المقدمة
على الرغم من أنّ الاتصال الهاتفي الذي جرى بين جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، والرئيس السوري بشار الأسد، في أكتوبر 2021، وزيارة الأخير لدولة الإمارات العربية المتحدة في مارس 2022، يمثلان ذروة الانفتاح العربي على سوريا منذ تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية في العام 2011، فإن هذا الانفتاح يعود إلى عام 2015 معبراً عن نفسه في الكثير من المظاهر والتحركات التي جسدت إدراكاً عربياً متصاعداً لخطورة الاستمرار في عزل سوريا وأهمية إعادتها إلى سياقها العربي، خاصة في ضوء استقراء تجارب التاريخ العربي القريب وبشكل خاص في التعامل مع العراق.
وتنطلق هذه الورقة من افتراض أساسي هو: أنه على الرغم من معارضة أو تحفظ بعض الأطراف في المنطقة حول الانفتاح على سوريا أو استعادتها لموقعها في جامعة الدول العربية، فضلاً عن معارضة الولايات المتحدة الأمريكية التي عبرت عن موقفها بشكل صريح من هذه القضية أكثر من مرة، فإن مسار الانفتاح العربي على دمشق سيمضي في طريقه إلى نهايته، لأنه يستند إلى اعتبارات واقعية وموضوعية ومصالح حقيقية من ناحية، ويلقى تأييداً من قبل قوى عربية رئيسية ومؤثرة من ناحية أخرى، ويمكن أن يكون اجتماع القمة العربية في الجزائر في نوفمبر المقبل هو الاجتماع الذي يتم فيه اتخاذ قرار عودة دمشق إلى الجامعة العربية.
مظاهر ومؤشرات
شكلت زيارة وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم، إلى العاصمة العُمانية مسقط في عام 2015، أولى مؤشرات التواصل العربي مع سوريا منذ العام 2011، فقد كانت الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول سوري إلى دولة عربية، تبعها في العام ذاته خطوات عربية أخرى، عندما أعادت تونس فتح سفارتها في دمشق، وإن لم ترسل مبعوثاً على مستوى سفير، وفي عام 2018 أعادت كلاً من الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في سوريا، وفي عام 2019 أرسل الأردن قائماً بالأعمال إلى دمشق، وفي يناير من العام ذاته قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، إن بلاده تدعم دعوات بعض الدول العربية لعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، مشيراً إلى إنه "يجب أن يكون هناك تنسيق عربي بشأن عودة سوريا للجامعة العربية، وفي 2020، أعلنت موريتانيا تعيين سفير لها لدى سوريا.
وفي مارس 2021 طالبت كل من الإمارات والسعودية بعودة سوريا إلى الحاضنة العربية، وأعرب وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عن دعم الرياض لعودة سوريا إلى محيطها العربي، مؤكداً أن الحل "في سوريا لن يكون إلا سياسياً"، وفي أبريل2021، أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، خلال استقباله في بغداد أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيظ، تأييد بلاده لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وفي مايو 2021 زار وزير السياحة السوري، المملكة العربية السعودية، وهي أول زيارة لمسؤول حكومي سوري للرياض منذ 2011، وفي الشهر ذاته أرسلت المملكة رئيس استخباراتها إلى دمشق لإجراء محادثات مع نظيره السوري.
وفي سبتمبر 2021 التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري، بنظيره السوري فيصل المقداد، للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات، وذلك خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث أعلن الوزير المصري بعد اللقاء تأييده لعودة سوريا "كطرف فاعل في الإطار العربي".
وفي السياق ذاته، تُدلل التقارير حول لقاء وزير الخارجية السوري مع تسعة وزراء عرب على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، على التقدم الذي لحق بمسار الانفتاح العربي على دمشق، واتساع الرغبة العربية في استعادة سوريا لموقعها ضمن سياقها العربي.
إلى جانب ذلك استضافت العاصمة الأردنية عمّان، في 8 سبتمبر 2021، اجتماعاً لوزراء طاقة مصر، وسوريا، ولبنان؛ لبحث سبل تعزيز التعاون لإيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، وفي 28 سبتمبر 2021 قام وزير الدفاع السوري بزيارة الأردن، حيث أجرى محادثات مع رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية، تناولت أمن الحدود ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، وفي نوفمبر 2021 قام وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، بزيارة إلى دمشق التقى خلالها الرئيس السوري، بشار الأسد.
ولعل من الإشارات المهمة في هذا الخصوص أن الجزائر التي من المقرر أن تستضيف القمة العربية في نوفمبر المقبل 2022، من الدول المتحمسة لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتعمل على الدفع في هذا الاتجاه من خلال دعم مصر والأردن ودول الخليج العربي، ويُذكر هنا أن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، قال بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق في 2021، إنه "آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية ومقعدها في الجامعة يجب أن يعود إليها".
ملاحظات أساسية
بشكل عام، تطرح مظاهر التقارب والانفتاح العربي على سوريا خلال السنوات الماضية، عدة ملاحظات أساسية أهمها:
1. من الواضح أنّ الانفتاح العربي تجاه سوريا يسير في خط صاعد منذ عام 2015؛ حيث بدأ متردداً وخجولاً وأحياناً سرياً، ثم تحول تدريجياً إلى تحرك علني وجاد. وبعد أن كان يقتصر على التواصل ضمن المستويات الدنيا، تحول إلى التواصل على أعلى المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية. وهذا ينطوي على معانٍ مهمة فيما يتعلق بمستقبل هذا الانفتاح، وما تحمله الشهور المقبلة حتى موعد القمة العربية المقررة في نوفمبر المقبل.
2. على الرغم من أنّ زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات في مارس 2022، كانت أكبر مظهر من مظاهر الانفتاح العربي على سوريا، فإنّ أولى الخطوات العربية، غير المسبوقة في التواصل على مستوى القادة، كانت من خلال الاتصال بين جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين والرئيس السوري بشار الأسد في أكتوبر 2021. وهذا يشير إلى أنّ الأردن من أكثر الدول العربية اهتماماً بالانفتاح على سوريا، ويبدو أنها تلعب دوراً فاعلاً في التحرك العربي تجاه سوريا.
3. من الواضح أنّ الانفتاح على سوريا يحظى بدعم كبير وشبه كامل على مستوى مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر، حيث تُؤيد كلاً من دولة الإمارات وسلطنة عُمان والبحرين بشكل صريح عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، كما سبقت الإشارة.
ومن الواضح أن السعودية تؤيد من حيث المبدأ، عودة سوريا إلى الجامعة العربية، لكنها ربما تربط ذلك بخطوات من دمشق تجاه النفوذ الإيراني على الساحة السورية. أما الكويت التي ربطت فتح سفارتها في دمشق بقرار عربي جماعي من قبل جامعة الدول العربية، فإنها أكدت على لسان وزير خارجيتها أن بلاده ستكون "في غاية السعادة" بعودة سوريا إلى "الأسرة العربية"، وأنّ سوريا "دولة محورية ومهمة لأمن واستقرار المنطقة". وهذا يعني أن الموقف الخليجي يؤيد الانفتاح العربي على الجمهورية العربية السورية.
4. بالنسبة إلى مصر والعراق، فإنهما مؤيدتان رئيسيتان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وقد كان التواصل المصري السوري سابقاً للعام 2015، أما العراق فإنه من الدول التي لم توافق على قرار جامعة الدول العربية في عام 2011 بتعليق عضوية سوريا إضافة إلى لبنان واليمن.
5. على مستوى المغرب العربي، فإنّ عودة سوريا إلى السياق العربي تحظى بدعم عام هناك، كما سبقت الإشارة، ولدى الجزائر، مستضيفة القمة العربية المقبلة، حماسة كبيرة لإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية وإلغاء قرار تعليق عضويتها.
وهذا يعني أن عودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية يحظى بتأييد عربي عام.
الأسباب والمنطلقات
ما سبق يدعو لطرح تساؤل أساسي هو: ما هي الأسباب والمنطلقات التي تقف وراء الانفتاح العربي على سوريا بعد قطيعة استمرت منذ عام 2011؟
وفي الإجابة على هذا السؤال يمكن الإشارة إلى الآتي:
1. إعادة التموضع الإقليمي: لا يمكن الفصل بين تسارع الانفتاح العربي على سوريا وما يجري من إعادة تموضع استراتيجي إقليمي في المنطقة، خاصة في ظل التغيرات التي لحقت بسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لجهة تراجع الاهتمام بالمنطقة وقضاياها وأزماتها لمصلحة التركيز على الحضور في منطقة المحيط الهادئ في مواجهة الصين وروسيا. وفي هذا السياق بدأت القوى العربية تعيد حساباتها الاستراتيجية لتعزيز الجبهة العربية ومنظومة العمل العربي المشترك.
2. سياسات عربية أكثر استقلالية عن واشنطن: كما لا يمكن فصل التقارب العربي مع سوريا، خاصة خلال العامين الأخيرين، عن الاتجاه نحو اتباع سياسات أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة الأمريكية من قبل العديد من الدول العربية. حيث لم يثني موقف واشنطن المعارض بقوة أي تواصل عربي مع دمشق، دول عربية عدة، وحليفة لواشنطن، عن مواصلة حراكها تجاه دمشق، بل والارتفاع بمستوى هذا الحراك بشكل ملحوظ. وهذا يقع ضمن اتجاه تبلور خلال الفترة الأخيرة وظهر في أزمة أوكرانيا التي ظهر الموقف العربي فيها بعيداً عن تأييد الولايات المتحدة، بل ومتحدٍّ لها كما هو الحال في رفض الإمارات والسعودية الاستجابة للمطالب الأمريكية برفع إنتاج النفط للسيطرة على الارتفاع في الأسعار.
3. الصمود السوري: أحد أهم أسباب الانفتاح العربي على سوريا هو قدرة سوريا على الصمود خلال السنوات الماضية في مواجهة الضغوط الصعبة التي تعرضت لها، ونجاح الحكومة في استعادة السيطرة على الغالبية العظمى من الأرض السورية.
4. تخفيف أعباء اللاجئين: منذ عام 2011، تحملت دول عربية أعباءً كبيرة نتيجة لاستضافتها للاجئين السوريين، في مقدمتها الأردن، ومن ثمّ فإنّ هذه الدول ترى في عودة سوريا إلى وضعها الطبيعي في جامعة الدول العربية ما يخفف عنها بعض هذه الأعباء. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أنّ هناك نحو 1.3 مليون لاجئ سوري في الأردن، يبلغ عدد المسجلين منهم في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نحو 669,497 لاجئا، حيث قال وزير التخطيط الأردني، إنّ عمّان تحتاج 2.4 مليار دولار من المانحين الدوليين لتلبية احتياجات هؤلاء اللاجئين.
وحتى تركيا، التي تتبنى موقفاً عدائياً تجاه الحكومة السورية، ربما تجد من مصلحتها دمج سوريا في سياقها العربي وعودتها إلى وضعها الطبيعي، لأن هذا من شأنه أن يمهد الطريق لعودة اللاجئين السوريين لديها البالغ عددهم نحو 3.6 مليون لاجئ وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
5. محاصرة النفوذ الإيراني: من أبرز أهداف التحرك العربي تجاه سوريا، وخاصة على المستوى الخليجي، محاصرة نفوذ إيران على الساحة السورية، من منطلق أن تعريض سوريا للعزلة في إطارها العربي قد مثّل فرصة لإيران خلال السنوات الماضية لتعزيز حضورها فيها. وفي هذا السياق أشارت تقديرات إلى أنّ سوريا نفسها ربما لديها رغبة في التخلص هذا النفوذ الذي تصاعد بعد 2011 بشكل كبير، وهو ما يتضح من طرد جواد غفاري، المعروف أيضا باسم "العميد أحمد مدني"، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا بأمر من الرئيس بشار الأسد، وقالت مصادر إعلامية إن سوريا طالبت يمنيين موالين للحوثيين بمغادرة أراضيها ورفضت تمديد إقاماتهم، إضافة إلى اتخاذها للعديد من القرارات التي هدفت إلى تقليص نفوذ إيران وحلفائها.
6. دعم خطط السلام الإقليمي: يُنسب إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، قوله إنه "لا حرب في المنطقة بدون مصر، ولا سلام بدون سوريا". ومن هذا المنطلق ربط البعض بين تحرك بعض الدول العربية تجاه الانفتاح على سوريا وبين رغبتها في توسيع مسار السلام الإقليمي.
7. الدور الروسي: شجعت روسيا عودة سوريا إلى السياق العربي، وعملت على المساعدة في تذليل بعض الخلافات بين دمشق وعواصم عربية ومنها الرياض. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى زيارة مبعوث روسيا لشؤون التسوية السورية، ألكسندر لافرنتييف، إلى العاصمة السعودية حيث التقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وإلى دمشق ولقاءه الرئيس بشار الأسد، بتاريخ 20 يناير 2022، وهو التحرك الذي تم النظر إليه على أنه محاولة روسية للتوسط بين دمشق والرياض لتمهيد الطريق لعودة سوريا إلى الجامعة العربية. كما كانت أحد موضوعات زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للرياض في مارس 2021، وهو الذي كان قد دعا في ختام أعمال منتدى التعاون العربي الروسي في أبو ظبي في فبراير 2017 إلى إنهاء تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، وكذلك خلال لقائه المجموعة الوزارية العربية في موسكو في أبريل 2022، قال إن مسألة عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية ستحل قريبًا، وعبّر عن أمله بحصول ذلك.
ويأتي دعم موسكو عودة سوريا للجامعة العربية في سياق دعمها للحكومة السورية من ناحية، ومناوئتها للسياسة الأمريكية التي ترفض هذه العودة وتتبنى موقفاً متشدداً ضد أي خطوة عربية تجاه دمشق، من ناحية أخرى، إضافة إلى قلقها تجاه نفوذ إيران في سوريا.
ومن هذا المنطلق، فإنه من المتوقع أن يزيد اهتمام روسيا بتذليل العقبات أمام عودة سوريا للحاضنة العربية في ظل أزمة أوكرانيا وما أدت إليه من احتدام العداء بين روسيا والولايات المتحدة، ومن ثم تباعد مواقف الطرفين تجاه القضايا العالمية والإقليمية ومنها الملف السوري.
8. الانسحاب الأمريكي من سوريا: منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تصدر الولايات المتحدة إشارات على انسحابها العسكري من سوريا، خاصة بعد إعلانها الانتصار على تنظيم داعش هناك على الأرض، وهذا أثار مخاوف عربية من فراغ في سوريا تعمل إيران على ملئه والتمدد فيه.
معوقات أمام الانفتاح
على الرغم مما سبق، فإنّ هناك بعض المعوقات التي لا يُستهان بها في طريق عودة سوريا الكاملة، بقرار جماعي عربي، إلى الحاضنة العربية، لعل أهمها:
1. موقف إيران: على الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، قال إن بلاده "ترحب بتطوير العلاقات بين سوريا وبعض الدول العربية"، فإنّ طهران تدرك أن التحرك العربي تجاه دمشق يستهدفها في المقام الأول، ولذلك سوف تعمل بكل قوة من أجل تعطيل وإعاقة العلاقات العربية-السورية، خاصة أنها تمتلك عدد من أدوات التأثير في سوريا والتي عملت على بنائها خلال السنوات الماضية. وتنظر إيران إلى نفوذها في سوريا على أنه أحد أهم مرتكزاتها الاستراتيجية، ولذلك سوف تدافع عنه بكل السبل الممكنة.
2. الموقف الأمريكي: عبرت واشنطن، أكثر من مرة، عن معارضتها للتعامل العربي مع سوريا، فضلاً عن ذلك تتبنى الولايات المتحدة عقوبات على سوريا، تمثل أحد العوائق المهمة لبناء علاقات عربية طبيعية معها، خاصة على المستويات الاقتصادية والتجارية. ويبرز في هذا الشأن "قانون قيصر" الأمريكي الذي يستهدف أي فرد أو كيان يتعامل مع الحكومة السورية بغض النظر عن جنسيته، ويركز على ثلاثة قطاعات هي: الجيش؛ وصناعة النفط والغاز المحلية؛ وإعادة الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها الدولة. وهو ما انتقده وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان في مارس 2021 بالقول: إن "عودة سوريا إلى محيطها أمر لا بد منه، وهو من مصلحة سوريا والمنطقة ككل، والتحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر.. قانون قيصر يعقّد عودة سوريا إلى محيطها العربي وعودتها إلى الجامعة العربية".
لكن ربما يقلل، بعض الشيء، من تأثير المعوّق الأمريكي، أن اهتمام واشنطن بالملف السوري قد تراجع خلال السنوات الأخيرة، وتحدثت تقارير عن توجه أمريكي للانسحاب العسكري من الأراضي السورية، كما سبقت الإشارة، وفي هذا السياق نقل أحد التقارير عن ديفيد ليش، الخبير في الشأن السوري بجامعة ترينيتي بولاية تكساس الأمريكية قوله، إن "حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن دمشق والسماح بعودة اندماجها في المحيط العربي. ويبدو أنّ إدارة بايدن تستمع لذلك إلى حد ما".
الخلاصة
في ضوء كل ما سبق، يمكن القول إنه على الرغم من بعض المعوّقات أمام الانفتاح العربي على سوريا، فإنّ دوافع ومحركات هذا الانفتاح تأخذ قوة زخم كبيرة، ومن ثم يتحول بشكل تدريجي إلى واقع لا يمكن تجاهله أو إعاقته من قبل القوى الإقليمية أو الدولية.
ولذلك فإنّ القمة العربية المقبلة ربما تتخذ قرار عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، وقد نقلت تقارير عن محمود خليفة المستشار العسكري للأمين العام لجامعة الدول العربية، قوله في فبراير 2022 إن عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة " ستكون قريبة جداً".
وحتى لو لم يتم التوصل إلى توافق عربي حول عودة سوريا للجامعة العربية في القمة العربية المقبلة، فإنّ هذا لن يمنع حركة الانفتاح العربي على سوريا من المضي قدماً إلى الأمام، لأنّ الأمر بات يتعلق بتحولات إقليمية ودولية عميقة، ومصالح استراتيجية عليا للعديد من الدول العربية المؤثرة في السياسة العربية والإقليمية.
فضلاً عما سبق فإنّ هناك ثلاثة عوامل تدعم عودة سوريا لإطارها العربي هي:
1. التقارب العربي-التركي خلال الفترة الماضية، والذي عبّر عن نفسه بزيارتي الرئيس التركي إلى كل من الإمارات والسعودية، وتراجع التوتر بين القاهرة وأنقرة. وهذا يفتح المجال لتفاهم عربي-تركي بشأن سوريا يتجاوز موقف أنقرة المتشدد من دمشق.
2. رغم موقف قطر المعارض لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، فإنّ التحولات في المنطقة، والتحسن الكبير الذي طرأ على علاقاتها مع مصر، يمكن أن يساهم في تخفيف هذه المعارضة، خاصة إذا حدث تحول أو تغير في موقف الحليف التركي.
3. على الرغم من المعارضة الأمريكية لإعادة إدماج سوريا في العالم العربي، فإنّ تراجع أهمية الملف السوري في الأجندة الإقليمية الأمريكية، يجعل هذه المعارضة غير مؤثرة إلى حد كبير، ويمكن وضعها ضمن سياق تسجيل المواقف دون نية لاتخاذ خطوات عقابية حقيقية على الدول العربية التي تتحرك تجاه سوريا وتشجع على الانفتاح عليها.
*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: