتيرة أسرع، فالصين الآن هي القوة الاقتصادية الثانية في العالم".
وقد حثّت قمة "العُلا" الخليجية التي عقدت في المملكة العربية السعودية في يناير 2021، على ضرورة المضي قدماً في اتفاقية التجارة الحرة مع الصين؛ تأكيداً لأهمية العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية التي تجمع الجانبين.
وتعتمد المفاوضات بين دول الخليج والصين في التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة على الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي والاستثماري والفني الموقعة بين دول المجلس والصين في العام 2004، وكذلك مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين عام 2010، بحسب بيان للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف.
وإذا أردنا تعداد موجبات ومسوّغات اتجاه الطرفين لإتمام المفاوضات على اتفاق تجارة حرّة، أو على إنجاز الخطوات الخمس، آنفة الذكر، في غضون خمسة أعوام، فيمكن الإشارة إلى ما يلي:
1. تُعَدُّ دول مجلس التعاون الخليجي من أكبر مصدّري النفط والغاز الطبيعي في العالم، في حين أن الصين هي ثاني مستهلك للنفط في العالم؛ إذْ تستهلك يومياً 12.5 مليون برميل بعد الولايات المتحدة التي تستهلك نحو 17 مليون برميل يومياً. ومثَل النفط الخليجي نحو 30% من إجمالي واردات الصين النفطية من العالم في العام 2019، ومن زاوية أخرى يتعيّن على الجانبين الجلوس للتفاوض حول كيفية تحقيق أهداف إزالة الكربون بعد قمة المناخ (COP26).
2. خلال جولته الشرق أوسطية، التي شملت 4 دول خليجية في مارس 2021، أكد وزير الخارجية الصيني وانج يي، أن هدف بلاده مع دول مجلس التعاون الخليجي هو التوصل إلى اتفاقية حول التجارة الحرة بين الطرفين، وهو ما سوف يسهم في زيادة الصادرات والواردات بينهما، و"يثري المقومات الاستراتيجية للعلاقات بين الجانبين، ويسهم في تسريع وتيرة الانتعاش الاقتصادي في الصين ودول المجلس والعالم"، وفق قوله.
3. إن المضي قدماً في ملف اتفاق التجارة الحرة بين الجانبين وغيرها من النقاط الخمس يصبُّ في جهود الصين الهادفة إلى تحقيق أكبر قدر من المواءمة بين "مبادرة الحزام والطريق" والخطط التنموية الخليجية، خصوصاً خلال العقدين المقبلين.
4. بحسب المحلل الاقتصادي الكويتي حجاج بوخضور فإن إقامة منطقة التجارة الحرة بين مجلس التعاون والصين سيرفع كثيراً مستوى التحرير والتسهيل للتجارة وحوكمة المصالح التجارية والاقتصادية للطرفين، كما أن النوايا لعقد الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والصين في الرياض من شأنه تعزيز التواصل ومتابعة البرامج التنموية بين الجانبين. ويقترح بوخضور ضرورة إنشاء مكتب تنسيق كآلية للبدء في تنفيذ هذه الخطة .
5. في العام 2021، أصدر المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي بيانات تُظهر (كما في الجدول أدناه) أهم الشركاء التجاريين غير النفطيين لدول الخليج على مدى السنوات الـ10 الماضية. والذي احتلت فيه الصين المركز الأول على القائمة، بإجمالي 11.7 مليار دولار أمريكي، من الصادرات السلعية.
6. تساعد اتفاقية التجارة الحرة مع الصين الدول الخليجية وفي المقدمة منها دولة الإمارات العربية المتحدة، على إعادة تصدير البضائع الصينية إلى جهة ثالثة. وتؤكد السنوات القليلة الماضية عن وجود إرادة سياسية مشتركة بين الجانبين الخليجي والصيني؛ لتطوير آفاق التجارة البينية بينهما، حيث زادت معدلات التجارة من 90 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 178 مليار دولار عام 2019 وفقاً لبيانات البنك الدولي.
7. من شأن إبرام اتفاقية التجارة الحرة خلق فرص تجارية واستثمارية تعزز وتسهم في النمو الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، كما ستسهم، بحسب محللين، في زيادة الابتكار، وأيضاً ستسهم الاتفاقيات في تحسين استخدام الموارد، وتوجيه القطاعات الصناعية نحو الأكثر كفاءة وتنافسية، وهو ما سينعكس إيجابي على زيادة أجور العمال، وزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ما هو أبعد من التجارة
لا يقتصر الحديث عن مزايا اتفاقيات التجارة الحرّة على الجوانب التجارية المحضة فقط، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى الأبعاد الاستراتيجية والجيوبولتيكية.
ثمة صعود قياسي للاقتصاد الصيني على مستوى عالمي، وأصبح من الصعب للغاية على الاقتصادات الناشئة والمزدهرة أن تتجنب الانخراط مع العملاق الصيني، حتى في ظل تنامي المنافسة الاستراتيجية بين بكين وواشنطن، وهي منافسة لا تصب في صالح دول الخليج، التي باتت أكثر إصراراً على أن مستقبلها الاقتصادي لن يحقق قفزات نوعية بعيداً عن آسيا، وذلك يشمل، إلى جانب الصين، الهند واليابان وكوريا الجنوبية.
ويكفي للتدليل على أهمية الصين في التخطيط الاستراتيجي الخليجي الانتباه إلى تراجع العلاقة الخليجية بتايوان. من جهتها يشير النهج الصيني إلى سياسة خارجية طموحة إزاء منطقة الخليج منذ عقدين، وعليه فإن حماية وتطوير الشراكة الاستراتيجية بينهما يتطلب ما هو أكثر من التجارة؛ خاصة وأن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والحليف الأمريكي-الغربي في قضايا الأمن والدفاع. مختلفة اليوم عما كانت عليه في العقود الثلاثة الماضية.
وبحسب مراقبين، يتجلى حضور الجيوبولتيك في العلاقة الخليجية-الصينية في حقيقة أن وجود الأخيرة كجزء من المعادلات الجديدة في الشرق الأوسط يوسّع من "مساحة دول الخليج للمناورة في علاقاتها مع واشنطن ويضعها في موقف تفاوضي أقوى. ومع ذلك، فإن هذا الموقف لا يأتي من دون تكلفة؛ حيث إن دول الخليج لديها أيضًا شكوكها فيما يتعلق بعلاقة الصين الاستراتيجية الوثيقة مع إيران".
وقبل أكثر من عام، راقبت دول مجلس التعاون الخليجي توقيع أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم من دون الولايات المتحدة، في مشهد يعكس عمق التحولات في البيئة الاستراتيجية الدولية، التي لا تريد دول الخليج أن تغيب عن التكيّف مع حقائقها. فقد وقعت، في نوفمبر 2020، 15 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادي أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم، بما يشمل ثلث الاقتصاد العالمي. وجاءت اتفاقية "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" (Regional Comprehensive Economic Partnership) بعد ثماني سنوات من المفاوضات، وشاركت فيها الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. ومن المرجح أن تؤدي اتفاقية (RCEP) إلى تعزيز دور بكين المهيمن في المنطقة في مواجهة الولايات المتحدة، التي لم تشارك في الاتفاقية. وإذْ تشمل هذه الاتفاقية 2.1 مليار نسمة، فقد دفع ذلك رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ إلى القول بعد مراسم التوقيع الافتراضية (بسبب كورونا) "يظهر بوضوح أن التعددية هي الطريق الأمثل، ويمثل الاتجاه الصحيح لتقدم الاقتصاد العالمي والبشرية".
ويبدو أن دول الخليج والصين معاً لا يريدان أن يكونا خارج سياق هذا الاتجاه.
الفرص والتحديات
لدى استشراف الفرص والتحديات التي تنطوي عليها مفاوضات عقد اتفاق تجارة حرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين، يمكن الانتباه إلى جملة معطيات ومحددات؛ منها ما يلي:
· في تعليقه على زيارة أربعة وزراء خارجية من دول مجلس التعاون الخليجي إلى الصين في العاشر من يناير، حاول مسؤول كبير بالخارجية الأمريكية التقليل من أهمية زيارات المسؤولين الخليجيين، مؤكداً أن لكل دولة حقاً سيادياً في اتخاذ القرارات بناءً على مصالحها الخاصة، وأن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بشراكاتها في الخليج . وقال المسؤول: "نحن ندرك أن حلفاءنا وشركاءنا في المنطقة لديهم علاقات معقدة مع الصين، والتي لن تتوافق دائمًا مع علاقاتنا... ينصبُّ تركيزنا على سد الفجوات في مجالات مثل التكنولوجيا والبنية التحتية، والتي رأينا أن الصين تستغلها لممارسة ضغط قسري. سوف نعتمد على الابتكار والمنافسة في هذه المجالات."
· وعلى الأرجح، أن الولايات المتحدة لا تريد فقط أن تضغط باتجاه منع تنامي علاقات عسكرية أو أمنية خليجية - صينية أو إسرائيلية - صينية، وإنما أيضاً عدم تطوير العلاقات التجارية إلى الدرجة التي تفقد معها واشنطن ورقة ضغط على الصين، أو تفقد الولايات المتحدة هيمنتها القائمة منذ عقود على المنظومة الجيو-اقتصادية في منطقة الشرق الأوسط؛ لأن ذلك سيضعف في المحصلة موقفها أمام المنافسة مع الصين في آسيا، خاصة وأنه من الصعوبة الفصل التام بين التجاري والجيو-استراتيجي. ويشير باحثون إلى أنه "بعد سنوات من الشراكة ذات التوجه الاقتصادي، يسلّط هذا الاجتماع الخليجي - الصيني الضوء على أن موسمًا جيوسياسيًا جديدًا لما بعد أمريكا في الخليج قد أصبح حقيقة واقعة".
· إن دول مجلس التعاون الخليجي جزء أساسي في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية. ومن المرجح أن تنعكس عودة العلاقات السياسية بين دول المجلس منذ قمة العُلا في السعودية في يناير 2021، على فرص التوافق الخليجية مع الصين في أي اتفاق مرتقب للتجارة الحرة، والذي من شأنه أن يسهم في مواءمة الخطط التنموية الاستراتيجية المستقبلية لدول مجلس التعاون مع مبادرة الحزام والطريق، والتمكن من السير قدماً في باقي النقاط الخمس التي أشرنا إليها في بداية هذه الورقة.
· واجهت محادثات التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون التي تم إطلاقها عام 2004 تحديات عدة، لكن الوضع الحالي يخلق ظروفا مناسبة للمفاوضات، حيث تشهد التبادلات التجارية بين الطرفين نمواً مستمراً. ومنذ أن حققت الولايات المتحدة "استقلال الطاقة"، تراجعت وارداتها النفطية من الخليج، بينما ظلت الصين أكبر مستورد للمنتجات البتروكيماوية الخليجية. من جانب آخر، تلعب الصين دوراً محورياً في مساعدة دول الشرق الأوسط على تحويل اقتصاداتها والتخلص من اعتمادها على النفط. وسوف تشمل اتفاقية التجارة الحرة -حال التوصل إليها- تسهيلات في التجارة والخدمات والاستثمارات، بما يساعد الجانبين على توسيع التعاون في المجالات الناشئة مثل الاقتصاد الرقمي والطاقة الجديدة والذكاء الاصطناعي، ودعم التنويع الصناعي.
· ومن وجهة نظر قريبة من الصين، تعكس القيمة العالية التي تضعها الصين لدول مجلس التعاون الخليجي أهميتها المتزايدة؛ فعلى الرغم من أن علاقتهما تُصوَّر أحيانًا أنها تقتصر على الموارد النفطية، إلا أن الواقع الاقتصادي أكثر تعقيدًا بكثير. وتنوّه وجهة النظر هذه إلى أن التبادل الاقتصادي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي نما على مدار العشرين عامًا الماضية. حيث العلاقة لم تعد تقتصر على الطاقة فقط، ولا تعمل في اتجاه واحد. وبدلاً من ذلك، فقد أصبحت عملية ثنائية الاتجاه وتنوعت وتعمقت لدى الطرفين لتشمل تطوير أشكال الطاقة المتجددة وإنشاء البنية التحتية والتصنيع. بالإضافة إلى ذلك، بدأت أيضًا في الانتقال إلى أشكال أخرى أكثر تقدمًا وذات قيمة مضافة للنشاط الاقتصادي، بما في ذلك الاستثمارات في القطاعات المالية والخدمية والأمن السيبراني والرعاية الصحية والرقمنة.
الخلاصة والاستنتاجات
إنّ التعاون والشراكة بين الصين ودول مجلس التعاون ليس جديداً، بل إن الطرفين قطعا شوطاً طويلاً في توثيق علاقاتهما؛ فهناك شراكة استراتيجية شاملة (وهو أعلى شكل من أشكال الاعتراف والتعاون الدبلوماسي الذي يمكن أن تقدمه الصين لدولة أخرى) بين الإمارات والسعودية من جهة والصين، وهناك شراكة استراتيجية (وهي المستوى التالي من التعاون الاستراتيجي الذي تقدمه الصين) بين قطر وعُمان والكويت من جانب والصين من جانب آخر، ما يعكس تنامي أهمية الطرفين لبعضهما بعضاً؛ وضمن معادلة رابح-رابح.
مع ذلك، فإن ثمة من يلفت النظر إلى أن تحديات وصعوبات وربما موانع إقامة اتفاقية تجارة حرة بين الكتلة الخليجية ككل والصين تبقى قوية، ليس فقط بسبب صعوبة الحديث عن "الخليج" كطرف واحد موحَد، بل أيضاً لأسباب اخرى، يختصرها محللون في نقطتين، ويبنون عليهما نتيجة مفادها بأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي ليست مضمونة بأي حال من الأحوال وإن كانت محفزات الإقدام على توقيعها قوية، وبالتالي فإن حدوثها ليس مستبعداً. هاتان النقطتان هما:
أولاً، أنه برغم المصالحة الخليجية التي جرت في قمة العُلا الخليجية في يناير 2021، فإن احتمالات أن تعود الخلافات مع دولة قطر مرة أخرى واردة، إذْ إن أزمة 2017، لم تكن الأولى من نوعها، بل كانت هناك تجارب خلاف وتوترات مماثلة، وإن أقل وقعاً، في 2014 وقبل ذلك.
وثانياً، أن الإصلاحات الهيكلية المطلوبة داخل مجلس التعاون للحديث ككتلة اقتصادية واحدة واجهت، وما تزال، صعوبات وتحديات؛ حيث ثمة مقترحات ومشروعات واسعة للعمل المشترك، سرعان ما تتأجل أو تتوقف، ويبدو بعد ذلك أن التعاون الثنائي بين دول المجلس نفسها أو مع غيرها من الأطراف الإقليمية والدولية قد يتقدم على العمل الجماعي. لقد تم اقتراح شبكة كهرباء مشتركة بين دول "مجلس التعاون الخليجي" في كل من عامي 2009 و 2011. كما تم اقتراح عملة مشتركة، ولكن بعد انسحاب عُمان من المشروع في عام 2006 والإمارات العربية المتحدة في عام 2009، فإن هذه الفكرة ولدت ميتة فعليًا.
وبالنظر إلى هذا التاريخ، فإن احتمالات إحراز مزيد من التقدم في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة ليست واعدة بالضرورة. فمع هذه القيود والتحديات، إلى جانب إكراهات التنافس الأمريكي - الصيني وتداعياته على دول مجلس التعاون، تتقلص مساحة الفرص المتاحة لتحقيق اتفاقية التجارة الحرة.
إن إتمام الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)- أكبر كتلة تجارية في العالم، والتي تضم الصين كعضو- قد تكون تذكيراً مفيداً لدول الخليج العربي بقيمة التجارة الحرة، والأهم أن اجتماع وزارء خارجية دول مجلس التعاون في الصين هذا الشهر، ربما تجسد مستقبلاً أكثر انسجاماً في سياسات دول الخليج الخارجية، وهو أمر يُمكن أن ينبئ بالمزيد من فرص النجاح في المستقبل.
*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: