وَضَعَ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نهْجَ السياسة الخارجية بشكل يتضمن رؤيتَه بشأن عودة الولايات المتحدة إلى قيادة العالم من جديد، وتم قراءة تصريحاته حول مكانة بلاده في النظام الدولي على أنها خروج عن سياسة سلفه الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي أظهر رغبةً أقل في الهيمنة وعُرف بانتقاده الدائم للنظام الدولي الليبرالي لكنه وبالرغم من ذلك لم يتوانَ في تطبيق شعاره "لنجعل أمريكا عظيمة من جديد" خاصة في المنافسة التجارية مع الصين. لكن هناك التباساً - في كلا الحالتين - حول فهم حدود القيادة العالمية التي تريدها الولايات المتحدة.
ماذا يعني أن تكون قائداً للعالم؟
أن تكون قائداً للعالم يعني أنك قادرٌ على إظهار القوة والهيمنة والنفوذ في كل مكان من العالم تقريباً، لكن التحولات في السياسة الخارجية الأمريكية لا تدل على ذلك؛ حتى أولئك الذين ما زالوا يُجادلون بفكرة أن القوة الأمريكية لا مثيل لها، أصبحوا أكثر تردداً في ظل عالم يتجه نحو التعددية القطبية، ويتضح ذلك أكثر في الشرق الأوسط على خلفية مشهدٍ أمريكي متغير وانسحابٍ من المنطقة قد يكون حتمياً في العقود القادمة، بعد أن اعتادت واشنطن على أن تكون متحكّمة بجدول أعمال الشرق الأوسط الذي هيمن هو الآخر على سياستها الخارجية التي كانت متسقة مع التزامها بأمن المنطقة وقضاياها منذ خمسينيات القرن الماضي.
لكن تجد الولايات المتحدة نفسها حالياً في وضع مماثل لبريطانيا في مراحل أفولها كإمبراطورية عظمى في أعقاب الحرب العالمية الأولى؛ حيث كان العرب حينها أقل ثقة في تحقيق تسوية معها بعد هزيمة الدولة العثمانية، وكان الأتراك - الحليف القديم لها - يبحثون عن تحالفات جديدة، وكانت البلشفية الناشئة في روسيا تهدد التوازنات الأوروبية.
وبمعزل عن المتغير الزمني والتاريخي، تواجه الولايات المتحدة حلفاءَ غير راضيين عنها، ويشعرون بعدم اليقين والقلق تجاه سياستها الخارجية في المنطقة، وينطبق ذلك على الأكراد الذين تتجه أنظارهم للتفاهم مع روسيا - وهي التي لم تكن يوماً في حسبانهم كحليف - بعد شعورهم بتخلي واشنطن عنهم في سوريا، وكذلك التحول في موقف الحلفاء الاستراتيجيين والتاريخيين مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل وتركيا - وهي الدول التي تشكل واحدة من أهم شبكات التحالف الأمريكي في المنطقة وحول العالم، وتعد الركيزة الأساسية من ركائز الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط - حيث أصبح الحديث يدور بينها حول أهمية شراكاتها الاقتصادية والتنموية مع الصين.
وتصبح المشكلة أكبر عند الحديث عن خصومها، فمثلاً تُعتبر إيران بحد ذاتها معضلة للهيمنة الأمريكية، لكن عند التطرق إلى الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي أبرمتها طهران مع بكين، يزداد التحدي بالنسبة لواشنطن، خاصة وأن هذه الشراكة تشمل جوانب ومجالات متنوعة (اقتصادية وسياسية وعسكرية وتكنولوجية). وينطبق الأمر كذلك على الأزمة السورية التي أخذت روسيا زمام المبادرة السياسية والعسكرية فيها ومنعت الولايات المتحدة والدول الغربية من دعم تغييرات هيكلية في النظام السياسي السوري، متجاهلةً بذلك تحذيرَ الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، لها في أكتوبر 2015 حيث قال إن "حملة القصف الجوي التي تشنها لدعم الرئيس السوري، بشار الأسد، ستجر موسكو إلى مستنقع يصعب الخروج منه".
وعلى العكس من الولايات المتحدة، تبدو روسيا والصين على بيّنة بما تريدان القيام به في الشرق الأوسط، وهما تطمحان إلى اختراق أكبر قدر ممكن من الهيمنة الأمريكية المستمرة على المنطقة منذ عقود، والتي تتراجع مع إعادة ترتيب الولايات المتحدة لأولوياتها فيما يتعلق بصراعات المنطقة وتخليها ببساطة عن الدور المهيمن، وهي سياسة تجد مبرراتها عند القادة في واشنطن لتراجع مركزية الشرق الأوسط في مقابل توجيه الثقل السياسي والعسكري حيث يتواجد منافسوها جغرافياً خاصة في بحر الصين الجنوبي وذلك ضمن الاستراتيجية الأمريكية لاستعادة التوازن الإقليمي مع بكين، وهي سياسة تمَّت صياغتها في عهد الإدارات الأمريكية الثلاث (باراك أوباما، دونالد ترامب، جو بايدن).
انحسار الركائز الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة
من المهم أن يُدرك القادة في واشنطن وهم يتحدثون عن قيادة العالم، أنه بقدر ما كان الشرق الأوسط مركزياً في السياسة الخارجية الأمريكية، فإنه يُمثل اليوم الأهمية ذاتها بالنسبة للصين، إذ تنظر بكين للمنطقة كبقعة استراتيجية تخدم توسعاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية وتطلعاتها العالمية، وهي تُقْدِم على ذلك بخطوات هادئة ومدروسة ومستدامة، حيث تُقيم شراكات استراتيجية مع العديد من دول المنطقة، لا سيّما مع الدول الحليفة للولايات المتحدة، مثل المملكة العربية السعودية، وإسرائيل، ومصر، وتركيا. وعلى عكس الولايات المتحدة التي تتبنى سياسة تفضيلية ومشروطة وفقاً لمعاييرها الخاصة، فإن الصين على علاقة متوازنة مع دول المنطقة.
وبالنسبة للأخيرة، وبما أنها دولة عظمى تسعى إلى قيادة العالم، فإن علاقاتها مع دول الشرق الأوسط تخدم أجندتها العالمية، حيث تتيح لها إبرازَ قوتها العسكرية وعكْسَ أيديولوجيتها وتحفيزَ اقتصادها وتعزيزَ موقفها ومكانتها الدولية. وهذا ما يُعرف بــ "نقاط الارتكاز الاستراتيجية"، وهو مفهوم يُستخدم لفهم سلوك الدول العظمى في دعم هياكل علاقاتها المعقدة والتي تخدمها في منافستها مع القوى العظمى الأخرى، أو كما يُعرّفها البروفيسور، Xu Jin : "هو سعي دولة ما إلى تحقيق أهدافها الرئيسية من خلال دولة أخرى".
وعليه، فإن الإصرار الصيني على التوسع في الشرق الأوسط يرجع إلى رؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ لبلاده كقائد للعالم، حيث يسعى إلى تغيير قواعد النظام العالمي التقليدي سياسياً واقتصادياً من خلال مشروعه الكبير "حزام واحد، طريق واحد"، وهو مجموعة من الطرق البرية والممرات البحرية الذي يعني نجاحه السيطرةَ على التجارة العالمية، ويشكل الشرق الأوسط نقطة الارتكاز الرئيسية لهذا المشروع، ولأن الهدف يصبح أكثر إلحاحاً بالنسبة لبكين، نجدها قد أنشئت أولى قواعدها العسكرية الخارجية في جيبوتي عام 2017، ووقَّعت الاتقافية "المثيرة للجدل" مع إيران، وتعكف على الاستثمار بكثافة في الموانئ البحرية.
إن ما يحدث ببساطة هو أن الصين تعيد هندسة مفهوم "نقاط الارتكاز الاستراتيجية" من خلال إعادة توزيع العلاقات الدولية بعيداً عن السياسة الليبرالية والديمقراطية التي أسّست النظام الدولي الحالي، ومن شأن نجاح مشروعها التنموي والاقتصادي في الشرق الأوسط والأقاليم العالمية الأخرى، أن يُنهي قدرات الولايات المتحدة على القيادة العالمية.
وفي موازاة ذلك، تُمثّل سياسة الصين في الشرق الأوسط نموذجاً مصغراً عن سياستها المتبعة في العالم لا سيّما في بحر الصين الجنوبي، ولذلك فإن التركيز الأمريكي على احتواء الصين في إقليمها قد يكون مراهنة سليمة إذا افترضنا أنها تنشط إقليمياً فحسب، حيث لا تزال النقاشات في واشنطن وفي المراكز البحثية والفكرية تتحدث عمّا إذا كان من الممكن اعتبار الصين قوةً عالمية أم قوةً ناشئة لكنها قد لا تكون كذلك؛ فهي نظير مكافئ أو قريب من قوة الولايات المتحدة، وتحتل من الناحية الاقتصادية المرتبة الثانية عالمياً من حيث ناتجها المحلي الإجمالي البالغ 14 تريليون دولار لعام 2019، وهناك تقديرات بأنها قد تتجاوز الولايات المتحدة اقتصادياً عام 2030 - وفقاً لمحللين - أما على صعيد القوة العسكرية للعام 2021 فبحسب موقع "Global Firepower" المختص في تصنيف جيوش العالم، تتربع الصين ثالثاً بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا.
وعليه؛ يتضح الإخفاق الأمريكي في تقدير حجم وقدرات خصومها وتداعيات ذلك؛ فعلى سبيل المثال عندما استغل الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، ضمَّ روسيا لشبه جزيرة القرم في العام 2014 لوصفها كقوة إقليمية وليست عالمية، لم يكن يُدرك أن موسكو قد تتوسع على الساحة العالمية من لاعب ثانوي إلى رئيسي بعد تدخلها العسكري في سوريا عام 2015، إذ اتفق الخبراء وأجمعت الدراسات على أن الخطوات التي اتخذها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الشرق الأوسط، مكّنته من بناء أصول عسكرية ودبلوماسية واقتصادية رفعت من مكانة بلاده العالمية بين الفاعلين الدوليين.
العجز الاستراتيجي ومحدودية الموارد
في الواقع، تمثل الموارد المحدودة نقطةَ الضعف الأساسية في استراتيجية الولايات المتحدة للحفاظ على مكانتها في الشرق الأوسط، وما يحدث ليس تغييراً في التكتيكات الأمريكية في المنطقة أو في الأساليب بقدر ما يعني إعادة تموضعها "الاستراتيجي"، والتخلي عن مركزية المنطقة في سياستها الخارجية، والمراهنة على استقرار علاقاتها مع حلفائها.
وأحدث مثال على ذلك هو علاقتها مع إسرائيل؛ إذ وبالرغم من أن غالبية الأدبيات التي ناقشت الانكفاء الأمريكي عن الشرق الأوسط تُجمع على استثناء سياسة واشنطن تجاه تل أبيب من هذا الانكفاء، إلا أنه كان من الملفت موقف إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من التصعيد العسكري الأخير في قطاع غزة، إذ أظهر بايدن ميلاً أقل هذه المرة في ترجيح كفة تل أبيب، وكان واضحاً الضغط الأمريكي لإنهاء الحرب خلافاً لرغبة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تسعى إلى الاستمرار فيها حفاظاً على سمعتها ولتؤكد على أنها المنتصر، وهذه السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة تضع الشراكات الأمريكية مع دول المنطقة - بما فيها إسرائيل ودول الخليج - موضعَ شك وتزيد من شعور قادتها بعدم اليقين تجاه المواقف الأمريكية المستقبلية.
وحتى مع حقيقة أنها لا تزال الدولة الأكثر انتشاراً عسكرياً في الشرق الأوسط، إلا أن هذا الانتشار يتضاءل مع مرور الوقت، فقد بلغ عدد القوات الأمريكية في ست دول (البحرين، والكويت، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة) 76000 عام 2008، أي بواقع 16% من مجموع القوات الأمريكية المنتشرة خارج حدودها، لينخفض في العام 2019 إلى أقل من 10 آلاف جندي أي إلى نحو 4% فقط.
وهذه الاتجاهات آخذة في النمو بالترافق مع وجود عبء اقتصادي كبير، حيث تجاوز الدَيْن العام الأمريكي 23 تريليون دولار، ويُتوقع أن يرتفع إلى نحو 150% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030. وتناقُص الرغبة الأمريكية في الهيمنة؛ يؤكد عليها استطلاع للرأي أجراه مركز Pew للأبحاث في ديسمبر 2019 حيث جاء فيه أن 73% من الأمريكيين يناهضون استخدام القوة العسكرية ويؤيدون الدبلوماسية كخيار أمثل.
وعليه، فمن المنطقي الحكم بأن الولايات المتحدة تعاني من عجز استراتيجي في الشرق الأوسط، ويزيد من ذلك النظرة السائدة إلى مشاركتها في المنطقة باعتبارها هدراً للموارد، وتعد - هذه النظرة - مخالفة لتاريخ المنافسة بين القوى العظمى على القيادة، إذ لطالما تعاملت الولايات المتحدة في سباقها الاستراتيجي مع الاتحاد السوفييتي وفقاً لمفهوم "مناطق المنافسة الاستراتيجية"، وكان ذلك ملموساً في تحديد الشرق الأوسط كمنطقة مصالح استراتيجية في السياسة الأمريكية وبقعة نفوذ لا يمكن الاستغناء عنها؛ تطبيقاً لعقيدة أيزنهاور عام 1957 وعقيدة كارتر عام 1980 التي نصت على (أن أي محاولة من قبل قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي ستُعتبر هجوماً ضد المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وسيتم ردعها بأي وسيلة بما في ذلك استخدام الوسائل العسكرية).
وإذا ما أردنا اليوم مقاربة القيادة والهيمنة الأمريكية بناء على المفهوم السابق "مناطق المنافسة الاستراتيجية"، سيظهر لنا حجم التآكل في الهيمنة الأمريكية على الساحة العالمية في مقابل تنامي النفوذ الصيني في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا. فعلى الصعيد الاقتصادي، تفوَّق حجم التبادل التجاري الصيني مع دول الشرق الأوسط على نظيره الأمريكي في العام 2007، لا سيّما في التجارة الثنائية مع حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا.
وبناء على ذلك، فإن حصر الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط في عاملين اثنين (مكافحة الإرهاب وتقويم السلوك الإيراني) لا يعود جزئياً إلى تناقص الأهمية الجيوسياسية للمنطقة، ولا إلى الاكتشافات الهائلة من الصخر الزيتي وانعدام الحاجة لنفط الشرق الأوسط كما صرّح الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في يناير 2020، بل يرجع ذلك - في كثير منه - إلى صعوبة وقف المد الهائل للصين في الوصول إلى المنطقة في ظل محدودية الموارد الاقتصادية الأمريكية القادرة على دعم استراتيجية عالمية على غرار تلك التي اتبعتها أثناء تنافسها مع الاتحاد السوفييتي. ولذلك أصبح من الصعب تحديد استراتيجية أمريكية فعلية وواضحة بقدر ما هي جملة من السياسات الرامية إلى الحفاظ على سمعتها كدولة عظمى ترغب في الانسحاب بصورة المنتصر - أو هكذا يُخَيّل لها.
خلال الشهر الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن أن انسحاب آخر الجنود الأمريكيين من أفغانستان سيكون في 11 من شهر سبتمبر القادم - الذكرى السنوية لتفجيرات مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك ومواقع أخرى - مضيفاً بأن هذه الحقبة من التاريخ ستُغلق أخيراً، وقد تم تبرير هذا الانسحاب بناءً على اتفاقية غير مكتملة عملياً مع حركة طالبان، وبقدر ما هي مناسبة للولايات المتحدة - التي أنفقت خلال حربها في أفغانستان قرابة 2 تريليون دولار وخسرت نحو 448 شخصاً إلى جانب إصابة أكثر من 20700 - فهي تشير إلى تحوُّل في الوظيفة القيادية لها وفي فكر الهيمنة والاستثنائية الأمريكية، حيث لم يكن الصراع مع حركة طالبان هو المحرك الوحيد للتدخل هناك، وإنما كان للتحولات الديناميكية في محيط تلك البلاد دور في تشكيل أهميتها الجيوسياسية بالنسبة لقوة عظمى كالولايات المتحدة، ومنها تواجد أكبر تكتل بشري في العالم حول حدودها، وأيضاً توسطها المخزون الأكبر للأسلحة النووية ولثلاث من الدول العظمى في العالم وهي (روسيا، والصين، والهند).
ولذلك لطالما كانت أفغانستان هدفاً للقوى الراغبة في القيادة، مثل الاتحاد السوفييتي، وتشكل اليوم أهمية بالنسبة للصين خاصة بعد الانسحاب الأمريكي منها، حيث تفيد التقارير بأن هناك وعوداً قدّمتها بكين لحركة طالبان تتعلق باستثمارات ضخمة في حال الانسحاب الأمريكي منها.
وبناء على كل ما سبق، يمكن القول بأن هناك مثالاً مصغراً يُلخص الأفكار التي ناقشتها المادة أعلاه، ويمكن من خلال فهمه رسمُ المسار المستقبلي للشرق الأوسط، ومعرفة تأثيره على النظام العالمي القادم.
فمنذ تسعينيات القرن الماضي، اتبعت الولايات المتحدة استراتيجية لمحاصرة روسيا في "مناطق المنافسة الاستراتيجية" منعاً لعودة القوة التي كان يتمتع بها الاتحاد السوفييتي، وقد ركّزت هذه الاستراتيجية على: أولاً، تشكيل طوق جغرافي يفصل روسيا عن الغرب من خلال مد نفوذ حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وتوسيع عضويتهم، وثانياً؛ محاصرتها في الشرق الأوسط من خلال تدخل الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة السياسية في العراق وليبيا وبعدها كان الاعتقاد السائد أن الأزمة في سوريا ستُفقِد روسيا آخر علاقاتها الموروثة عن الاتحاد السوفييتي. لكن الأخبار كانت سيئة بالنسبة لواشنطن، حيث أعادت موسكو ترتيبَ وجودها وبشكل أكبر في المنطقة، وفقاً لمصالح حيوية وبراغماتية وليس بناءً على العلاقات الدبلوماسية التقليدية.
وهذا المثال يوضح كيف أن الولايات المتحدة أخفقت في مكافحة الصعود الروسي المحدود من الناحية الاقتصادية والعسكرية، مقارنة بمساعيها إلى إعادة التوازن مع الصين في بحر الصين الجنوبي، مع تمتع الأخيرة بانسيابية ونشاط كبير للدخول إلى مناطق المنافسة الاستراتيجية حول العالم، لا سيما في الشرق الأوسط.
وعليه، وبالنسبة للعديد من المتحمسين والواثقين بقدرة بايدن على إعادة الولايات المتحدة إلى قيادة الساحة العالمية، يجب أن يُدركوا حقيقة أن واشنطن تنسحب مرة تلو الأخرى كفاعل في أهم القضايا التي شكّلت تحديات أمنية وإنسانية للنظام الدولي، وجُلّها نجدها في الشرق الأوسط، وما ذلك إلا دلالة على أن هناك مزيداً من التراجع ستشهده الولايات المتحدة في مشاركتها على الساحة العالمية.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: