هذه المادة الأولى من سلسلة المواد التي يجري نشرها تباعاً ضمن ملف "أوراق على طاولة الـ G7"
المقدمة
تتزامن كتابة هذه السطور مع اقتراب الوقت "المزمَع" لانعقاد قمة مجموعة السبع السادسة والأربعين في الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت يعاني فيه هذا المنتدى الاقتصادي (الذي يشكل نحو 50% من الاقتصاد العالمي) من معضلات وانقسامات وخلافات تحول بينه وبين الاستجابة الفعالة للتحديات الداخلية التي تواجه الدول الأعضاء فيه وللقضايا السياسية على حد سواء، فلم تعد العضوية الصغيرة للمنتدى التي تتكون من: (الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وكندا، واليابان، وألمانيا) تتمتع بالتجانس والوحدة الفكرية، خاصة في ظل وجود قيود عدة تقف عائقاً أمام هذه الدول؛ والتي تحول من قدرتها على اتخاذ قرار جماعي حول القضايا الملحة.
في الفترة الممتدة ما بين عامي (1998 - 2004)، كان يُعرف المنتدى باسم "مجموعة الثماني"، حتى تم تعليق عضوية روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014، وقد عزز هذا الحدث آنذاك من اعتبار مجموعة السبع مجموعة نقية أو منتدى يضم فقط الدول الديمقراطية الكبرى في العالم، لكن لم يعد هذا التصور متاحاً خلال السنوات القليلة الماضية، حيث برزت خلافات كبيرة حول القضايا المهمة، مثل: التعامل مع روسيا، والتغيرات المناخية، والتجارة، والهجرة، خاصة منذ أن بدأ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالمشاركة في اجتماعات المجموعة حين عُقدت القمة في مدينة صقلية الإيطالية عام 2017؛ ما أثار تساؤلات عدة حول سبل التعاون بين هذه الدول في السياسات المختلفة.
ما مدى عمق الخِلاف؟
يمكن تتبُع حقيقة الانقسامات وحجمها بين الدول في مجموعة السبع من خلال تتبُع بعض البيانات الختامية لها؛ ففي قمة المجموعة التي عُقدت في صقلية عام 2017، جاء البيان الختامي في 6 صفحات فقط وهو عدد قليل جداً مقارنة ببيان القمة التي عُقدت في اليابان عام 2016 والذي جاء في 32 صفحة. وفي القمة التي تلتها في مدينة كيبك الكندية عام 2018، غادر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تلك القمة في وقت مبكر إلى سنغافورة للقاء الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، ليفاجئ الدول الست الأخرى برفضه التوقيع على البيان المشترك مستخدماً موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وأشار إلى أنه قد أمر المسؤولين الأمريكيين بعدم دعم البيان؛ وهي خطوة لم تشهدها المجموعة منذ 40 عاماً، وقد وصفتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية آنذاك بأنها "فضيحة غير مسبوقة".
ولتفادي مثل تلك "الفضيحة" قرر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن قمة المجموعة التي ستُعقد في فرنسا عام 2019، ستنتهي بدون بيان ختامي؛ وهي المرة الأولى التي تتخلى فيها مجموعة السبع عن بيانها الختامي منذ عام 1975، ومثل هذه الأحداث تُظهر لنا عمق الخلافات بين الدول السبع ذات الاقتصاد الأكبر في العالم.
وفي الواقع، إن وجود عدة خلافات عميقة بين دول مجموعة السبع، حالت دون القدرة على التوصل إلى اتفاق (دبلوماسياً على الأقل) لصياغة البيانات الختامية لقمم المجموعة منذ القمة المذكورة أعلاه التي عقدت في مدينة كيبك. ويمكن اعتبار أهم هذه الخلافات هو التغير الحاصل في السياسة الخارجية الأمريكية منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة، إضافة إلى الثغرات الكبيرة الموجودة داخل الجسد الأوروبي خاصة مع الانسحاب البريطاني من الاتحاد، وتنامي الأحزاب القومية في أوروبا؛ وكل هذه العوامل وغيرها تحول دون قدرة المجموعة على التوافق في قضايا عالمية متعددة؛ أبرزها: الموقف من الصين وروسيا، والتجارة، والمناخ.
ومن هنا؛ تدفعنا تلك القضايا إضافة إلى العديد من القضايا العالمية الراهنة، لتصور أن مجموعة السبع هذا العام (2020) ستكون أكثر حدة واستقطاباً؛ خاصة وأن أبرز هذه القضايا الخلافية تتمثل في التنافس الصيني الأمريكي، وجائحة "كورونا"، والأزمة الاقتصادية في "مرحلة ما بعد كورونا"، والملف النووي الإيراني الحاضر دائماً والذي يتزامن في هذه القمة مع تصعيد أمريكي - إيراني خطير في الخليج العربي والعراق، إلى جانب قضايا التجارة، والأهم من ذلك كله؛ هو أن القمة ستُعقد بالتزامن مع انعقاد الانتخابات الأمريكية؛ وهذا يوحي بأن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سيكون أكثر تصلباً وتزمتاً في مواقفه؛ خاصة تلك التي تتعلق بوعوده الانتخابية.
ماذا نتوقع من قمة مجموعة السبع لعام 2020؟
حتى اللحظة؛ لم يتم الإعلان عن جدول أعمال القمة، ومع ذلك فإنه من الممكن توقعه بسهولة؛ ففي وقت سابق اتهم بعض المسؤولين الأمريكيين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بتجاهل القضايا التي تهم واشنطن، وبتركيز جدول الأعمال في القمة التي عُقدت في فرنسا عام 2019 على قضايا عامة؛ مثل: تغير المناخ، والمساواة بين الجنسين، وحقوق المرأة؛ ويبدو أن مثل هذه القضايا ستكون مستبعدة في القمة القادمة لكونها لا تهم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
فقضية التغير المناخي كانت حاضرة وبقوة في القمم السابقة للمجموعة التي عُقدت في كل من: إيطاليا، وكندا، وفرنسا؛ لكن مع مواقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي اتخذها فيما يتعلق بهذه القضية تدل على أنها - أي قضية المناخ - لن يكون لها أي وجود في جدول أعمال القمة القادمة التي ستُعقد في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2020؛ حيث نلاحظ أن ترامب قد انسحب من اتفاقية باريس للمناخ عام 2017، بعد وقت قصير من أول حضور له لقمة مجموعة السبع التي عُقدت في إيطاليا، حيث أبدى آنذاك موقفه الرافض بشأن اتفاقية المناخ. أما في القمة التي عُقدت في كندا؛ فقد انسحب مبكراً قبل المحادثات التي أجريت حول تغير المناخ، ورفض التوقيع على البيان الختامي. وفي القمة التي عُقدت في فرنسا، لم يتم إدراج مواضيع المناخ في إعلان القادة الذي يعقب القمة.
من الناحية السياسية؛ أوضحت القمم السابقة للمجموعة أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد استبدل التهديد الروسي بالصيني؛ ففي القمة التي عُقدت في مدينة كيبك الكندية عام 2018؛ طالب بإعادة روسيا إلى المجموعة، حيث قال: "أفضل أن أرى روسيا مع مجموعة الثماني بدلاً من مجموعة السبع"، ولم يكن هناك إجماع يوافق على مطالب ترامب بإعادة روسيا سوى موافقة رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي. بيد أن ذلك غير كافٍ لتلبية دعوات ترامب، إذ تخضع القرارات المتعلقة بالعضوية لموافقة جميع دول المجموعة، لكن بصفته رئيساً لمجموعة السبع في القمة القادمة لعام 2020، فإنه الوقت المناسب لترامب حتى يقوم باختيار الضيوف الخارجيين، ويحق لرئيس المجموعة نظرياً دعوة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للحضور بصفة "مراقب"، ومن شأن فعل ذلك أن يزيد من التوترات بين الدول داخل المجموعة.
وبالإضافة إلى روسيا، يعتزم ترامب على القيام بتوسيع قائمة الدول المدعوة لتشمل كل من: أستراليا، وكوريا الجنوبية، والهند؛ ويأتي ذلك في وقت قال فيه: "لا أشعر أن مجموعة السبع تمثل بشكل صحيح ما يحدث في العالم؛ إنها مجموعة عفا عليها الزمن"؛ وذلك بناء على ما تناقلته وكالة الأنباء "فرانس 24" في مايو 2020، والواضح من خلال ذلك أن جدول أعمال القمة 2020، سيكون مليئاً بجهود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي تهدف إلى كبح جماح الصين؛ ذلك أن الدول الثلاث المدعوة باستثناء روسيا، هي دول تمت الإشارة إليها في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2017، على أنها حليفة للولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الصين.
إن صح ذلك، ستجد الدول الأوروبية نفسها في "غربة" داخل مجموعة السبع. وفي وقت سابق، نقلت مجلة "بوليتكو" في أغسطس 2019 عن مسؤول في إدارة ترامب قوله بأن مجموعة السبع أثبتت أنها غير قادرة على التعامل مع جهات فاعلة على الساحة؛ مثل الصين، إذ أن هناك خلافاً بين كل من: أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية حول طبيعة التعامل مع الصين. ففي قمة فرنسا التي عُقدت عام 2019؛ أعلن معظم قادة المجموعة عن نيتهم الطلب من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تخفيف الحرب التجارية مع الصين، ومع ذلك فقد أعلن ترامب عن فرضه رسوماً إضافية على الواردات الصينية قبل يوم واحد من وصوله إلى القمة التي عُقدت في فرنسا، وبالتالي قد يجد ترامب في المدعوين الجدد بديلاً عن أوروبا لتشكيل جبهة موحدة ضد الصين.
وعند إجراء مناقشات حول الصين، لا يمكن الفصل بينها وبين أزمة "كورونا"، أو كما أسماه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سابقاً "الفيروس الصيني"؛ إذ هاجم كلاً من: الصين ومنظمة الصحة العالمية، وأعلن عن وقف التمويل الأمريكي للمنظمة؛ وهي خطوة لاقت استهجان العديد من دول مجموعة السبع بمن فيهم: بريطانيا، وألمانيا، وكندا، والاتحاد الأوروبي.
كما ومن المرجح أيضاً أن تسلط قمة (2020) الضوء على الخلافات الأوروبية الأمريكية بشأن إيران؛ ففي القمة التي عُقدت في فرنسا عام 2019، جاء ذكر إيران في بيان القادة بشكل عام وفضفاض، وعكس البيان مطالب وطموحات واسعة للدول السبع، إذ نص على ضمان عدم امتلاك إيران للأسلحة النووية، وعلى ضرورة تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، دون أن يتطرق إلى القضايا الخلافية بين قادة المجموعة؛ مثل تلك المتعلقة بـ: العقوبات الأمريكية، والانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، والتصعيد الإيراني في الخليج، بالإضافة إلى غياب أي خطوات مشتركة واضحة وفعالة لتوحيد الموقف ضد إيران.
ومن غير المتوقع أن تركز قمة (2020) على تلبية رغبات الدول الأوروبية التي ناشدت الولايات المتحدة الأمريكية بعدم معاقبة الشركات الأوروبية التي تمارس أعمالها في إيران؛ خاصة أن الدولتين تتجهان نحو التصعيد في الشرق الأوسط. وقد جاء ذلك في أعقاب اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد في ديسمبر 2019 من قبل جماعات موالية لإيران، وما تبع ذلك من مقتل القائد السابق لفيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، في مطلع عام 2020، ناهيك عن أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لن يُقْدم على اتخاذ أي خطوات قد تخالف وعوده الانتخاببة في مثل هكذا توقيت.
أخيراً؛ تأتي هذه القمة وسط خلافات تجارية بين كل من: الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وكندا، ومن غير المرجح أن تشهد قمة (2020) تغييراً في موقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فحتى في ظل أزمة "كورونا" وما تمخض عنها من سياسات إغلاق كلي وجزئي، ومخاوف من حدوث ركود عالمي، لم يوقف ترامب حربه التجارية ضد الاتحاد الأوروبي، إذ أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في فبراير 2020، عن رفع الرسوم الجمركية على طائرات "إيرباص" المستوردة من أوروبا من 10% إلى 15%، ليُعلن الاتحاد الأوروبي فيما بعد عن إجراءات يتم اتخاذها ضد شركة "بوينغ" الأمريكية رداً على ذلك، ويبدو أن هذا شبيه بتاريخ الحرب التجارية بين الطرفين؛ ففي أعقاب القمة التي عُقدت في مدينة كيبك عام 2018، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، آنذاك عن فرض تعريفات على صادرات الصلب والألمنيوم على جميع الدول الأعضاء في مجموعة السبع، ليرد الاتحاد الأوروبي على ذلك بإضافة تعريفات جمركية على سلع أمريكية تزيد قيمتها عن 3 مليارات دولار.
الخاتمة
اعتماداً على التغيرات الحاصلة في السياسة الخارجية الأمريكية خاصة في ظل رئاسة دونالد ترامب، من غير المتوقع أن تشهد قمة مجموعة السبع (2020) تغيراً سلساً وإيجابياً بشكل يختلف عن القمم السابقة، ولا يقتصر الأمر على مجموعة السبع فقط؛ فالمنظمات والتحالفات التي تجمع هذه الدول عانت مؤخراً من مشاكل عميقة بين أعضائها؛ مثل: حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، وهذه المنظمات الثلاث تفشل باستمرار في مواجهة التحديات العالمية والداخلية على حد سواء.
وإن تزامن القمة في عامها الحالي مع الانتخابات الأمريكية يزيد المشهد تعقيداً، إذ من المرجح أن يُظهر ترامب نفسه بطريقة تعكس مواقفه الصارمة فيما يخص كل من: الصين، وإيران، والتجارة مع الدول السبع في المجموعة؛ حيث أن جميعها وعود انتخابية سابقة من غير المحتمل أن يراهن على فقدانها في ظل حملته الانتخابية الراهنة.
ويمكن تلخيص حال مجموعة السبع بالاستشهاد بما قاله رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، في قمة المجموعة التي عُقدت عام 2019: "لا يوجد حتى الآن أي يقين ما إذا كانت المجموعة ستكون قادرة على إيجاد حلول مشتركة".
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: