في الأول من أكتوبر 2017؛ استيقظ العالم على خبر أكبر هجوم إطلاق نارٍ جماعي في تاريخ الولايات المتحدة الحديث؛ حيث نفّذ شخص يُدعى ستيفن بادوك (64 عاماً) هجوماً دموياً في مدينة لاس فيجاس؛ مما أدى إلى مقتل نحو 60 شخصاً، وجرح أكثر من 500؛ ليُعثر على بادوك فيما بعد منتحراً في غرفة الفندق التي نفَّذ من شرفتها الهجوم؛ وكانت تحوي "ترسانة" من الأسلحة والذخائر والمتفجرات. وقبل انتهاء أي تحقيقٍ رسمي (وربما قبل البدء فيه من الأصل)؛ أعلنت الصحيفة اليومية الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة، USA Today، عن أنّ العملية كانت "هجوم ذئب منفرد"، وكذلك كانت التسمية التي أطلقتها منصات إخبارية عالمية كالغارديان البريطانية والتلغراف البريطانية، وتبنى "داعش" هذه التسمية أيضا. ومع الانتشار الواسع لاستخدام هذا المصطلح؛ فحريٌ بالباحثين أن يُفردوا له نقاشاً علمياً يتوخى الدقة والحذر في التحليل.
ويدرك العاملون في مجال الصناعة الأمنية ومؤسسات إنفاذ القانون حول العالم أنَّ ما يسمى بـ "هجمات الذئب المنفرد" أو بالهجمات الفردية؛ تشكّل معضلة يُمكن لها أن تقوّض ثقة الفرد بالمنظومة الأمنية؛ الأمر الذي تحاول كل حكومة تفاديه بسبب عواقبه الوخيمة على الدولة ومؤسساتها وسمعتها داخلياً وخارجياً، كما يمكن لهذه الهجمات أن تزيد من تعقيد التعاطي مع تطبيق المعادلة الأمنية وفرض القانون من منظور النقاش الجدلي القائم حول الموازنة بين فرض القانون والحريات العامة.
وحريٌّ بهذا التطور أن يقود الباحثين والعاملين في مجال الصناعة الأمنية إلى التأسيس لثقافة جديدة تُبنى على سؤال الشك، والعمل على إعادة تعريف مفهوم النظرية الأمنية المتعلقة بسلامة الجموع؛ والتي تتعاطى بشكلٍ خاص مع مفهوم مكافحة الإرهاب.
إن هذا المفهوم الذي فرض على الحكومات؛ لم يستطع لغاية الآن التفوق على إرهاب الذئب المنفرد (الحقيقي) "Lone Wolf Terrorism"؛ والذي يُشار له في بعض الدراسات والمقالات باسم "LWT".
ويحاول هذا المقال، بحسب وجهة نظر الباحثين، استهداف تعريف مفهوم هذا النوع من الإرهاب "LWT"، وشرح مغالطات التحليل وتفنيدها؛ الأمر الذي يعزز في النهاية نجاح التعامل مع هذه الظاهرة.
ويسعى التحليل إلى تقديم إجاباتٍ عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بهذا النوع من الإرهاب؛ وهي: هل هناك مبالغة في الترويج للهجمات التي تُعرف بـ "إرهاب الذئب المنفرد"؟ وما تبعات هذه المبالغة؟
ودون إغفال سؤال مهم أيضاً؛ وهو: هل يمكن الزعم بوجود هجمات ذئب منفرد حقيقية؟ ومن أجل ذلك؛ سيطرَح التحليل تعريفاً لهجوم الذئب المنفرد الحقيقي، ومن ثم يُحدد الشروط التي يجب أن تتحقق ليطلق على حدث ما أنه فعل ذئب منفرد.
فجوة عميقة بين التعريفات
من الواضح أن هنالك فجوة عميقة بين التعريفات التي تتناول هذا النوع من الإرهاب؛ حيث لا يوجد تعريف موحّد متفق عليه سواءً بين المرجعيات الأكاديمية أو المؤسسات البحثية أو المؤسسات الأمنية؛ الأمر الذي يخلق حالة من الالتباس وسوء الفهم في التحليل والشرح داخل أروقة الجهاز الأمني الذي يستقبل المعرفة بهذا الخصوص من جهة (كالاستراتيجيات وخطط التعامل والسيناريوهات)، وبين مراكز الدراسات والفكر والبحوث التي تُنتج هذه المعرفة من جهةٍ مقابلة.
ومن هنا تأتي أهمية التحليل؛ إذ أن العمل على تقليص هذه الفجوة وردمها؛ سيعزز من أداء الجهاز الأمني الذي يعمل على استقبال هذه المعرفة وتوظيفها لوضع خططٍ عملية، ولتطوير أدواته للتعامل مع هذا النوع من القضايا؛ على اعتبار أن المؤسسة الأمنية هي في واجهة الحدث، كما سيهيئ أرضية مناسبة لمُنتجي هذه المعرفة تمكّنهم من خلق نقاشٍ يراعي حساسية بث المعلومة المتعلقة بهذا النوع من الإرهاب إلى مؤسسات الإعلام؛ على اعتبار أن هذه المعلومة تجد طريقها للمجتمع الذي يدوّرها في النهاية بطرق متعددة.
فعندما ينفذ شخص ما هجوماً إرهابياً تتسابق التحليلات لوصف عمله بأنه "هجوم ذئب منفرد"، ولا يدرك من يطلق هذه الأخبار أو التصنيفات الخطورة الحقيقية لمثل هذا الهجوم على المجتمع؛ لا سيما أن هذه الخطورة يمكن لها أن تكون مؤثرة في حياة الأفراد بشكلٍ هائل. وعليه؛ فإنه يجب التروّي قبل التوظيف غير الدقيق لهذا المفهوم؛ لأن ذلك التوظيف قد يخلق حالة من التيه والتضخيم؛ وبمقاربةٍ مبسطة؛ فإنه يمكن للطاهي في المطعم أن يصبح ذئباً منفرداً بوضع كمية كبيرة من السيانيد ليستهدف بها زوار مطعمه، تماماً كما يمكن لقائد طائرة أن يتحول إلى ذئبٍ منفرد بأن يستهدف بطائرته المُحملة بأشخاص أبرياء مطاراً مزدحماً أو مدينة ما.
وعليه؛ فإن إعادة قراءة هذه الظاهرة وتوضيح المفاهيم المرتبطة بها؛ أمست ملحة؛ لأن الجزم بأن هناك عملية واحدة تنطبق عليها شروط هجمة الذئب المنفرد يعني أن هناك احتمالية كبيرة لأن يتحول كل شخص في المجتمع إلى ذئبٍ مهاجم؛ وهذا لا يتوافق مع المشاهدات والحالات التي تمت دراستها على مر السنوات.
وبالتالي؛ فإن غياب إطار تحليلي واضح لهذا النوع من الإرهاب يؤدي بدوره إلى تعتيم مفهومي ينتقص من قراءة الصورة الكاملة؛ والتي هي من حق الجميع، مع تحفظ البعض على هذا الحق، خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الأمنية؛ وذلك لضمان سير التحقيقات دون تشويش؛ وهو حق محفوظ وفقاً لضرورته وبموجب القانون؛ علماً بأن "هجمات الذئب المنفرد" أُدرجت في تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2015 على أنها نموذج للهجمات الإرهابية على الدول الغربية؛ أي قبل أقل من عامين فقط؛ على الرغم من الاستخدام المفرط لهذا المفهوم خلال سنوات عديدة سابقة.
الذئب المنفرد: تعريف وشروط
وكخلفية تاريخية؛ فمن الضروري معرفة أن الهجمات الفردية؛ سواء أكانت بهدف الإرهاب، أو بهدف لفت الانتباه، أو بهدف إلحاق الضرر بالممتلكات أو بالأفراد لاختلاف الأسباب؛ هي ليست هجمات حديثة؛ وإنما تعود إلى ستينيات القرن التاسع عشر تقريباً؛ وذلك عندما أطلق أتباع الأيديولوجية السياسية "الفوضوية" أو ما يعرف بـ "اللاسلطة" نظرية عُرفت آنذاك بنظرية "المقاومة بلا قيادة" "Leaderless Resistance".
ومن الناحية النظرية؛ يُعرَّف إرهاب الذئب المنفرد بأنه "قيام فردٍ ما بعمل يُصنَّف من قبل السلطات على أنّه عمل إرهابي دون ارتباط هذا الفرد بجماعة إرهابية؛ سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة". وفي بعض الحالات؛ فقد تم إلصاق هذا المفهوم بالأفراد الذين قاموا بعملٍ جُرمي كالقتل؛ دون ارتباط القاتل بجماعة منظمة؛ على النحو الذي شوهد في حالات الهجوم المرتبطة بجماعات يمينية متطرفة أو معادية للإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ومن المهم الإشارة هنا إلى أنّ مفهوم إرهاب الذئب المنفرد تطور مع تطور مفهوم الإرهاب بموجاته الأربع - كما قدّمه ديفيد رابابورت في أواخر السبعينيات من القرن المنصرم - وهي: الأناركية، والمناهضة للاستعمار، واليسار الجديد، والدينية.
وبناءً على ما تقدّم؛ فقد تم وضع مجموعة من الشروط الواجب توافرها في حدثٍ إرهابي ما لكي يُطلق عليه هجمة ذئب منفرد؛ وفقاً لمعايير محددة من شأنها أن تؤطر هذه الظاهرة، وتعمل على تقليص حدود الهلامية التي تسبح فيها اليوم بسبب الإعلام "غير المثقف" وفوضى وسائل التواصل الاجتماعي التي غالباً ما تنتقل فيها المعلومة بدون تدقيق أو تمحيص، إضافة إلى ضعف الخبرات في بعض المؤسسات الأمنية.
الشروط الواجب توافرها في حدثٍ إرهابيٍّ ما؛ لكي يُطلق عليه "هجمة ذئب منفرد":
1. يجب ألا يملك منفذ الهجوم سجلاً أمنياً، وألا يكون قد خضع لأي نوع من عمليات الملاحقة والمتابعة الأمنية من قبل.
2. ألا تكون قناعاته (الأيديولوجية أو السياسية) بالقيام بهجوم إرهابي قد تكوّنت بالاتصال المباشر أو غير المباشر مع أي مجموعة أو جماعة إرهابية منظمة.
3. أن يكون منفّذ الهجوم منفرداً، ولم يتلق أي مساعدة أياً كان نوعها؛ فلا يمكن تصنيف هجمة قام بها اثنان أو أكثر بأنها "إرهاب ذئب منفرد"؛ على النحو الذي فعله معظم المحللين في الهجوم الذي استهدف صحيفة "شارلي إبدو" في باريس في 7 يناير 2015.
فإذا توافرت هذه الشروط الثلاثة السابقة في هجومٍ إرهابي؛ فيمكن القول إنه "إرهاب ذئب منفرد"؛ إذ تضمن هذه الشروط تكوُّن هذه القناعات بناءً على إدراك فردي كامل من قِبل منفّذ الهجوم بأن ما يقوم به صحيح، وأنّ مناصرته لفكرةٍ أو تنظيم ما جاءت بعد هذا اليقين الفردي بالكامل. وكذلك الفعل؛ حيث تضمن هذه الشروط أنّ فعل هذا الذئب قد ارتبط ارتباطاً وثيقاً برغبته الفردية القادرة على فعله الفردي غير المُجرَّم أبداً؛ وفقاً لعرفه أو أيديولوجيتيه.
وعندما تصل إلى السلطات الأمنية والمعنية أوراق قضيةٍ ما توافرت فيها الشروط الثلاثة السابقة؛ يُتفق تماماً مع الرأي القائل أن هذا النوع من العمليات يصعب جداً ملاحقته أو متابعته أو حتى التنبؤ به قبل وقوعه من قبل هذه المؤسسات؛ وهذا يشكّل بالفعل تحدّياً حقيقياً للمؤسسة الأمنية والاستخبارية؛ ووقتها يمكن أن يتعاطف المجتمع (الشارع) مع هذه الأجهزة والمؤسسات؛ لعدم توافر القدرة على منع حدوث هجوم من هذا النوع، ومن هنا؛ فيجب مراجعة العمليات التي حدثت وتوافرت فيها (شروط الذئب المنفرد)، وتحديد نسبتها من مجموع الهجمات الإرهابية التي نُفذت حول العالم.
ذئب أم قطعان من الذئاب؟
يعتقد الباحثان أن هناك خطراً موازياً لخطر إرهاب الذئب المنفرد الحقيقي؛ وهو الهجمات التي تنظّم من خلال "قطعان الذئاب" التي تعمل بشكل جدّي وفق مفهوم الخلية المصغّرة لتصميم وبناء هجمةٍ ما؛ من خلال تقديم الدعم المادي واللوجيستي للمهاجم. وتُعزى صعوبة تعقب هذا النوع من "القطعان" إلى براعة أفرادها في إخفاء الروابط فيما بينهم؛ خصوصاً إذا كانت ضمن إطار العائلة أو القربى أو النسب أو تشابه مكان العيش. هذا النوع من "التنظيمات" يقدِّم نفسه بشكلٍ هجين؛ أي أن المهاجم يمكن أن يكون في الظاهر ذئباً منفرداً ولكنه يتحرك من خلال منظومة واسعة وجمعية.
ومن باب عدم إغفال الحقيقة؛ فإنّ جميع الحوادث التي صُنفت تحت بوابة الذئاب المنفردة؛ يمكن ربط الفرد المنفّذ فيها بشبكة اجتماعية أوسع وبمظالم وظّفتها الجماعات المتطرفة لغايات التجنيد. ويجادل هذا المقال بأن أغلب التحليلات التي تم رصدها على مر السنوات قد سلَّطت الضوء، بشكل متعمد أو غير متعمد على "فردانية" المهاجم وعدم ارتباطه بأي نوع من "التنظيمات"، ونتج عن ذلك المبالغة في الترويج لظاهرة الذئب المنفرد؛ بكل ما تحمله هذه المبالغة من مخاطر سيتم التطرق لها في السطور القادمة.
ومع ذلك؛ فإن المُبشّر في الأمر أن هذا النوع من "التنظيمات" يمكن اختراقه وتعقبه وتتبعه وصولاً إلى إحباط مخططات هذه القطعان التي تعيش بشكلٍ منفرد ولكنها تفكر بشكلٍ جمعي. ولكن هذا الانتقال لا يتم عبر الطريقة التقليدية؛ فعندما تم إجراء تحليلٍ لبعض القضايا؛ وُجد أن التفكير بهذه الطريقة (قطعان الذئاب وتحليل العلاقات البينية والموارد) يُفضي إلى القدرة على تجميع قطع الأحجية "Puzzle"، والوصول إلى صورة أكثر وضوحاً وتماسكاً.
وتقتضي الموضوعية القول بأن آليات واستراتيجيات العمل الاستخباري والأمني المتعلق بملاحقة أي إرهابي محتمل؛ يجب أن تُعاد هيكلتها وفقاً للتغير الجذري في طبيعة بناء "التنظيمات" الإرهابية؛ وهو التغير الذي بات يعتمد على ترسيخ مجموعة من المفاهيم في الذهنية الجمعية -أي العقل الجمعي للمجتمع- وصولاً إلى تركيزها في ذهن الفرد. وأنّ هذه المفاهيم وأكثرها انتشاراً هي فكرة قديمة متجددة مبنية على ثنائية "المظلومية والحقوق"؛ أي أن لها علاقة وطيدة بحقوق المجتمع أو نزعة كراهية ضد فئة معينة أو مهاجمة فئة معينة متهمة باضطهاد فئات أخرى؛ سواء أكان على أساسٍ عرقي أو ديني أو طائفي أو ما شابه ذلك.
وبالتالي؛ فمن الممكن أن يلجأ أيُّ شخص إلى الاحتجاج من خلال قيامه بعملٍ دموي دون أن يسمى إرهابياً في بعض الدول؛ ولكنه شكّل في الواقع إرهاباً للناس وللمجتمع. ومن خلال متابعة حالاتٍ عِدة؛ وُجد أن الصفات المتعلقة بالذئب المنفرد، والتي درجت في هذا المقال، تنطبق على بعض الحوادث الدموية في الولايات المتحدة أو في أوروبا؛ ولكنها لم تنطبق على حالات في دول العالم العربي أو آسيا. ولكي تتضح هذه المقاربة؛ سيتم التعرض لحادثتين تطرحان سؤال الشك حول مفهوم هجمات الذئب المنفرد؛ علماً بأن الحادثتين الدمويتين مختلفتان من حيث الدافع وصفات المنفذين وظروف التنشئة؛ بيد أنّ تشريحهما التحليلي يقود إلى إدراك مدى الرعب الحقيقي الذي سيتملك المجتمعات في حال رواج هجمات الذئب المنفرد الحقيقية.
النرويج 2011
في 22 يوليو 2011؛ شهدت النرويج هجمةً دموية إرهابية نُفذت من قِبل شخصٍ واحد يُدعى "أندرس بهرنغ بريفيك"؛ راح ضحيتها أكثر من 77 شخصاً في هجومين منفصلين؛ وكان بريفيك يدّعي إيمانه بالنازية والفاشية، وكان يدير موقعاً إلكترونياً مناهضاً للإسلام وللأجانب، وما يلفت النظر؛ أنّ المهاجم نشر عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قبل الهجومين تغريدة تدل على فردية العملية التي قام بها؛ حيث قال: "شخص واحد مؤمن يساوي قوة مائة ألف من الأشخاص الباحثين عن المصالح فقط".
هجوم قاعدة فورت 2009
في نوفمبر 2009؛ قام ضابط أمريكي من أصل عربي، وهو طبيب نفسي يدعى بـ "نضال حسن" (39 عاماً)، بإطلاق النار على زملائه داخل قاعدة "فورت هود" العسكرية في ولاية تكساس في مركز الفحص الطبي المخصص للقوات العسكرية التي تستعد للانتشار خارجاً؛ ما تسبب بمقتل 13 شخصاً على الأقل وإصابة 31 آخرين، وتم إطلاق النار عليه وإصابته؛ ليقدّم بعدها إلى المحاكمة العسكرية. وقدَّم نضال حسن كل الشروح والإيضاحات بشأن العملية التي نفذها؛ معترفاً أكثر من مرة بأنه قام بهذا الفعل بكامل قواه العقلية والنفسية، ومُعللاً إقدامه عليه بأنه انتقام للتصرفات التي قام بها الجيش الأمريكي في أفغانستان ضد المسلمين؛ على حد قوله.
واللافت للنظر في هذه القضية؛ أنّ وجود نضال حسن في القاعدة كان بغرض إعداده للذهاب إلى العراق في نهاية نوفمبر، وأنه طبيب مختص بالرعاية النفسية للجنود العائدين من مهام في أفغانستان والعراق، وأنه التحق بالقوات الأمريكية في عام 1997، وحصل على وسام الدفاع الوطني، ووسام الحرب على الإرهاب.
وبناءً على ما سبق؛ فقد بات واضحاً أن التحليلات المرتبطة بمكافحة كافة أشكال الإرهاب تقف اليوم أمام تحدٍّ جديد؛ وهو التمييز بين هجمات الذئب المنفرد الحقيقية، وبين الهجمات التي يتم تصويرها وتقديمها على أنها هجمات ذئب منفرد. ففي دراسة أعدّها "Southern Poverty Law Center"، ونُشرت في فبراير 2015؛ تبيّن أنه من بين 60 حادثة إرهابية تم التخطيط لها وتنفيذها على أراضي الولايات المتحدة الأمريكية ما بين عامي 2009 و 2015؛ وُجِدَ أنّ 74% منها صُنفت بأنها هجمات ذئب منفرد، وأنّ 90% منها كانت من تنفيذ شخصٍ واحد أو شخصين.
وفي حديث لفريق الباحثين مع مدير جهاز اليورو بول، روب وينرايت، حول موضوع هذا المقال؛ أفاد بأن الهجمات التي تُنسب إلى الذئاب المنفردة غالباً ما تضم أكثر من شخص واحد في مرحلة التخطيط؛ إذ يرى العميل السابق في مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي وأحد مؤسسي برنامج تحليل السلوكيات، جو نافارو، أنه من بين الحوادث الستين التي تحدّث عنها التقرير؛ كان الدافع الرئيسي وراء الهجمات إما النزوع إلى الفوضوية (والاعتقاد بإلغاء جميع الحكومات وتنظيم المجتمع على أساسٍ طوعي وتعاوني دون اللجوء إلى القوة أو الإكراه)، أو كراهية فئة اجتماعية معينة؛ وهذا لا ينطبق تماماً على الأعمال الإرهابية التي تنفَّذ تحت شعارات دينية؛ ولا سيما في أوروبا.
وبدراسة أكثر من 50 حالة لأشخاص صنّفوا أعمالهم على أنها تصرف فردي؛ وُجد أنه بالرغم من اختلاف الدافع السياسي أو الأخلاقي أو الاجتماعي أو الديني؛ فإن السمات الشخصية متشابهة إلى حدٍ كبير، وقد تصل في بعضها إلى حدّ التطابق. وقد شملت هذه الحالات ثلاثة أنماط من الشخصية:
النمط الأول: يتمثل في مجموعة من الأشخاص قد أمضوا حياتهم بكاملها في الولايات المتحدة الأمريكية.
النمط الثاني: يضم أشخاصاً قد عاشوا في أوروبا.
النمط الثالث: كان لأشخاص من المغرب العربي قد عاشوا جزءاً من حياتهم في مناطق الصراع العربية في العراق أو سوريا أو ليبيا.
الدعاية الإعلامية المضلِلة
من خلال البحث والتقصي ودراسة مجمل الهجمات الإرهابية التي وقعت حول العالم في الفترة ما بين 2014-2016 وفي الربع الأول من 2017؛ يتضح أن أغلب هذه الهجمات نُفذت من قبل مجموعات تكوّنت من شخصين أو ثلاثة، أو من قِبل شخصٍ واحد تلقّى دعماً لوجيستياً من "تنظيم" ما أو جهازٍ استخباري ما، كما أن المتوافر من البيانات والأدلة يفيد بأنّ 95% (تم حساب هذه النسبة من قبل الباحثيْن) من الأشخاص الذين نفذوا هذه الهجمات في الفترة المذكورة؛ كانوا مدرجين ضمن النشرات الحمراء؛ بسبب التحقيق معهم سابقاً في قضايا تتعلق بالتطرف أو العنف أو التعاطف أو الشروع في هجمات فاشلة، أو أنهم كانوا عائدين من بؤر الصراع والنزاع، وفي حالات أُخرى وُجِد أن دولاً بعينها أصدرت بحقهم نشرات تحذر من خطورتهم؛ فكيف يمكن هنا إطلاق مفهوم "إرهاب الذئب" على هذه الهجمات؟ ولماذا يتم تضخيم حجم هذا الخطر؟ ولمصلحة من؟
يلعب الإعلام دوراً مهماً في ممارسة التضليل أو نشر التنوير، ومن المعروف في الأدبيات العامة للإعلام أن السبق الصحفي أو الخبر الأول عن قضية ما يمثل الخبر الأهم؛ وهو الذي يُتداول بينهم، وهو الأكثر تصديقاً عند المتلقي. ولا ينال خبر النفي أو التعديل (إن وُجد) الأهمية نفسها التي حظي بها الخبر الأول؛ ففي الفترة من 2014 إلى 2016 اهتمت وسائل الإعلام العالمية والعربية بخمس حوادث على أنها هجمات إرهابية نفذها ذئب منفرد، وسرعان ما تم البحث عن أيّ مظاهر دينية ليجري ربطها مباشرة بالحوادث.
ولكن بعد التحقيق؛ تبيّن أنّ هذه الهجمات كانت مرتبطة بدوافع إجرامية بحتة، وأخرى متعلقة باختلالٍ نفسي؛ ولكن نتائج التحقيق لم تلقَ صدى إعلامياً ملائماً، ويمكن الجزم هنا بأن أكثر من ثلثي من تلقوا الخبر على أنه هجمة إرهابية لذئب منفرد؛ ما يزالون يعتقدون أن هذا هو الوصف الحقيقي للحادثة.
وفيما يخص التغطية الإعلامية لقضايا الإرهاب، لكونها تمثل فرصاً للسبْق الإعلامي وتُعتبر من الأحداث الساخنة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، لوحظ أنّ وسائل الإعلام تقع في فخ التعميم سلفاً من مبدأ "ناقل الكفر ليس بكافر"؛ إذ تم التسابق على تقديم تغطياتٍ إعلامية مكثفة، وربط أحداث، وبث تقارير تفتقر للمهنية، كما تم استضافة أشخاص للحديث عن القضية غالباً ما يقعون في أخطاء جسيمة في التحليل بسبب عدم الاختصاص؛ الأمر الذي يُعقد فهم الموضوع بالنسبة للشخص العادي؛ ليقع أيضاً هو ضحية لجهات تحاول زرع الخوف ونشره كمنتج متكامل.
ويحق السؤال هنا: لصالح من كانت تتسابق منصات الأخبار أو منصات التواصل الاجتماعي لتسويق أعمال الجماعات الإرهابية؟ وهنا أيضاً، يُسمَع صدى ما قالته رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشر، عن أن "الدعاية هي أوكسجين الإرهاب"؛ وقد كانت رئيسة للوزراء في الفترة ما بين (1979-1990).
وخلال السنوات الماضية؛ لم يستطع أي باحث أو أي مؤسسة بحثية أو أمنية وضع مواصفات شخصية للذئب المنفرد الحقيقي. وبالنتيجة؛ فقد أصبح من الصعب الجزم والتنبؤ بالأهداف أو بالمنفذين، وهل يمكن للشخص الطبيعي الذي يرتاد المقهى العام أن يكون ذئباً منفرداً مهاجماً، أو أن يكون جزءا من "قطيع مهاجم"؟ أي هل هو متعاطف وساخط ويميل إلى استخدام العنف لو سنحت له الفرصة، أم أنه مجرد إنسان طبيعي مثقل بذات الهموم الحياتية كسائر الناس؟ لذلك؛ فإنّ القطعان التي تتحرك حول العالم منتظرة أي فرصة سانحة لشنّ هجومها تدرك هذه الميزة وتوظفها؛ ولكن ليس لإيهام الشخص البسيط الذي ينتظر طائرته في صالة الركاب أو تلك السيدة التي تقرأ كتاباً في مقهى فرنسي؛ بل يوظّف هذا التضليل والغطاء لكي تُخدع به أجهزة الأمن؛ وهذا يفسر الجملة الشائعة التي تقال في أغلب تحديثات السلطات بشأن هذا النوع من الحوادث وهي أن "المُهاجم معروفٌ لدى السلطات".
ففي كثير من الهجمات؛ تُسمع تعليقات من الجهات الأمنية مفادها أنّ منفذ العملية معروف لدى السلطات وهو ضمن النشرة الحمراء، أو أنه قد تم توقيفه سابقاً بقضايا تتعلق بالكراهية أو التعاطف مع "تنظيم" متشدد أو السفر لبؤر النزاع.
بمعنى آخر؛ فإن هذا المنفذ يشكل نسبة تهديد عالية ومتوقعة لدى الجهاز الأمني؛ ومع ذلك فإنه ينجح في تنفيذ هجومٍ دامٍ؛ وبالمقابل قد تكون لدى أي شخص عادي مشكلة مع بطاقة ائتمان بمبلغ ألف دولار يمكن أن تسبب له الكثير من المشاكل والملاحقة دون أن يقع داخل هذه النشرة وضمن الرادار الأمني أو الاستخباراتي.
إضافة إلى ذلك؛ فإن في توظيف هذا المفهوم بالشكل غير المسبوق الذي يُشاهَد اليوم؛ إغفالا لدور ظاهرة جرائم التقليد، The Copycat Crime/Effect، في قرار هؤلاء الأفراد؛ بمعنى أن الافراد الذين قاموا بجرائم تُصنف كإرهاب ذئاب منفردة كانوا قد تأثروا بحوادث مشابهة قام بها على سبيل المثال متهمون بجرائم قتل جماعي "Mass Murderers"؛ وهذا يدحض انفرادية الفعل لهذا الذئب أو ذاك.
إذ وجد الخبيران في قضايا الإرهاب، مارك هام ورامون سبايج، في كتابهما "عصر إرهاب الذئاب المنفردة" بعد دراسةٍ تحليلية شاملة لأكثر من مئتي حالة "ذئب منفرد"؛ بأن مزيجا من المظالم السياقية الشخصية والسياسية يؤدي بالذئاب المنفردة إلى القيام بهذه الأعمال؛ سواء أكانوا من "الجهاديين" أو من المعتقدين بتفوقهم من البيض أو غيرهم من "التنظيمات" المناهضة للمؤسسات الحكومية القائمة، وبالتالي فإنّ تأثير الحالة السياسية-الاجتماعية الأوسع في حوادث الذئاب المنفردة كان حاضراً تماماً كما هو في حالات التطرف والانضمام للجماعات المسلحة الأوسع.
إرهاب الجيل الرابع
لا يمكن مناقشة موضوع المقال من دون الإشارة إلى أنّ الإرهاب قد أصبح أحد الأدوات العسكرية التي تتبناها بعض الدول ضمن مفهوم موسّع يعرف بـ "حروب المنطقة الرمادية" و"حروب الجيل الرابع"؛ حيث أشارت بعض التحقيقات المتعلقة بقضايا الإرهاب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى أجهزة استخبارية أجنبية، وفي بعض الحالات الأخرى أشارت إلى بصمات أجهزةٍ استخبارية داخلية؛ ولعل أجهزة الاستخبارات المعادية هي أفضل من يوظّف فكرة قطعان الذئاب المنفردة، وبالتالي تضيف مثل هذه النتائج أعباءً على عاتق المؤسسات الأمنية، وتزيد من الضغط على مواردها.
ويشير البروفيسور، كريستوفر كوكر، في كتابه الحرب في عصر المخاطر "2009 War in An Age of Risk" إلى أن تفكير العالم قد تغير تجاه الحروب من حيث كيفية الفهم وأدوات الحرب عبر التطوّر الزمني؛ ففي الوقت الذي كانت الحروب فيه تُعتبر صراعاً بين الإرادات؛ باتت اليوم علما وفنّا في كيفية إدارة المخاطر، وفي نفس الوقت؛ إن درجة التعقيد التي تواكب متطلبات الأمن القومي والأمن الداخلي؛ غيرّت الحروب لتصبح حروبا معقدة؛ فالعالم اليوم يُجمع على ضرورة التوحّد ضد الإرهاب؛ فكيف ستكون هذه الحرب العالمية ضد متغيرات أصعب ما فيها فهمها؟! حتماً، إن فكرة القيام بأي هجوم إرهابي؛ أيّاً كانت الأسباب الموضوعية والسياقية؛ فإنها تُعتبر فكرة مجنونة تخدم شيئاً ما داخل الفاعل، وهناك مراجع ومصادر ودراسات وأوراق بحثية سلّطت الضوء على سوسيولوجيا الإرهاب وارتباطها بالتوجه إلى العنف.
وفي أثناء كتابة هذه الورقة؛ تم رصد قضية الضابط الألماني، فرانكوز إيه، وشركائه، كما جاء في مجلة دير شبيغل في مايو 2017، الذي انتحل شخصية لاجئٍ سوري؛ حيث كان يمتلك بحكم منصبه القنوات والأدوات اللازمة للقيام بعملية إرهابية كانت ستُعتبر حتماً هجمة ذئب منفرد قام بها لاجئ متطرف سوري الجنسية، وستستفيد التنظيمات الإرهابية من هذه الكذبة المُهندَسة عمداً، وستتبناها وكأنها حقيقة دامغة؛ ليقوم شخصٌ على وسائل التواصل الاجتماعي بوصف هذا الفعل بأنه "نصر مبين في بلاد الغرب".
وفي الملعب الألماني، نشرت دير شبيغل في سبتمبر 2017، أنه بناءً على معلومات أمنية؛ فهناك نحو 60 مقاتلاً من "جبهة النصرة" المتطرفة في سوريا يقيمون حالياً في ألمانيا، وهم من أعضاء "لواء أويس القرني" الذين جاؤوا إلى ألمانيا كلاجئين.
ويصحّ السؤال هنا: إلى أين تقود مثل هذه المعلومات؟ وهل ستُفاجأ السلطات الألمانية حقاً بأي عمل يستهدف أراضيها؟ وفي هذا السياق؛ أوضحت دراسة حديثة أصدرها "معهد دراسة الحرب – ISW" في سبتمبر 2017 أن "داعش" سيركز عملياته في أوروبا خلال الفترة القادمة؛ خصوصاً بعد أن تعرّض لخسارةٍ كبيرة في أراضيه في سوريا وفي العراق، وسيستغل ما تبقى من ملاذاته الآمنة للتخطيط للهجمات داخل أوروبا.
وهنا لا بُدّ من القول إن "داعش" يحاول أن يصوّر جميع هجمات أوروبا على أنها هجمات ذئاب منفردة لـ بثّ أكبر موجة من الرعب والخوف في العالم، ومن غير المنطقي الاتفاق مع ذلك.
أما وكالة تطبيق القانون الأوروبية "اليورو بول Europol"؛ فهي ترى في تعليقها على مهاجمة محطة مترو الأنفاق في "بارنسونز غرين" في لندن في سبتمبر 2017، أنه لا وجود لأي دلائل على أنّ هناك علاقة مباشرة أو منظمة بين "داعش" وبين اللاجئين في أوروبا وفي بريطانيا وتجنيدهم للقيام بعمليات إرهابية، ولكنهم ربما تأثروا بدعواته المستمرة إلى تنفيذ أعمالٍ إرهابية في أوروبا؛ لكن الواضح أنّ "اليورو بول" يحاول أن يخفف من أهمية ارتباطات "داعش" باللاجئين كنوع من الدعاية الإيجابية الهادفة لتقليل الشعور بالخطر، ولكي يعطي مساحة للأجهزة الأمنية المعنية للقيام بعملها الاستخباري في الوقت الذي يظن فيه "داعش" أن أجهزة الأمن لم تستطع أن تلتقط العلاقة بينه وبين عناصره.
وتُعزى خطورة خلق واستخدام مفاهيم فضفاضة كمفهوم "إرهاب الذئب المنفرد" إلى كونها تضلل الرأي العام، وتُفضي إلى تصوّرٍ مغلوط عن طبيعة المخاطر التي يواجهها العالم؛ فالتسميات تُؤطر فهم الأفراد لهذا العالم ووظيفتهم بداخله. وعلى سبيل المثال؛ فإن إرهاب الذئب المنفرد لا يُعطى كثيراً من الأهمية من قِبل الجموع؛ فكون الذئب "منفرداً" يعني ضمناً أنه شذوذ عن القاعدة، وبالتبعية فإنّه لا يجب القلق منه. والحقيقة الأمنية مغايرة لهذا الافتراض بالطبع.
وبالتالي؛ فإن تطبيق هذا المفهوم على الهجمات الإرهابية يعزز من خطورة عدم القدرة على التنبؤ؛ مما يضع العالم أمام هزيمةٍ حتمية مقابل هذه الجماعات. وعلى ذات القدر من الخطورة؛ فإنّ الإقرار بمفهوم إرهاب الذئب المنفرد يوحي باحتمالية وجود الملايين من الذئاب المنفردة؛ والتي لا يمكن بموجبها، للعاملين في مجال الصناعة الأمنية ومؤسسات إنفاذ القانون حول العالم، أن يتوقعوا تحركاتهم أو يوقفوها.
وعليه؛ فإن الحاجة لتفكيك هذا المفهوم ووضعه في السياق الصحيح أمست مُلحّة، ويجب أن يُبنى هذ السياق على إطارٍ نظري يعالج الخلل في بُنية هذا المفهوم.
وحجر الزاوية في هذا الإطار هو الاعتراف بتناقض مفهوم الذئب المنفرد و"سفسطته" بالصورة التي يُستخدم بها الآن؛ بمعنى أنه بوضعه الحالي ليس إلّا "حكمة وهمية".
فالعمل الإرهابي هو عملٌ يستعير إلهامه من أيديولوجيا قائمة وجامِعة بامتدادها التاريخي وتمدّدها الجغرافي بحكم التطورات التي شهدها العالم، ويتأثر بمظالم سياقية اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية تعززها وسائل التواصل المختلفة؛ التقليدية وغير التقليدية.
وعليه؛ فحتى الفرد الذي نسارع في وصفه بالذئب المنفرد، هو فردٌ تأثّر بمحركات موضوعية تأثرت بها الجماعات الإرهابية ووظّفتها، واستخدم تكتيكات إرهابية يستخدمها جُل الأفراد التابعين لمنظماتٍ إرهابية كـ بث الرعب، والدهس، وإطلاق النار، والتفجير.
إضافةً إلى ذلك، يتطلب هذا الإطار رؤية مفهوم الذئب المنفرد بوصفه أحد تجليات تطوّر سياسات العمل والتجنيد التي تتبعها الجماعات الإرهابية.
وعلى سبيل المثال؛ فإن انتهاج اللامركزية في عمل ما يسمى بـ "تنظيم القاعدة"، وبشكلٍ ملحوظ بعد مقتل أسامة بن لادن، يجب أن يُربط ربطاً وثيقاً بتنامي ما يسمى بـ هجمات الذئاب المنفردة؛ حيث تم الكشف عن علاقات انتماءٍ ربطت العديد من "الذئاب المنفردة" بـ "القاعدة" الأم؛ من أمثال فيصل شهزاد المتهم بتفجير ساحة "تايمز سكوير" في نيويورك، ومحمد بويري الذي قتل المخرج الهولندي ثيو فان غوخ، ومؤخراً في هجمات المسلح المنفرد في "لويزفيل" و"بيتلسبيرغ" ومفجّر البريد المنفرد أيضاً في فلوريدا، سيزار سايسوك، وارتباطهم بـ "داعش".
وفي السياق ذاته؛ فإنّ استخدام "داعش" لمصطلح "الذئب المنفرد" صراحة في أحد أشرطة الفيديو التي أطلقها، ونشره كتيباً كاملاً باللغة الإنجليزية عنوانه "توجيهات إرشادية لسلامة وأمن مجاهدي الذئاب المنفردة والخلايا الصغيرة"؛ هي من المؤشرات الدامغة على مفصلية استراتيجية الذئب المنفرد لهذه الجماعات الإرهابية.
وبهذا؛ تتحتم معالجة وهم تحليل إرهاب الذئب المنفرد، ويصعب الزعم بـ "انفرادية" ما يسمى بالذئاب المنفردة.
ابقى على تواصل
تحليلات متعمقة يتم تسليمها أسبوعيا.
تحاليل ذات صلة: