مقدمة
فتحت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في فبراير 2022 الباب على مصراعيه أمام الكثير من احتمالات التغير الجيوسياسية والاستراتيجية على المستوى الدولي، وأعادت إلى الأذهان ملفات عالقة ترتبط بالمعضلات التي طرأت على الساحة الدولية عقب الحرب العالمية الثانية، وهي معضلات ظلت دون حلول جذرية حتى الآن، كما هو الحال في الملفات الآسيوية الشائكة في كوريا والصين والهند واليابان، فالنظام الدولي الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد قادراً على الاستجابة لتحديات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، خاصة بعد تفرّد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة عليه إثر سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار المنظومة الاشتراكية، وتلك كانت واحدة من أهم رسائل العملية الروسية في أوكرانيا.
في هذا الإطار ينتظر العالم كله ما يمكن أن تسفر عنه عملية روسيا العسكرية في أوكرانيا من تغيرات تطال بنية النظام الدولي، وتؤثر على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فيه، وهي تغيرات قد تبدأ من فتح بعض الملفات الساخنة، كملف تايوان في الحالة الصينية، وملف جزر "كوريل" في الحالة اليابانية، وغيرها من الملفات التي تشكل ساحة خلفية للصراعات الدولية، وفي مقدمتها الصراع الأمريكي الروسي.
أولا: العلاقات الروسية اليابانية
تجمع العلاقات الروسية اليابانية ما بين الأهمية والتعقيد، فهي علاقات إشكالية مرت بمسار تاريخي شكّلته الحروب والأزمات التي مازالت تلقي بظلالها على علاقة البلدين خاصة فيما يتعلق بجزر " كوريل"، وهي عبارة عن أربعة جزر رئيسية ونحو 50 جزيرة تابعة، ويبلغ طول الجزر الأربعة نحو 300 كم ويسكنها نحو 20 ألف نسمة، وتفصل بحر "أخوتسك" عن المحيط الهادي.
تقلبت أحوال هذه الجزر السياسية كثيراً عبر التاريخ، حيث خضعت لسيطرة الجانب الروسي تارة، وتارة أخرى خضعت للسيطرة اليابانية منذ أن اكتشفها البحارة الهولنديين عام 1634، وتأرجحت السيادة عليها وفق نتائج الحروب، إلى أن خسرتها طوكيو إثر الحرب العالمية الثانية، حيث تمكنت منها القوات الروسية بالاستناد إلى إعلان بوتسدام عام 1945، وهو الإعلان الذي فرض الحلفاء المنتصرون فيه "استسلام" اليابان، وتم قصر السيادة اليابانية حسب البند الثامن منه على هونشو، وهوكايدو، وكيوشوو، شيكوكو، ليتم بعدها دمج جزر "كوريل" في أراضي الاتحاد السوفيتي في العام 1947، ثم ليتم ترحيل كل سكانها اليابانيين إلى الداخل الياباني عام 1949 بناءً على قرار سوفيتي.
بعد ضمّ الجزر إلى الاتحاد السوفييتي وقعت طوكيو على اتفاق سان فرانسيسكو عام 1951 وتخلت عن المطالبة بحقوقها في جزر "كوريل" والمناطق الواقعة جنوبي جزيرة سخالين وفق ذلك الاتفاق، وفي عام 1956 وقع البلدان اتفاقية لإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما، تزامنت مع اقتراح سوفيتي بإعادة الجزيرتين الأصغر حجما من الكوريل (شيكوتان - هابوماي) إلى اليابان، لكنّ الأخيرة رفضت ذلك بإيعاز أمريكي، مما أدى لتفاقم التوتر بين الجانبين، والذي وصل ذروته عام 1960 بتوقيع كل من واشنطن وطوكيو المعاهدة الأمنية الاستراتيجية، والتي بموجبها سمحت طوكيو بوجود قواعد عسكرية أمريكية في أراضيها، كما اتفق الجانبان على مساعدة كل منهما للآخر في حالة وقوع هجوم مسلح على أراض خاضعة للإدارة اليابانية، فضلاً عن بنود أخرى تتعلق بالتعاون الدولي والاقتصادي.
ورغم تكرار المحاولات الساعية لحل أزمة الجزر بين الجانبين الياباني والسوفييتي خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي، وهو العقد الذي شهد تحسناً في العلاقات بين الجانبين، إلا أنّ قضية جزر "كوريل" بقيت معلقة إلى أن بدأت موسكو مطلع عام 2011 تنفيذ استراتيجية جديدة تعتمد على توسيع الوجود العسكري في تلك الجزر، وتعظيم الاستفادة الاقتصادية من مواردها الطبيعية الغنية.
ومنذ بداية أزمة الجزر ما بين اليابان والاتحاد السوفييتي السابق؛ وهي تمثل معضلة كبيرة في مسار العلاقات بين البلدين، فقضية الجزر ليست مجرد نزاع حدودي بين موسكو وطوكيو، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد جيوسياسية واستراتيجية مهمة، خاصة بالنسبة لموسكو، فهي تمثل موطئ قدم مهم للجيش الروسي في المحيط الهادي، ونقطة ارتكاز تسمح بالاستفادة من المضائق غير المتجمدة الموجودة في هذا النطاق، فضلاً عن كونها بوابة لحماية بحر "أخوتسك" الداخلي، وتوفيرها إمكانية لانطلاق القوات البحرية نحو بيرل هاربر في جزر هاواي، وما تمنحه الجزر من حرية للحركة لأسطولها الحربي في مياهها الشمالية مما يساعدها في مراقبة النشاط العسكري الأمريكي في المنطقة، كل ذلك على المستوى العسكري الاستراتيجي، فضلاً عن غنى هذه الجزر بالثروة السمكية والاحتياطيات الكبيرة من الغاز والنفط والمعادن النادرة، والطموحات التجارية الروسية على المستوى الاقتصادي الاستراتيجي.
وفي ضوء تلك الأهمية الاستراتيجية لجزر "كوريل" في السياسات الروسية قامت موسكو بتسليح تلك الجزر بمعدات صاروخية وبنى تحتية لتشغيل أنظمة باستيون، والتي يصل مداها إلى 450 كم، ما يمكّن روسيا من مراقبة المضائق المحيطة، وتمكينها من قصف اليابان في أي لحظة تريدها، ولذات الأهمية الاستراتيجية تتمسك موسكو بالجزر الأربعة، خاصة في ظل خشيتها من قيام اليابان بإنشاء قواعد بحرية أمريكية عليها في حالة التخلي الروسي عنها.
ثانياً: ردود الفعل اليابانية تجاه الأزمة الأوكرانية
في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في شباط 2022 توالت ردود الفعل اليابانية، وهي ردود لم تكن مفاجئة للمراقبين بحكم ارتباط السياسة الخارجية اليابانية بالسياسات الغربية بشكل عام، وبسياسات الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، حيث تبنت اليابان مواقف متماهية إلى درجة كبيرة مع مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن رصد تسلسل تلك المواقف فيما يلي:
- قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قررت اليابان فرض حزمة عقوبات ضد موسكو على خلفية اعترافها باستقلال منطقتي لوجانسك ودونيتسك.
- في أوائل مارس 2022 دعمت اليابان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي طالب روسيا بوقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا وسحب القوات بشكل كامل وغير مشروط من الأراضي الأوكرانية، وفي ذات الوقت، تعهدت طوكيو بتقديم 200 مليون دولار كمساعدات إنسانية طارئة و600 مليون دولار كمساعدات مالية لأوكرانيا.
- انضمت اليابان إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية أخرى في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وقيّدت التعامل مع البنك المركزي الروسي وبنكي سبير بنك وألفابنك، وجمّدت أصول الرئيس فلاديمير بوتين وشخصيات حكومية أخرى، وبدأت بحظر وتقييد واردات الآلات والأخشاب والفودكا الروسية، كما تحفظت طوكيو على القرار الروسي بقبول ثمن الغاز بالروبل.
- في 21 مارس 2022، أعلنت موسكو أنها تنسحب رسميا من المفاوضات بشأن معاهدة سلام دائمة مع اليابان.
- في أوائل أبريل 2022، أعلنت الحكومة اليابانية طرد عدد من الدبلوماسيين الروس، وردت موسكو بالمثل في وقت لاحق من نفس الشهر.
- أعلن يوشيماساها ياشي، وزير الخارجية الياباني، استعداد بلاده لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين خلال لقائه مع نظيره الأوكراني ديمتري كوليبا في العاصمة البولندية وارسو، كما شارك وزير الدفاع الياباني في اجتماعات وزراء دفاع ثلاثين دولة ضمن المجموعة الاستشارية الأمنية الأوكرانية الذي عقد في قاعدة رامشتاين الألمانية في مايو 2022.
- صرح رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، بأن بلاده ستوقف تدريجياً واردات النفط من روسيا مع الحفاظ على المشاريع اليابانية في إقليم سخالين الروسي، أعقبها إعلان طوكيو بأنها ستتوقف بشكل كامل عن استخدام الفحم الروسي، كما انضمت اليابان إلى ما تبنته مجموعة الدول السبع (G7) التي تعهدت بتقديم دعم لميزانية أوكرانيا بنحو 8 مليار دولار، وفرضت أكبر حزمة من العقوبات الاقتصادية والمالية على روسيا.
- شاركت اليابان في اجتماعات قمة الناتو المنعقدة في إسبانيا للمرة الأولى منذ إنشاء الحلف عام 1949، حيث شدد رئيس الوزراء الياباني على سعي بلاده لتحديث وثيقة الشراكة مع الناتو لتعزيز التعاون في مجالات الأمن السيبراني والبحري، وأدان كذلك العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مضيفاً أنه يشعر "بإحساس قوي بالأزمة" فيما يتعلق باحتمالية نشوب صراع مماثل لما حدث في أوكرانيا في شرق آسيا.
ثالثاً: تداعيات الأزمة الأوكرانية على السياسة الدفاعية اليابانية
سياسة اليابان الدفاعية ليست جديدة، ولم تكن وليدة الأزمة الروسية الأوكرانية، فهي سياسة محكومة بموقع اليابان ضمن الاستراتيجية الغربية في العموم، والاستراتيجية الأمريكية بشكل أكثر تحديداً، وتم إرساء قواعد تلك السياسة عقب هزيمة اليابان واستسلامها في الحرب العالمية الثانية، وفي هذا السياق يرى الخبراء أن طوكيو باتت مكوناً مهماً من مكونات الاستراتيجية الأمريكية، وتتمتع بالمظلة النووية الأمريكية، مقابل إعطاء واشنطن قواعد وتسهيلات عسكرية، حتى أصبحت طوكيو ركيزة أساسية لاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
لكن يمكن رصد عدة توجهات إضافية لطوكيو في هذا الشأن، وتمثلت في إجراء تغييرات عدة في أنماط السياسة الدفاعية اليابانية، حتى قبل اندلاع شرارة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وذلك من خلال:
أولاً: عقد اتفاقات شراكة تعزز قدراتها الاستراتيجية والعسكرية، من قبيل:
- توقيع رئيس الوزراء الأسترالي مع نظيره الياباني في السادس من يناير 2022 اتفاقية دفاع باسم (اتفاقية الوصول المتبادل RAA) والتي تساعد على نشر أسرع لأفراد قوات دفاع البلدين، كما تخفف القيود على نقل الأسلحة والإمدادات اللازمة لعمليات التدريب المشترك، فضلاً عن مشاركة الدولتين مع الولايات المتحدة الأمريكية والهند في مجموعة غير رسمية "كواد" سعت في السنوات الأخيرة لمواجهة التهديدات الصينية للممرات البحرية الحيوية في المحيط الهادي.
- توقيع اليابان اتفاقية مع تايلاند تتضمن إمكانية توريد معدات دفاعية من اليابان في إطار دعم الأخيرة لبانكوك، وتوسيع التعاون في مجال الضمانات الأمنية في رسالة واضحة إلى الصين.
- التوجه نحو تعزيز تحالفاتها العسكرية، ويظهر ذلك في إعلان طوكيو في مايو 2022 عزمها توقيع اتفاقية دفاع مع لندن لتدريب قوات البلدين، في إشارة لدور بريطاني في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
- إعلان اليابان عن إرسال قوات للتدريبات العسكرية السنوية بين الجيشين الإندونيسي والأمريكي مع المملكة المتحدة وأربعة عشر دولة أخرى في أرخبيل سومطرة وجزيرة بورينو، وسط تصاعد التوتر مع الصين في بحر الصين الجنوبي.
- لا يمكن إغفال اتفاق الأمن بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، والذي تم توقيعه في خمسينيات القرن الماضي، وتم تجديده عام 1960، وبموجبه اتفق الجانبان على مساعدة كل منهما للآخر حال وقوع هجوم مسلح على أراضي تحت الإدارة اليابانية، بالإضافة إلى توقيع الدولتين عام 1978 على المبادئ التوجيهية للتعاون الدفاعي، حيث تم تحديد دور القوات المسلحة في كل دولة، حيث دأبت واشنطن وطوكيو على إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بشكل منتظم.
ثانياً: تغيير مفهوم "الأمن القومي الياباني"
تصاعدت المناقشات في اليابان حول مفهوم أمنها القومي، خاصة في ظل موقعها الجيوسياسي دائم التوتر، فهي محاطة بالصين من الجنوب، وكوريا الشمالية المسلحة نووياً من الغرب، وروسيا من الشمال، لذلك قدّم أعضاء في الحزب الحاكم في اليابان في أبريل 2022 مقترحاً برفع ميزانية الدفاع من 1 الى2 %، لتتناسب مع النسب المقررة لأعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو".
كما تعالت بعض الأصوات المطالبة بتعديل الدستور الياباني من أجل تعزيز القدرة اليابانية على الرد وحيازة السلاح النووي، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بقوله "إن جميع الخيارات ستكون متاحة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن اليابان"، وتظهر الحاجة لتعديل ذلك الدستور كنقطة ارتكاز جديدة للمفهوم الجديد للأمن القومي الياباني، وخاصة في مادته التاسعة التي فرضت على اليابان التخلي إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للدولة، أو القيام بأي أعمال عدوان أو تهديد باستخدام العنف كوسيلة لحل النزاعات الدولية، في الوقت الذي تطور فيه الجارتان كوريا الشمالية والصين سلاحهما النووي.
وفي ذات السياق أعلنت طوكيو مؤخراً عن عزمها إعادة تشغيل بعض مفاعلاتها النووية المتوقفة منذ عام 2011 رغم وجود معارضة داخلية لذلك الإجراء بسبب التخوف من حدوث كوارث محتملة مع تعرض البلاد للزلازل بشكل متواتر، كما غيّرت اليابان من لهجتها في الكتاب الدبلوماسي الصادر عن وزارة الخارجية في أبريل 2022 وذلك في وصفها جزر الكوريل بأنها "محتلة بشكل غير قانوني من قبل روسيا، وأنها جزء متأصل من الأراضي اليابانية"، وهو وصف لم يرد منذ تقارير صادرة عام 2003.
خاتمة
من خلال العرض السابق يتبين أنّ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لم تكن في حد ذاتها منشئة للاستراتيجية اليابانية بقدر ما كانت كاشفة لها ولسياسات اليابان الخارجية في ضوء حسابات التوازن المعقدة في المنطقة، ويظهر ذلك من خلال مجموعة من المؤشرات المتصلة، حيث جاءت السياسة اليابانية في إطار حركتها التقليدية المتسقة مع التوجه العام للسياسة الأمريكية وباقي الحلفاء لتثبيت التحالف الغربي في مواجهة روسيا والصين من جانب، كما عكس الموقف الياباني حالة "الحرب الباردة" المتواصلة منذ الحرب العالمية الثانية بين طوكيو وموسكو، حيث لم يتوصل الجانبان لاتفاق سلام، بل ظلت مسألة الجزر بؤرة توتر يتم توظيفها في سياق التفاعلات الصراعية الأمريكية-الروسية.
يضاف إلى تلك المؤشرات أن توجه اليابان نحو تعديل سياستها الدفاعية ومضاعفة إنفاقها العسكري لم يكن وليداً للحظة الراهنة، حيث تملك اليابان قاعدة صناعية ضخمة، وهي ثالث قوة اقتصادية في العالم، وأول منتج للحديد والصلب، وقد سمح لليابان مؤخراً ببناء ثلاث حاملات طائرات عملاقة وأسلحة قوات مشاة للبحرية، إضافة إلى قيامها بتصنيع طائرات F15-F16 وتصديرها لدول أخرى، وعام 2015 أقرت اليابان قوانين جديدة سمحت لها بنشر قوات في الخارج، وانضمت للحلفاء في عمليات عسكرية في القرن الأفريقي، بل إنها حالياً تقوم بتوفير الموارد اللوجستية بشكل فعال للقوات الأوكرانية في مناطق القتال ضد روسيا، وتمتلك اليابان حالياً نحو 250 ألف جندي ضمن قوات الدفاع الذاتي الياباني "الجيتاي"، إضافة إلى 60 ألف جندي من القوات العسكرية الأمريكية، وقد أظهر استطلاع رأي أجري في أبريل 2022 أنّ نحو ثلثي اليابانيين يؤيدون تعزيز القدرات الدفاعية لبلادهم بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد البلبلة التي حدثت في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
كما يأتي إعلان اليابان عزمها على التوقف التدريجي لوارداتها النفطية من روسيا رغم أن الأخيرة تقدم لها 3.6% من هذه الواردات فقط كمؤشر آخر لانكشاف السياسة اليابانية بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، حتى في ظل إعلان اليابان أنها ستبقي على مشاريعها في إقليم سخالين الروسي، وأنها لن تسحب شركاتها من هناك كما فعلت المملكة المتحدة، حفاظاً على مصالحها الاقتصادية وتيقنها بأن الصين ستكون بديلاً لها حال انسحابها من هناك.
أما بشأن ما يتردد حول رفض اليابان التوجه نحو تطوير قدراتها النووية، فقد رصد بعض الخبراء ما دعا إليه رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، لإعادة النظر في فكرة تحريم نشر أسلحة نووية على الأراضي اليابانية، حيث تظهر الحقائق أن طوكيو تملك الخبرات العلمية ونحو 90% من البلوتونيوم اللازم لإنتاج السلاح النووي، فضلاً عن برنامج إعادة معالجة الوقود النووي المستهلك في المحطات النووية السلمية.
أخيراً من المهم الإشارة إلى أنّ دول المنطقة، بما فيها اليابان، ينتابها هواجس من تصاعد النفوذ الصيني المتزايد، إلا أنها، وبحكم ارتباطها العضوي باقتصاد بكين القوي الذي لا يمكن عزله دوليا أو حتى مقارنته بالاقتصاد الروسي، فإنها مضطرة لمهادنة الصين أمنياً وعسكرياً، خاصة في ظل غياب الثقة في الاعتماد المطلق على الدور الأمريكي في المنطقة، بعد التجربة المريرة من جراء سياسات ترامب وانسحابه من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي في 2017 " TPP " والتي أفسحت المجال لتزايد النفوذ الصيني في المنطقة، لذلك ستسعى اليابان للمحافظة على علاقات جيدة وديناميكية مع الصين دون الانزلاق إلى أي مواجهة محتملة.
*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: