يعيش العالم اليوم صدمة قوية بسبب تفشي فيروس “كورونا” أو “كوفيد –19”، لدرجة أنها غيرت واقع الحياة اليومية على مستوى العالم، باعتبار أن هذا الفيروس والأزمة المصاحبة له وتداعياتها تهديد لمفهوم الأمن الإنساني من طراز متقدم تتجسد فيها كل ملامح “عصر المخاطر”، الذي تم تقديمه في المجتمعات العسكرية والأمنية والاستخباراتية بعد حرب الخليج وغزو العراق وأحداث 11/9 وحالة أفغانستان المعقدة وظهور داعش وتغير أشكال الإرهاب.
وما يتوقعه الباحثون هو أن جائحة “كورونا” العالمية هي تتويج لعصر المخاطر، ونهاية للفترة الآمنة – المختلف عليها – بالنسبة لثلاثة أجيال متعاقبة على الأقل.
وبما أن أهم تهديد تم تسويقه في أعقاب أحداث 11/9 هو الإرهاب، فقد أراد المجتمع الدولي أن يوظف إمكانياته للبحث عن طرق مثلى لمكافحته والقضاء عليه، مع اعتقادي أن فكرة القضاء عليه أمر شبه مستحيل؛ فكان يجب البحث عن أدوات لتحييده وإدارته فقط، والسبب أن أغلب القراءات لهذه الظاهرة أثبتت أن النصر على الإرهاب في عصر المخاطر لم يعد ممكناً.
لدرجة أن العاملين في هذا المجال قدموا طروحاتهم لصناع القرار العالمي التي تنطوي على أهمية البحث عن أدوات جديدة تحقق فاعلية أكبر لإدارة الفوضى واحتوائها على المسرح العالمي، لكن لم يتم الأخذ بها، ولذا لا يستطيع أحد أن يقر اليوم بنجاح العالم في التخلص من التهديد الإرهابي.
وقد يتساءل البعض: هل هناك علاقة بين أزمة “كورونا” العالمية وظاهرة الإرهاب؟ والجواب على بساطته وتعقيده هو: لا؛ لعدم وجود علاقة مباشرة حتى الآن، إلا أنه وفي حال ثبت بأن فيروس “كوفيد -19” هو فيروس مطور بيولوجياً لأغراض الحرب البيولوجية، فإن ذلك سوف يسهل علينا ربط الأمرين معاً، والتأطير من جديد لمخاطر الحرب البيولوجية، ولنوع جديد من الإرهاب الدولي العابر للجغرافيا والأكثر تأثيرا.
وبالرغم من عدم وجود علاقة مباشرة حتى اليوم بين تفشي فيروس “كوفيد -19” والإرهاب، إلا أنه لا يجب أن نستثني تفكير الجماعات الإرهابية على اختلاف منابتها وأصولها ورغبتها في استغلال مفهوم الحرب البيولوجية أو الكيميائية في هجماتها.
ولغاية الآن لا نملك معلومات دقيقة أو استخبارات محددة تحاكي قدرة أو رغبة الجماعات الإرهابية في استغلال “كورونا” في هجماتها المستقبلية، إذ وجدنا أن هناك من يعرض عبر بعض المنصات الإلكترونية بيع عينات دم ولعاب لمصابين بفيروس “كورونا” مقابل سعر زهيد، وهو أمر خطير يهدد سلامة المجتمعات من جديد؛ لا سيما وأنه سلاح فتاك وفاعل وسريع الانتشار.
وفي كتابه “الحرب في عصر المخاطر” يرى البروفيسور، كريستوفر كوكر، أن عصر المخاطر يميل إلى زرع الشك حول المستقبل، إلى أن يتضخم ـــ هذا الشك ـــ ويُعمق انشغالنا بالعواقب والآثار الجانبية على حساب مبادراتنا لمواجهة المخاطر مهما اختلفت، وكل ذلك يرجع إلى عدم قدرتنا على التوقع الدقيق؛ وهذا ما جعل إدارة المخاطر تكتسب أهمية متزايدة في عصرنا الحالي، الأمر الذي يُحمل الحكومات العالمية المسؤولية الكبرى للنتائج غير المرغوب فيها مستقبلاً فيما يتعلق بطريقة تعاملها مع الأزمات والأحداث العالمية.
خاصة وأنه في عصر المخاطر ننخرط دائما في التنبؤ بالآثار السلبية لقرارتنا، ونجد أنفسنا مدفوعين طوال الوقت إلى إجراء علاقة حسابية بين المستقبل والحاضر.
ويرى البعض أن النجاح الحقيقي في مرحلة ما بعد أزمة “كورونا” يكمن في تقليص الحالة العالمية المتمثلة بانعدام الأمن والفوضى والخوف إلى مستويات أكثر قبولاً للتعايش معها؛ لا سيما وأن المرحلة المقبلة والتحذيرات العالمية منها، تشكل في حد ذاتها عصراً جديدا من المخاطر غير المتوقعة.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: