مقدمة
تنعقد يومي 1 و 2 نوفمبر 2022 القمة العربية الحادية والثلاثين في العاصمة الجزائرية، بعد انقطاع ثلاثة أعوام بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19، حيث عقدت القمة العربية الأخيرة في مارس 2019 في تونس، ويأتي انعقاد القمة هذا العام في ظل استمرار التحديات القديمة، وبروز تحديات جديدة عربية وإقليمية ودولية، أقل ما يقال عنها أنها تحديات مصيرية تواجه الدول العربية ومظلتها الرسمية: جامعة الدول العربية.
ورغم أنّ المراقبين والمحللين لم تحمل آراؤهم الكثير من التوقعات لنتائج هذه القمة، إلا أنّ مجرد انعقادها يمثل حدثاً يستدعي الوقوف عنده، وقراءة ما يمكن أن تحمله مخرجاتها، خاصة في ظل تسارع الأحداث على كل المستويات، وهو تسارع قد يحمل معه تغيرات مهمة لن تكون الدول العربية بمنأى عنها.
"لم الشمل"
حمل توقيع "إعلان الجزائر" للمصالحة الفلسطينية في الثالث عشر من أكتوبر 2022 عنوان (مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية)، ويحمل مؤتمر القمة العربية الواحدة والثلاثين عنوان قمة "لم الشمل" العربية، حيث يبدو "لم الشمل" هاجساً جزائرياً يدلل على عمق الأزمة وحدة الانقسامات بين الدول العربية، وبالتالي أولوية توحيد الجهود، كما يحمل إشارات لسعي رئاسة الجمهورية الجزائرية لتفعيل دور الجزائر العربي والإقليمي في المرحلة القادمة.
لن تكون قمة "لم الشمل" العربية، حتى على المستوى الشكلي، قمة "مكتملة" من حيث مشاركة رؤساء الدول العربية، حيث من المتوقع مشاركة 15 قائداً عربياً، في ظل غياب عدد من القادة خاصة من دول الخليج العربية، وفي مقدمتهم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، وملك البحرين حمد بن عيسى، وسلطان عُمان هيثم بن طارق، وأمير دولة الكويت نواف الصباح، وكذلك ملك المغرب محمد السادس، والرئيس اللبناني المنتهية ولايته ميشيل عون.
أولويات مثقلة بالتفاصيل
جدول أعمال قمة الجزائر مثقل بالقضايا ويمكن وصفه بالطموح في معالجة عدد كبير من الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية، ففي تصريحات صحفية للإذاعة الجزائرية، أشار أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أنّ الأولويات المطروحة في قمة الجزائر تتعلق (بإنقاذ الدول العربية المعرضة للتدخلات، وتسوية أوضاع المنطقة العربية، وإيجاد الحلول)، وهي أولويات مثقلة بالكثير من التفاصيل في ذاتها.
وفي تفاصيل الأولويات الذي أقره المجلس الوزاري التحضيري للقمة برزت القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، والأوضاع في سوريا ولبنان وليبيا واليمن والصومال، والأمن الغذائي العربي، وملف أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، والتطورات الدولية والإقليمية الراهنة، وبند مقدم من الجزائر بشأن إصلاح جامعة الدول العربية وتطويرها، بالإضافة إلى مشاريع القرارات المرفوعة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
تعتبر كل قضية مطروحة على جدول أعمال القمة، كفيلة بإثارة الكثير من الخلافات حولها، ففي الأولوية الأولى التي أشار إليها أبو الغيط، على سبيل المثال فقط، فإنّ مساحة الاختلاف في تفسير معاني "الإنقاذ" و "التدخلات" لوحدها كفيلة بإبراز حدة الاستقطاب بين المواقف العربية، سواء من التدخلات الإيرانية، أو التركية. وصعوبة، بل استحالة التوفيق بين تلك المواقف، إلا في حالة عدم التطرق للتفاصيل، والاكتفاء بالعودة إلى العموميات التي يتفق بشأنها الجميع، نظرياً على الأقل.
وما ينسحب على المثال السابق ينسحب على بقية القضايا المطروحة على جدول أعمال القمة، فالمواقف العربية الرسمية، سواء على مستوى كل دولة على حدة، أو على مستوى المحاور والاصطفافات، مواقف معروفة ومعلنة من كل تلك القضايا، ومساحات التناقض والاختلاف فيما بينها ليست خفية.
وحتى قضايا تكاد تكون "إجرائية" مثل قضية مقعد سوريا الشاغر في الجامعة العربية لم يتم حسمها في المجلس الوزاري التحضيري للقمة، ولن يتم طرحها في اجتماع القمة.
ماذا عن التفاصيل، وما بعدها؟
ما بين الأولويات العريضة المتفق عليها وما بين القضايا الإجرائية التي لم يتم التطرق إليها أو حسمها يمكن تناول بعض القضايا التي من المفترض أن تكون موضع النقاش في مؤتمر القمة، فكيف يمكن مناقشتها وماذا يمكن أن يتمخض عن ذلك النقاش؟
أولى تلك القضايا هي القضية الفلسطينية التي تمر في واحدة من أصعب أوقاتها، سواء على مستوى الوضع الفلسطيني الداخلي أو على مستوى العلاقة مع إسرائيل، حيث الوضع الفلسطيني الداخلي غارق في الانقسام والأزمة المالية الخانقة، وحيث العلاقة مع إسرائيل مفتوحة على كل احتمالات التصعيد في ظل حالة أمنية صعبة وتوقف المسار السياسي منذ سنوات كثيرة من جهة ثانية، فماذا بإمكان القمة العربية تقديمه لتلك القضية غير عدة فقرات "مركزية" في بيانها الختامي؟ وماذا يمكن أن يتغير في الحالة الفلسطينية بعد اختتام تلك القمة؟ وهل سنرى خطوات عربية متقدمة باتجاه الضغط على إسرائيل لاستئناف مسيرة التسوية وفق قرارات الشرعية الدولية؟
تلك الأسئلة عن الحالة الفلسطينية، وغيرها، لا تقل أهمية عن أسئلة الحالة السورية، وماذا يمكن أن تقدم القمة العربية للخروج من الأزمة السورية وتداعياتها الكارثية؟ أو ماذا يمكن أن تفعل في مواجهة الخارجية في الساحة السورية؟ خاصة في ظل غياب سوريا عن القمة، بل في ظل عدم القدرة على اتخاذ قرار بعودة مقعد سوريا الشاغر إليها! وأسئلة شبيهة متعلقة بالحالة المعقدة في لبنان، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، في ظل غياب لبنان عن القمة!
وماذا عن ملف سد النهضة؟ هل ثمة "موقف" عربي رسمي من أزمة ذلك السد وتداعياتها الخطيرة على أكبر دولة عربية؟ وحتى هل ثمة دعم عربي للموقف المصري من تلك الأزمة؟ وماذا بإمكان القمة العربية أن تفعل للتدخل في حل تلك الأزمة؟ وماذا عن ليبيا التي تتنازعها المحاور والتكتلات؟ فهل هناك "تصور" رسمي عربي للخروج من أزمتها المستعصية على الحل؟
كل تلك القضايا السياسية الشائكة ليست أوفر حظاً من القضايا الاقتصادية، وفي مقدمتها قضية "الأمن الغذائي العربي"، فهل تمتلك جامعة الدول العربية استراتيجية اقتصادية لتعزيز الأمن الغذائي؟ وكيف يمكن للدول العربية توفير ذلك الأمن في ظل أزمة الغذاء العالمي؟ بل في ظل افتقاد تلك الدول للحد الأدنى من التنسيق والتعاون على المستوى الاقتصادي؟ وهل يمكن الحديث عن أمن غذائي عربي في ظل غياب دول عربية وازنة في المستوى الاقتصادي كدول الخليج العربي؟
وماذا عن موضوع إصلاح جامعة الدول العربية وتطويرها المقدم من الجزائر؟ هل هناك "إرادة" رسمية عربية باتجاه ذلك الإصلاح والتطوير؟ وكيف ينسجم ذلك في ظل خلافات عربية عربية مُتعددة؟
كل تلك التفاصيل ترتد في المحصلة إلى تساؤلات ثلاث مرتبطة بأولويات القمة التي ذكرها أمين عام الجامعة العربية، أولاها: كيف ستعمل القمة على إنقاذ الدول العربية المعرضة للتدخلات؟ وثانيها: كيف ستساهم القمة في تسوية أوضاع المنطقة العربية؟ وثالثها: ما هي الحلول التي ستعمل القمة على إيجادها؟ ولا يبدو في أفق القمة ما يشير إلى امتلاكها إجابات شافية، وتحديداً في ضوء غياب فواعل سياسية واقتصادية مهمة عنها، وفي مقدمتها السعودية وسوريا.
وختاماً؛ تتزامن القمة مع حالة من السكون الممتدة عبر العالم العربي، بالرغم من أن حجم التحديات المصيرية التي يعيشها العرب تستدعي الكثير من التغيرات، لكن يبدو أن سقف التوقعات لن يرتفع هذه المرة أيضاً، وسيخرج البيان الختامي لقمة الجزائر توافقياً تقليدياً و "مثقلاً" بالبلاغة بانتظار الموعد الجديد للقمة التالية.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: