تعليق من المحرر: يُرجى الأخذ بعين الاعتبار، أن الدراسة تناولت المُؤشّرات الكلية للاقتصاد الأردني بناء على ما هو موجود فعلًا من أرقام وسنوات سابقة، وندرك أنّ مُتغّير الأزمة الروسية الأوكرانية قد يُغيّر من هذه التوقعات، او يُؤثّر على بعض الأرقام في سياق تطور هذه الأزمة، لذلك سيكون هناك دراسة مُنفصلة لاحقًا تتناول تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية بشكل خاص على المشهد الاقتصادي الأردني.
مقدمة
تفرض الحاجة والتحديات القائمة غالبا، نظرة إلى المستقبل. ومع أن النظرة الأبعد محمّلة بالكثير من عناصر قد يشوبها نوع من الغموض وعدم الوضوح، إلا أن هناك من المعطيات والآمال ما يسود فيها اتجاهات نحو حالة جديدة من التعافي والنهوض في الجوانب السياسية والاقتصادية في الأردن. وفي هذا الإطار تأتي أهمية استعراض عددًا من الملامح والصعوبات الأردنية التي يحملها ما تبقى من العام 2022 على المستويين؛ الاقتصادي، والسياسي.
وانطلاقا من أنماط سائدة، وتحوّلات محورية، سوف تحاول هذه الورقة أيضا طرح بعض الافتراضات والتحديات لأبرز ملامح المشهدين في المملكة، على المستوى المحلي والإقليمي، خلال هذا العام. والورقة في ذلك، إذ تستبعد نوعا ما وقوع أحداث صادمة "shocking events"، كتلك التي أحدثتها جائحة "كوفيد-19" في مختلف أرجاء العالم، والتي لا تزال بآثارها ماثلة إلى هذه الساعة، فإنها تبني بعض التقديرات استنادًا إلى ما هو محتمل من تطورات للحالة الوبائية، وما يرتبط بها على الصعيد الاقتصادي خصوصا.
ومع ذلك، فإن الافتراض الذي تمّ تبنّيه هو أن الجائحة في طريقها إلى الانحسار، وأن بداية التعافي التدريجي، الصحي والاقتصادي، هي التي ستسود في العام 2022. إلا أنّ هذا وحده لا يكفي للخروج بالبلاد من الآثار السلبية للجائحة، خصوصا وأن الصعوبات والتحدّيات والمشكلات الاقتصادية سبقت الجائحة بسنوات، وجاءت الجائحة لتزيد في أعبائها.
وأما سياسيا، فتحاول الورقة رسم صورة تقريبية للمشهد السياسي الأردني المتوقَّع في العام 2022، على المستوى المحلي وفي التفاعل مع البيئتين الإقليمية والدولية، بشيء من التمهّل والحذر؛ فما هو إقليمي أو دولي، يتقرّر أساسًا بحكم التفاعلات والأحداث والمواقف في هذين المحورين، وهذا هو العامل المقرّر والحاسم في الموقف الأردني منهما في أغلب الأحيان.
الواقع الاقتصادي: من المعطيات إلى آفاق 2022
يمكن القول إن الاقتصاد الأردني في العام 2022، يأتي وسط مناخ عالمي يتّسم بالتحديات الكبيرة في ظل اضطرابات إقليمية ودولية، إلى جانب التداعيات والصعوبات التي فرضتها جائحة (كوفيد – 19) على مختلف مفاصله، إذ تُظهر بعض المؤشرات الاقتصادية الأردنية الهامة للأعوام الماضية (قبل تأثير كوفيد-19)، تواضع نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، إذ بلغ 2% مقابل الحد الأدنى المطلوب لتوفير فرص العمل، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وهو 5%، ومقابل المرجو تحقيقيه واقعيا (6%-8%).
كما أنّ النمط السائد لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للفترة منذ العام 2010 حتى العام 2019 (ما قبل الجائحة) يُبيّن أن نسبة النمو تراوحت بين 1.9% و 3.4%، استنادًا إلى بيانات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2020. وعلى الرغم من ذلك، حمل العام المنصرم 2021 بطياته مؤشرات إيجابية، إذ بلغ معدل النمو الاقتصادي الحقيقي للمملكة 2.1% خلال الأشهر التسع الأولى بحسب بيانات البنك المركزي الأردني. وفي هذا السياق، ومع تداعيات وثقل ظروف جائحة "كوفيد-19" وآثارها الماثلة -والتي ستبقى فاعلة بدرجة أو بأخرى- في العام 2022، توقعت التقديرات زيادة الناتج المحلي الإجمالي الأردني ليصل إلى نحو 3% في الأعوام (2023-2025).
وفي ضوء ذلك، وبالنظر إلى النتائج التي خلفتها تلك الجائحة على اقتصاديات دول العالم ومن بينها الاقتصاد الأردني، إلا أن عام 2022 سوف يشهد تحسّنًا في رفع مُعدلات النمو الاقتصادي، وزيادة حجم الصادرات، وتحسين الآداء الاقتصادي، الذي يوفّر فرصا أقوى للنمو والتشغيل حسب الخطط التي أعلن عنها البنك المركزي الأردني، وتبرز في هذا المجال أهمية الرهان والبناء على دور القطاع الخاص الذي يُعوّل عليه، بأن يكون رافدًا فاعلًا مع القطاع الحكومي (العام)، في الاتجاه نحو تحفيز وتفعيل الاستثمار المحلي، وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة. ولعل العام الحالي مرشّح ليشهد تطوّرا على هذا الصعيد، وهو تقدير له ما يبرّره في ظل التوجهات الحكومية في خططها الاقتصادية التي أعلنت عنها لتنفيذها هذا العام.
ومن ناحية أخرى، وبالنظر إلى أبرز معالم العام الحالي محلياً -من الواقع إلى التطلّعات المستقبلية-، وفي ظل حزمة من الإجراءات الانفتاحية الحكومية التي تستهدف إعادة الزخم للاقتصاد وتحريك عجلة نموّه، فإنّ أبرز التوجهات الحكومية والمؤسساتية الأردنية خلال هذا العام وفيما تبقى منه، سوف تتركز بما يلي:
- في المجال الزراعي: يمكن القول إنّ حال القطاع الزراعي "الصعب" ليس وليد أزمة وباء كورونا فقط، بل ممتد -وفق مختصين- منذ 10 سنوات ماضية، وقد أضحى القطاع الزراعي عاملا "لهجرة المزارعين والمستثمرين"، ما يُشكّل ذلك خطورة على الأمن الغذائي في ظل تراجع المساحات المزروعة، وتناقص أعداد القلة القلية الصامدة من المزارعين. وفي ظل مواجهة هذه المعضلات ومعالجتها أعلنت وزارة الزراعة الأردنية وبتوجيه ملكي مباشر لرفد هذا القطاع عن الخطة الوطنية الأردنية للزراعة المستدامة 2022-2025، وذلك بهدف تحسين الظروف المعيشية للمزارعين، والعمل على زيادة إنتاجية القطاع الزراعي، وقد تضمّنت هذه الخطة الوطنية 73 مشروعًا طموحًا تُساهم في حلول مشاكل القطاع الزراعي، واستحداث مشاريع جديدة، بتكلفة اجمالية بلغت 379 مليون دينار، فضلًا عن توجّهات حكومية أخرى للاستفادة من طاقات زراعية وصناعية ومن دور قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خلال هذا العام، وعدم الركون إلى الاقتصاد الخدمي على حساب القطاعات الإنتاجية بشكل حادّ؛ ولقد بيّنت الجائحة خصوصا، أهمية هذا التوجّه.
- مُعضلة البطالة: في ظل إدراك واقع أن النمو الاقتصادي الذي تحقق في بعض الفترات السابقة لم يفلح في الحد من نسب البطالة؛ شدّد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين على أن يكون العام 2022 عاما تتجه فيه الدولة إلى تحقيق أقصى ما يمكن من تكثيف العمل والتنسيق بين مؤسساتها المختلفة لمعالجة هذه المشكلة، ومواصلة تقوية الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنتاج فرص عمل جديدة، بالإضافة الى أهمية تعزيز الشراكات مع الدول العربية، خصوصا فيما يتعلّق بجذب الاستثمارات وإقامة المشروعات الكبرى، خاصة في قطاعات الزراعة والطاقة والنقل. وتبرز الحاجة هنا إلى أهمية وضع برامج واستراتيجيات مستقبلية واضحة لتنظيم سوق العمل، وإحلال العمالة المحلية بدل "الوافدة"، بهدف الوصول إلى حلول جذرية لمشكلة البطالة.
إضافة إلى نشر برامج التوعية نحو التوجه للتعليم والعمل المهني، وإقرار قوانين ناظمة وجاذبة لبيئات عمل تقلل من مشكلة البطالة المُتصاعدة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وفي سياق مُتصل، فإن فئة الشاب (15—24 عاما) تُعتبر الفئة الأكثر تضررا، وأنه لا بد من اجراءات سريعة وفعالة لمواجهة مشكلة هذه الفئة، حيث وصلت البطالة في صفوف الشباب إلى 50%، وبالنسبة للإناث فقد كانت 3 من أصل كل 4. وبيّن تقرير "المرصد الاقتصادي للأردن" الصادر عن البنك الدولي في ديسمبر2021، أن جائحة كورونا كانت سبباً مباشراً في وصول البطالة في الأردن إلى 24.8% في الربع الثاني من عام 2021، مرتفعة من 19% قبل الجائحة.
- وفي معطيات الفقر أيضًا: وحسب تقرير مشترك صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والبنك الدولي، ازداد الفقر في الأردن حوالي 38 نقطة مئوية بين الأردنيين نتيجة جائحة "كوفيد-19"، وقدر وزير التخطيط والتعاون الدولي ناصر الشريدة، نسبة الفقر "مرحلياً" في العام 2021، بـ 24%، بارتفاع بلغ حوالي 6% عن العام 2020. وكان تقرير للبنك الدولي لعام 2021 بين أن جائحة كورونا كانت سببًا لافتًا في ازدياد معدلات الفقر المدقع واتساع التفاوت في مستويات الدخول في الأردن.
وتبعاً لذلك أعلنت الحكومة عن وضع خطة تقوم في محتواها على خارطة طريق لمدة عامين تبدأ من عام 2022، لمواجهة هذه المشكلة المرتبطة بازدياد البطالة، وتم فيها وضع آليات لتنفيذ مصفوفة تُشكّل أولويات اقتصادية للتعافي لمرحلة ما بعد كورونا، وتمثّلت هذه الخطط بمشاريع مرتبطة بآفاق مستقبلية ونوافذ تمويلية تتم من خلال الخزينة العامة أو المشاريع ذات طابع الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو مفتوحة للاستثمار المحلي والأجنبي لاستقطاب ما أمكن من المهتمين وأصحاب رؤوس الأموال على إقامة مشاريع في مختلف المجالات للتخفيف من موضوع الفقر والبطالة، إلا أن الأمر في مجمله متصل بقوة ومدى تعافي عدد من القطاعات، مثل قطاع السياحة، والخدمات عموما، والتنفيذ الفعلي للتوجهات الخاصة بالقطاعات الإنتاجية، الزراعية والصناعية، وفي تكنولوجيا المعلومات.
وفي سياق متصل، فإن أي نظرة مستقبلية لإعداد خطة عمل خلال الأعوام القادمة ينبغي أن تتضمن رؤية واضحة لعمليات إعادة البناء بصورة أفضل من السنوات الماضية، وذلك من قبيل منح الفئات الأشد فقراً والأكثر حرماناً الفرص المتاحة لاستعادة ما فقدوه وبناء الصمود في مواجهة أية هزات مستقبلية، فإن ذلك يتم من خلال إعادة النظر في سياسات سوق العمل والحماية الاجتماعية والصحة والتعليم، على أن يكون ذلك ضمن نظرة شمولية بمعايير تراعي مشاركة الجميع.
- ويبدو أمام مواجهة مُشكلة الارتفاع المتصاعد في الدين العام الأردني، الداخلي والخارجي، وبعدما شهد العام 2021 تسجيل مستويات قياسية في حجم هذا الدين، والذي زاد من تفاقم تأثيرات الأوضاع الاقتصادية السلبية، فإن السعي للحدّ من المديونية سيستمر خلال العام 2022، وهو يُشكّل أحد أهم التوجهات الحكومية كما أعلنت وزارة المالية، وسوف يتأتى هذا من خلال وضع خطة مدروسة للتعافي الاقتصادي ورفع جميع أشكال الحظر، وفتح القطاعات الاقتصادية المختلفة، ودعم المتأثّرة منها بسبب الجائحة، وتوظيف سياسات الدعم المالي.
- وهكذ، مع بدايات التعافي من الجائحة، فإن العمل سيتضاعف في المشروعات المشتركة على المستوى الإقليمي، مثل الشراكة التنموية مع العراق ومصر. ومشاريع الربط الطاقوي مع لبنان عبوراً بسوريا، ويبدو أن مدّ لبنان بالكهرباء الأردنية، وبالغاز المصري أيضا، بدأ فعلا خلال هذا العام 2022، وسوف ينمو ضمن مشاريع توسعية مستقبلية تخدم اقتصاد هذه البلدان.
- وفيما يخصّ مناقشات إعلان النوايا، وما عُرف بـِ "الطاقة مقابل المياه"، ضمن الإعلان الذي تمّ بين الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل في أواخر العام 2021، يبدو أن الجدل وإن استمر، فلن يُخلف آثار وقيوداً تشريعية أو إجرائية مرتقبة. وفي هذا المجال، يتطلع الشارع الأردني إلى ايجاد حلّ لقضية العوز المائي، وهي قضية استراتيجية بالغة الأهمية والخطورة، ويرحّب بمشروعات مثل الناقل الوطني، والإجراءات العديدة الأخرى الخاصة بتأمين المياه للأردنيين، الآن، وفي المستقبل.
- وفي سياق متصل أيضا، سيرتقي التعاون والتنسيق الأردني الفلسطيني اقتصاديا خاصة بعد توقيع عدة اتفاقيات في هذا الشأن خلال هذا العام، وزيارة رئيس الوزراء الأخيرة الى الأراضي الفلسطينية، وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة الأردنية الفلسطينية للتعاون الاقتصادي بين البلدين تُعدّ إحدى الخطط الاقتصادية الواعدة والمستقبلية في هذا المجال.
ومع كلّ ذلك، وللإنصاف، يبدو أنه لا مناص من الإشارة إلى أن جائحة "كوفيد-19"، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي الحقتها بالاقتصاد الأردني وتأثّر قطاعاته المختلفة به، إلا أنّه يمكن الشروع في التصدّي الفعّال للمشكلات المتراكمة والمرتقبة فيما تبقى من العام الجاري، والبناء عليه حتى ولو كان الأردن بحاجة إلى فترة غير قصيرة للتعافي شبه الكامل من آثار الجائحة على الاقتصاد. وإنّ أيّ نجاح في العمل يشهده هذا العام والأعوام القادمة يستند أساسا إلى وعي أردنيّ عام بأهمية الاعتماد على الذات أولا، وإلى ضرورة إيلاء عناية ملموسة ومحدّدة بالقطاعات الإنتاجية، والاهتمام بالقطاع الخاص، والاستثمار المحلي والأجنبي
ولعلّ من المهمّ، عدم الإفراط في تقدير إمكانيّات الخروج السريع من الأزمات الاقتصادية الراهنة والقادمة وغيرها من التحديات التي أشار إليها خطاب الموازنة العامة للسنة المالية للعام 2022 مؤخّرًا، في أن التحدي الأكبر أمام هذه الموازنة والاقتصاد الوطني سيكون في كيفية مواجهة البطالة وجيوب الفقر التي نمت وانتشرت في العامين الأخيرين بشكل كبير وخطير كما ذكرنا سابقاً، بالإضافة إلى الحجم غير المسبوق للمديونية والعديد غيرها من مظاهر المشكلات الحياتية القائمة التي تمّ الإشارة إليها، ما يُحتّم على المعنيين في هذا المجال وضع خطط اقتصادية مدروسة تنعكس آثارها مستقبلًا على الشارع الأردني.
ومع هذا كلّه، هناك بعض المؤشرات التي تدعو للتفاؤل النسبي خلال هذا العام، ويظهر هذا مع بدايات الانفراج والتعافي من الجائحة التي بدأ حيزها واضحا في الإجراءات الحكومية الأخيرة، وفي ظل التناقص الكبير في الإصابات، والانفتاح الذي شهدته البلاد مطلع شهر مارس الجاري بإلغاء القيود المترتبة على العديد من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما يُؤشّر على عودة الحياة والانتعاش للقطاع السياحي، وهذا ما يتطلّع إليه الأردنيون. ويُذكر في ذلك ما أعلنه مدير عام هيئة تنشيط السياحة عن توقُّع قدوم (250-300) ألف سائح جديد إضافي إلى المملكة خلال العام عبر الطيران منخفض التكاليف.
وفي مجال المشروعات القادمة للعام 2022، أعلن رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، نية الحكومة إقامة مشروعات استراتيجية، منها مشروع سكة حديد ممتدة من العقبة مروراً بعمّان وصولاً إلى العاصمة العراقية بغداد، ومشروع مستشفى جامعي على طريق المطار، بالشراكة مع صندوق الاستثمار السعودي، بتكلفة لا تقل عن 150 مليون دينار، ومصنع لتوليد الهيدروجين كطاقة بديلة. وقال أيضا، إن 23 قانوناً موضوعة على جدول أعمال اللجنة خلال الفترة المقبلة، تصب في مصلحة عمل القطاع الخاص التجاري والنهوض بالاقتصاد الأردني خلال هذا العام.
ولعلّ ورشة العمل الاقتصادية الوطنية والطموحة التي أطلقت وبرعاية ملكية في أواخر فبراير الماضي تحت عنوان "الانتقال نحو المستقبل: تحرير الإمكانيات لتحديث الاقتصاد"، تُعدّ أحد أهم الملامح البارزة، التي ستكون نتاجاتها مُخرجات وآفاق مستقبلية ترسم خارطة طريق استراتيجية عابرة للحكومات تهدف إلى إطلاق الإمكانيات لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل، ووضع رؤية بعيدة المدى للقطاعات الاقتصادية وزيادة تنافسيتها، ضمن خطط زمنية محددة وقابلة للتنفيذ للأعوام القادمة، حيث تتناول الورشة بالبحث والدراسة 17، قطاعًا اقتصاديًا حيويًا، واستكشاف الفرص المستقبلية فيها للنمو والتعافي، إلى جانب دراسة العوامل المطلوبة لتمكين هذه القطاعات وتنشيط الاستثمار فيها، في محاولة لمواجهة حالة الركود والتباطؤ الاقتصادي الذي يمرّ به البلد والتي جاءت في سياق انعكاسات لظروف إقليمية ودولية اثرت في الاقتصاد العالمي ككل، وتأثر بها الأردن في تراجع القدرة على التوظيف، وتوفير فرص العمل، وغيرها من المشاكل، التي أثرت على مستوى معيشة المواطنين.
ويبقى هناك تطور لافت للإشارة إليه، والمُتمثّل في العلاقات مع دول الخليج العربي، ويُذكر هنا إلى تأكيد البيان الختامي للقمة الـ (42) لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، التي انعقدت في أواسط ديسمبر 2021 بالعاصمة السعودية الرياض، أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة الأردنية الهاشمية، ووجّه البيان بتكثيف الجهود لتنفيذ خطط العمل المشترك التي تم الاتفاق عليها في إطار الشراكة الاستراتيجية بين المجلس والمملكة، والخطط والمشاريع الاستثمارية المستقبلية التي سوف يتم عملها بين الأردن ودول الخليج العربي.
التطلّعات السياسية الأردنية للعام 2022
إن أبرز ما ستشهده الساحة السياسية الأردنية المحلية من تطلعات، خلال العام 2022، يبدأ من السلطة التشريعية، والنتائج التي ستخرج بها مناقشات قانوني الانتخابات والأحزاب، بعد إقرار مشروع قانون التعديلات الدستورية، في مسار يتجه برمّته نحو التحديث والتطوير للمنظومة السياسية التي جاءت في مسودات القوانين وخاصة تلك المتعلقة في الأحزاب والانتخابات، ومشروعات التعديلات الدستورية، وأضافت إليها الحكومة مشروع قانون "مجلس الأمن القومي". وجميعها تؤسس لمرحلة جديدة ونقلة نوعية في مسيرة الحياة السياسية في الأردن. ولو جاز وصف ما سيأتي به العام 2022 في هذا الخصوص، فيمكن القول إن هذه المشروعات سوف تمر بمراحلها الدستورية من أجل إقرارها في غرفتي النواب والأعيان.
وفي الحياة الحزبية الأردنية، سيكون مبكرًا على الأرجح الحديث عن تحولات نوعية في حركة الأحزاب ونشاطها. وكما يبدو، سيكون هذا العام مساحة للتحضير للاندماجات والتحالفات في صفوفها، وتأسيس أحزاب جديدة. وستكون الانتخابات في آذار 2022 موعدا للاقتراع والفرز لانتخابات مجالس المحافظات والمجالس البلدية ومجلس أمانة عمان، وهي انطلاقة ومناسبة لتعبير ديمقراطي، يُستَبعَد أن يكون للأحزاب دور أساسي فيها.
أما في القضية المركزية للسياسة الخارجية، سيتواصل الموقف الأردني المطالب بالحل العادل للقضية الفلسطينية، وبدعم حلّ الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشريف. وسيتصدّى الأردن، كما هو دومًا، للاستيطان والتهويد والاعتداءات الإسرائيلية، فيما ستبقى قضية الوصاية الأردنية على المقدسات الاسلامية في القدس، قضية لا تقبل أية مساومة، وهذا يتلاقى مع قناعات الأردنيين وتطلّعاتهم. وسيستمر بالطبع الدعم الأردني لحقوق الشعب الفلسطيني في مختلف المحافل، وسيواصل جلالة الملك، استثمار حضوره المؤثر مع الإدارة الأميركية خصوصا، في محاولة فتح أبواب السلام المغلقة، منذ أمد بعيد.
وفي علاقات الأردن الإقليمية، يُتوقّع أن يتابع الأردن العمل على علاقات أكثر تطورا مع دول الخليج العربية، إلى جانب العلاقات مع العراق ومصر، والسلطة الفلسطينية، وسوريا ولبنان، ومختلف الدول العربية، إلى جانب تطويرها مع تركيا، وربما "تطبيعها" مع إيران، وهذا مرهون بما تشهده الساحة على وقع التوترات بين إيران ودول الخليج العربية، في الاتّجاه، إما نحو تفاقم المشكلات أو الى منحى قد يُصبح فيه تقاربًا في العلاقات، وهذا أمر لم يعد مستبعَدًا. وكما أنّ نتائج المباحثات النووية مع إيران أيضًا محطة فاصلة ولها آثار كبيرة على المنطقة برمّتها، ونتائج النجاح أو الفشل فيه محورية، إذ إن الفشل في هذا المسار وتوظيفه في اتجاه خطأ، يُعني ان المنطقة قد تكون مقبلة على تصعيد جديد.
وعموما، يتطلع الشارع الأردني إلى دور مميّز للمملكة في الشرق الأوسط خصوصا، من أجل الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة وأن للأردن بقيادة جلالة الملك رصيده الجيوسياسي، وحضوره الوازن، ودوره على الساحة الإقليمية والدولية. والأردن، المعروف بالاتزان والموضوعية، سيبقى عاملا محوريا فاعلا من أجل السلام العادل.
وعلى الساحة الدولية، لعلّ هذا العام سيشهد حركة نشطة وأكثر فاعلية للدبلوماسية الأردنية عموما. ومن المرجّح أنْ يكون العمل وثيقا مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولجهة مساندة الأردن ودعمه في هذه الظروف الصعبة اقتصاديًّا، والمكبّلة سياسيا على ساحة حل عادل للقضية الفلسطينية. ومع أن هذه السياسة ليست جديدة، إلاّ أنها، وعلى ما يبدو، ستكون أكثر حضورا وملموسة في العام 2022.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: